الاتفاق السعودي – الإيراني يتم رويداً وببطء شديد
كتب عوني الكعكي:
قرّر وزيرا الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والايراني حسين أمير عبداللهيان الاجتماع أمس في بكين لدراسة تنفيذ اتفاق المصالحة الثنائية. وكان الوزيران ناقشا خلال اتصال هاتفي عدداً من الموضوعات المشتركة في ضوء الاتفاق الذي وُقّع في الصين. ومن ثم اتفقا على عقد اجتماع لهما أمس في بكين كما ذكرنا.
ويتوقف المراقبون مليّاً أمام اختيار بكين مكاناً لاجتماعهما هذا… ما يثير تساؤلات عدّة هي:
أولاً: هل لا يزال الحذر الشديد يلفّ هذا الاتفاق ما يعزّز التساؤل أيضاً: من يخاف مِنْ مَن؟ أو فلنكن أوضح: هل التقارب السعودي مع إيران محاولة لكسب الوقت؟
ثانياً: صحيح ان ايران تحرص هذه المرّة أكثر من أي وقت مضى على إنهاء عزلتها واكتساب الشرعية في الداخل… لكن ما يخيف الجانب السعودي هو التقيّة التي يؤمن بها الايرانيون… لذا فإنّ الاتفاق يسير بحذر شديد، وبطء أشد.
ثالثاً: منذ أعلنت ايران والسعودية استئناف علاقاتهما الديبلوماسية المقطوعة منذ عام 2016، بعد مفاوضات قادتها الصين، قد يأتي اجتماع أمس كتأكيد من الطرفين على الوفاء للصين التي هي راعية هذا الاتفاق.
رابعاً: منذ مدّة حلّت الذكرى الثامنة لاندلاع حرب اليمن عام 2015 وسط اختلاف شبه كلّي في ملامح المشهد عما كانت عليه خلال الأعوام الثمانية الماضية. فاليمن يعيش اليوم حالاً من اللاحرب واللاسلم بعد هدنة جرى تمديدها لعدة أشهر… وهذا ما يؤكد ما قلناه مراراً بأنّ مشكلة اليمن وإيجاد حلّ لها هي الأولوية المطلقة عند الطرفين المعنيّين… وأن لبنان هو في آخر حسابات البلدين… ومن يَرَ غير هذا الفهم سيجد نفسه مخطئاً في القريب العاجل.
خامساً: أعتقد أنّ التفاهم ما زال سطحياً، ولم يدخل في العمق بعد… وهذا سبب أكيد من أسباب تريّث الفريقين لمدة شهرين لافتتاح السفارتين من جديد.
سادساً: ثمّة إجماع على أنّ الملف اليمني يجب أن يمثّل أحد العناصر الجوهرية في التفاهمات المقبلة بين الجانبين السعودي والايراني عقب اتفاقهما الموقّع برعاية صينية.
سابعاً: السعودية تريد من الاتفاق بل تسعى جاهدة الى إيجاد حلّ نهائي لتأمين حدودها من الصواريخ التي تتعرّض لها من قِبَل الحوثيين… وهي بالتالي تنشد وضع نهاية لهذه الحرب… لذا فإنّ الأمر سيظلّ مرهوناً بمدى التأثير الجدّي والفعلي الذي يمكن أن تمارسه إيران على حركة «أنصار الله» الحوثية للقبول بتسوية سلمية للنزاع اليمني وإنهاء الحرب.
ثامناً: ما يقلق المراقبين في الاتفاق الذي سبق أن ذكرته إيران سابقاً، وإصرارها على أنّ دعم الحركة الحوثية لا يعني بأي حال من الأحوال التحدّث باسم الحوثيين نيابة عنهم.
باختصار أقول إنّ اجتماع بكين الذي عقد أمس الخميس في بكين بين الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي والإيراني حسين أمير عبداللهيان وزير خارجية إيران، من شأنه أن يطلق الخطوات العملية لتطبيع العلاقات رسمياً بين البلدين تنفيذاً لاتفاق العاشر من آذار برعاية القيادة الصينية، على أن يرخي بظلاله على استقرار المنطقة.. أقول: هذا الاجتماع يطلق الخطوات، لكن عملية الاطلاق -لا شك- محفوفة بالمخاطر، ومتوقفة على حسن النيّات.
على كل حال، فإنّ المباحثات التي جرت في بكين امس، ركّزت كلها على القضايا الأمنية وبعض الثغرات والتوترات… كما جرى خلالها تبديد سوء الفهم والمشاكل التي كانت موجودة بين الطرفين.. لكنني أرى أنه لا بد من الاهتمام بالعمل على تطبيق تفاصيل الاتفاق والسعي للإيفاء بها.
وتأكيداً على ما أقول جاء تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، قبل هذا الاجتماع، والذي أشار فيه بوضوح تام: إنّ اتفاق استئناف العلاقات الديبلوماسية بين بلاده وإيران لا يعني حلّ جميع الخلافات العالقة بين البلدين.
أما أكثر ما يقلق أيضاً فهو ما صرّح به وزير خارجية إيران عبداللهيان قبل هذا الاجتماع أيضاً خلال مؤتمر إن العلاقات بين البلدين تحتاج الى بعض الوقت لتأخذ مجراها الصحيح… فهناك مشاكل لكنها -حسب تصوّره- لا تعيق تقدّم المباحثات.
بالتأكيد نحن نتمنى نجاح المفاوضات، وإن كنا نخاف من التفاصيل التي قد يكون بين طياتها الشياطين… كما نتمنى أن تتوفر الصراحة ويعمّ الصدق لإنهاء سنوات من العداء الذي أجّج صراعات في الشرق الأوسط.
تبقى نقطة أخيرة في غاية الأهمية، وهي الخوف من أن «يتفركش» الاتفاق من قِبَل جهات متضرّرة… وأكبر دليل على ما أقول ما حصل أمس في جنوب لبنان من خلال صواريخ الكاتيوشا التي تشير الى دور «حماس» بإطلاقها خصوصاً ان اسماعيل هنية يزور لبنان في الوقت نفسه… ونتساءل: هل يستطيع أحد التصرّف في الجنوب من دون موافقة حزب الله..؟ وأعتقد ان حزب الله هو أكبر المتضررين من اتفاق السعودية وإيران… فهل فعلها الحزب؟ أم انه سيحاول مرّة أخرى؟