من اتفاق بكين الى الاستغلال رئاسياً… ملف النازحين في بازار الاستثمار
نجوى ابي حيدر
قد تكون اولى اولويات اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية حماية مصالح البلدين امنيا واقتصاديا من دون ادنى شك، الا ان ارساء الامن والاستقرار وازدهار الاقتصاد لا يقتصران على قرار ثنائي ما زال ضمن فترة الاختبار، ولو ان مسار التنفيذ يمضي بسرعة ملحوظة. ذلك ان المملكة والجمهورية ليستا معزولتين عن محيطهما في بقعة جغرافية ملتهبة تتفجر فيها الازمات دوريا وتتنقل بين دولة واخرى.
صحيح ان طرفي الاتفاق يحكمان السيطرة على مفاصل كثيرة في بؤر النزاعات المتفجرة وقد تكون ادرجت كلها ضمن “انجاز بكين التاريخي”، لكنّ ما تظهّر منه حتى الساعة لم يخرج من اطار معالجة الازمات اللصيقة بايران والسعودية ، ولم تلفح رياحه التغييرية الميادين العربية،لا في اليمن ولا في سوريا ولا العراق ولا لبنان وصولا الى فلسطين.
الوقت لا بدّ كفيل بذلك، تقول اوساط سياسية لبنانية لـ”المركزية”، الا ان بعض الجبهات السياسية دخل في سباق محموم مع الوقت يوجب ارساء حلول سريعة خشية انفجاره، خصوصا منه ازمة لبنان المتداخلة فيها العوامل المحلية بالاقليمية والدولية والمهددة بالاشتعال عبر اكثر من ملف آخره ازمة النزوح السوري المتفاعلة بقوة في اليومين الاخيرين والمستخدمة على ما يبدو في بازار الاستحقاق الرئاسي لرفع اسهم هذا المرشح واستهداف ذاك، الى درجة قد لا يتوانى الدافعون في هذا الاتجاه عن لعب ورقة الامن لبلوغ مرامهم.
خطر النزوح السوري على لبنان لا يختلف عليه اثنان، لا سيما في ظل الانهيار القابع في ظله وارتفاع منسوب الاعمال المخلة بالامن بين النازحين واعتداءاتهم على اللبنانيين وممتلكاتهم كما على ممتلكات الدولة من سرقات واعمال قتل اضافة الى تنامي المخاوف من تحوّلهم الى ضيوف دائمين على غرار الفلسطينيين المدججين بالسلاح داخل مخيماتهم، يستبيحون سيادة لبنان ساعة يشاؤون لاطلاق الصواريخ في اتجاه اسرائيل،ويتقاتلون في ما بينهم، ويتحمل لبنان بذلك عن العرب أجمعين وزر القضيتين الفلسطينية والسورية، على رغم انه أصغر دولة، فيما اراضي العرب شاسعة تتسع الملايين. الا ان مقابل ذلك كله،لا يجوز التغاضي عن مسؤولية السلطة اللبنانية التي امعنت في استغلال قضية النزوح منذ لحظة انفجار الوضع في سوريا، اذ انها شرعت الابواب تحت ستار الانسانية للسوريين من دون تنظيم، وعوض ان تخصص لهم مخيمات على الحدود على غرار دول الجوار، وهو ما دعا اليه آنذاك وطالب به التيار الوطني الحر ورئيسه، استغلت الملف وتركت لهم حرية التنقل والحركة الى ان تحولوا عن حق قنبلة موقوتة تنتظر لحظة من يشعل فتيلها.
وتضيف الاوساط ان الاجتماعات والاجراءات التي تتخذها الدولة اليوم على احقيتها، تبقى ناقصة ما دام فريق لبناني مسلح هو حزب الله ممثل في المجلس النيابي والحكومة يحتل مناطق عدة في القلمون الشرقي والغربي في ريف دمشق ودرعا وحلب وحمص ويسعى لتغيير ديموغرافي لا سيما في البلدات المحاذية للبنان، وما دامت القوى والاحزاب السياسية اللبنانية منقسمة حول وجوب اعادتهم، مع ان اعدادا هائلة من بينهم تزور سوريا دوريا، وقد اعلن وزير العمل مصطفى بيرم ان ٣٧٠٠٠ سوري دخلوا الى سوريا وعادوا الى لبنان خلال فترة عيد الفطر، بما ينفي عنهم صفة نازح.
ليس المطلوب حكما استكمال مسار الحقن الطائفي والمذهبي والعنصري ووضع النازحين تحت رهاب العودة القسرية ولا اللجوء الى سياسات الانتقام والتشفي التي يعتمدها بعض اللبنانيين المُعبئين من ممارسات النظام السوري في لبنان على مدى عقود، لأن الشعبين ليسا الا ضحية ممارسات منظومتين سياسيتين فاسدتين بل اعتماد معالجة عقلانية تقتضي تقسيم النازحين الى فئات تتراوح بين اتباع النظام الذين توجهوا جحافل إبان الانتخابات الرئاسية الى السفارة السورية في اليرزة، وهؤلاء لا بد من اعادتهم سريعا ، وبين معارضي النظام الذين يتعرضون للخطر في ما لو تم ترحيلهم، على ان يتم تنظيم اوضاعهم اما باعادتهم الى مناطق آمنة خارج سيطرة النظام او جمعهم في مخيمات على الحدود ، فيما تبقى فئة ثالثة من اليد العاملة اوضاعها قانونية، لا غبار على اقامتها في لبنان.
لاتفاق بكين الكلمة ولرعاته القرار، فإن عالج قضية انسحاب اذرع ايران من الداخل السوري، عبّد درب حل ازمة النازحين، وإن لم يفعل أبقى ملفهم قنبلة مهيأة للاستخدام المحلي في بازار الرئاسة والمزايدات اللبناني. وفي الانتظار، الحكمة والتروي في المعالجة ضروريتان والا!