شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – لن اكسر الحلقة
مرّت، أمس، الذكرى الرابعة على رحيل المثلث الرحمات البطريرك مار بطرس نصرالله صفير، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للطائفة المارونية في لبنان وامتداداتها في الزوايا الأربع من المعمورة، وإنني أغتنمها مناسبة لأترحّم على روحه الطاهرة، متذكراً إصراره على أنه لن يكون الحلقة التي تُكسر في مسيرة بطريركية طويلة من أسلافه الأبرار القديسين بدأت مع القديس مار يوحنا مارون وتواصلت الى اليوم مع صاحب النيافة والغبطة أبينا مار بطرس بشارة الراعي الذي هو أيضاً، وبالتأكيد، لن يكون الحلقة التي ستُكسر. لم يمضِ طويل وقت على غياب البطريرك صفير، لذلك لن أتحدث عن دوره المحوري خلال مرحلة ترؤسه الكنيسة، اذ لا تزال مواقفه التاريخية وأقواله المأثورة البليغة ماثلة في الأذهان. لذلك سأكتفي ببضع محطات جمعتنا معاً، بفضل الزميل العزيز الصحافي الأديب جورج عرب الذي استضافنا الى مائدة عشاء في منزله المطل على المقر البطريركي الصيفي في الديمان، وتلك كانت المحطة الأولى، وقد أعجِبت بذكائه الحاد ونضارة ذاكرته، إلى حدّ أنه ناقشني في قضايا كنت كتبتها قبل أشهر في مجلة «الأسبوع العربي» الشهيرة جدّاً، وكنت في تلك الحقبة رئيساً لتحريرها. الى ذلك كان لمّاعاً، حاضر البديهة، شامل الثقافة، لبنانياً حتى العظم، حارساً أميناً على وحدة الوطن اللبناني (…). المحطة الثانية عندما شاركت، وآخرين، غبطته في «مشوار مشي» صعوداً من عمق «وادي القديسين» الى المقر البطريركي، وبقدْر ما كان غبطته مشّاءً مميزاً، بالرغم من عمره المتقدم، بقدْر ما كنتُ متخاذلاً في هذا المجال، خصوصاً أن المسار يستعصي حتى على المتمرّسين. وما إن مرّ قليلُ وقتٍ حتى أخذ مني الإعياء مأخذه، وبتُّ في شبه عجز عن المتابعة، فلجأتُ الى حيلة لم تجُزْ على غبطته. وتلك كانت بأن أتوقف كل بضع دقائق بدعوى أنني أروي حكاية سياسية معاصرة، أو طرفة تاريخية الخ … وعند التوقف الثالث قال لأحدهم: «رافقْ الأستاذ خليل نزولاً ليطلع في السيارة»، والتفت إليّ قائلاً: «هالحيلة ما ظبطت». الرواية الأخيرة، التي أكتفي بها في هذه العجالة، سردها على مسامعي النائب البطريركي العام المثلث الرحمات المطران رولان أبو جودة (ولعلّي سجلتها قبل سنوات في «شروق وغروب سابق») وهي أنه في تلك الأيام السوداء خلال الاقتتال بين الجيش والقوات اللبنانية، ندب المطران رولان نفسه لمبادرة بين بكركي وقائد الجيش رئيس الحكومة آنذاك العماد ميشال عون. قال المطران: قصدتُ قصر بعبدا فاستقبلني الجنرال وبادرته الى القول: أنا هنا بمبادرة ذاتية ولست موفداً من غبطته وأود أن أبحث معك في تطرية الجو معه، فما هو المطلوب؟ أجابني: أمرٌ واحد، يتحدث غبطته باستمرار عن «المقاتلين من الجانبين» نحن جيش ولسنا مقاتلين، وأما في السياسة والعاطفة فليتخذ البطريرك الموقف الذي يريد. وأضاف أبو جوده: قلت له: هذه بسيطة يا دولة الرئيس. وعدت الى بكركي وأطلعت البطرك على ما جرى، فلم يعلق بأي كلمة. وعلى الأثر طلب استدعاء ممثلي وسائط الإعلام الى «لقاء عاجل» وفي تقديري أنه سيتحدث عن شباب القوات وعناصر الجيش وعندما التأموا حوله، استهل البطريرك كلامه بالعبارة الآتية: «إن المقاتلين من الجانبين» الخ…