فوضى الإستفتاءات الفنية والجيوش الألكترونية.. تطبيل وتضليل
الإستفتاءات الفنية تنتعش في مواسم محدّدة، وتكون غالباً مفبركة ومزيّفة بأرقامها، وعرضة للتلاعب بها، وهي مثيرة للجدل لأنّ الفوز بالمرتبة الأولى له معاييره ومصداقيته. ترشيحات وهمية، تليها إعلان أسماء النجوم أو أعمالهم الفائزة، ويحصل ذلك على سبيل المسايرة والتعويم، ولكن أيضاً على حساب حسن التقييم. طرحنا هذا السؤال على عدد من الزميلات والزملاء:
إجراء الإستفتاءات الفنية حول أفضل فنّان أو أغنية أو كليب أو ممثّل أو مسلسل، هل تعتبرها وهمية وعشوائية وتفتقد إلى المصداقية لأنّها لا تعتمد معايير علمية؟ وهل تقييم الأعمال الفنية وصانعيها تتحكّم به المزاجية والمصلحة؟
*يمنى شري: الإستفتاءات أصبحت غير دقيقة في زمن مواقع التواصل، والجيوش الألكترونية تكسب في لعبة التصويت لفنّانها المفضّل على حساب فنان آخر لم يفعل المثل. أيضاً بعض الفانز أصبحوا مستشارين إعلاميين للفنّانين، ومن ثم أطلقوا على أنفسهم لقب «صحافيين»، وبعدها أطلقوا مواقع فنية لتحقيق الترند من خلال إفتعال مشاكل بين فانز الفنّانين الآخرين. أما بخصوص تقييم الأعمال فيجوز القول إنّه تتحكّم به المزاجية والمصلحة بسبب الضائقة المالية والأنانية، إضافة إلى الصحافيين المحسوبين على فنّانين معيّنين، وهذا يعني أنّ هناك فوضى وعدم إحتراف. ويبقى التعويل بالمقابل على المهرجانات التي لها تاريخها ومصداقيتها، والتي تعتمد على لجنة تحكيم تفهم بالفن والموسيقى، علماً أنّنا اليوم نفتقد إلى نقّاد فنّيين «أحرار»، وهؤلاء تنهال عليهم الشتائم من جمهور الفنّان الذي ينتقدونه، لدرجة أنّ الأجواء الفنية على مواقع التواصل صارت تشبه أجواء الأحزاب السياسية، ويبدو بالتالي أنّ الفنانين لا يمانعون في هذا الخصوص. وبرأيي حتى النقد البنّاء لم يعد أحداّ يتحمّله، رغم إجماع الجميع على التأكيد أنّهم يتقبّلونه ويحترمونه. أيضاً المنافسة أصبحت أقوى خصوصاً في مجال الدراما، لأنّنا نحتار أيّ مسلسل نتابع. وقلائل هم نجوم الغناء الذين يصدرون ألبومات كاملة، ويفضّلون الأغنيات المنفردة، وإذا لم يفوزوا بجائزة في مهرجان معيّن، لا يلبوا الدعوة لحضوره، الأمر الذي يفقد هذا الحدث عنصر التشويق لمعرفة الفائز من المرشحين. وبرأيي أيضاً أنّ الإستفتاءات كثيرة، وتقريباً كلّ الفنانين نالوا صفة «الأفضل»، وهذه فوضى وعشوائية تؤدي إلى التشكيك بمصداقية الجوائز وأحقّية نيلها أو العكس.
*وليد فريجي: لست مع مبدأ التعميم السلبي في مصداقية الإستفتاءات الفنية، ففي كثير من الأحيان تكون مبنية على أرقام حقيقية فيها الكثير من المصداقية، وهنا لا بدّ من إجراء مقاربة بسيطة للتأكّد من ذلك، من خلال العودة إلى إسم وتاريخ المؤسسة أو الموقع الذي يجري الإستفتاء. كلامي هذا لا ينفي أنّ الكثير من هذه الإستفتاءات لا تمتّ إلى الواقع بصلة، حيث قد تتحكّم فيها المصالح والإعتبارات والصداقات الفنية. أما فيما يتعلّق بالشقّ الثاني من السؤال، فلا بدّ من التمييز بين مجموعتين: المجموعة الأولى هم النقّاد من أهل الاختصاص، والمجموعة الثانية هم الصويحفيين الدخلاء والذين بمعظمهم تحوّلوا من قائمة «الفانز» على نطاق ضيّق، إلى استعارة صفة صحافي وامتلاك أدوات «الطرش» وممارسة أسوأ أنواع الصحافة. القسم الأول نادراً ما تشوبه شائبة في تقييمه للأعمال الفنية وصانعيها، في حين أنّ القسم الثاني لا فائدة ولا حول من تقييمه، لأنّه بالدرجة الأولى يحتاج إلى تقييم ذاتي ومهني. ولا بدّ أيضاً من الإشارة إلى أنّنا في زمن رديء إعلامياً وصحافياً، والسبب هو مواقع التواصل بالدرجة الأولى التي جعلت لبعض الأبواق مكان، وبعض النجوم الذين أحاطوا هالتهم بجهلة لا يجيدون إلا التطبيل والتزمير.
*ريتا الخوند: غلب الطابع التجاري على معظم الإستفتاءات الفنية في السنوات الأخيرة، وهذا ما حصل بشكل فاضح خلال وبعد الموسم الرمضاني الدرامي هذا العام، إذ سارع معظم صنّاع المسلسلات كما أبطالها إلى إعلان وتأكيد تصدّر أعمالهم المرتبة الأول بنتيجة الاستفتاءات، وهذا ما جعل كل المسلسلات وأبطالها في المرتبة الأولى. وبالتالي لم يعلن أيّ أحد منهم عن مصادر هذه النتائج العشوائية التي حوّلت موضوع الإستفتاءات الفنية إلى أضحوكة لم تعد تنطلي على المشاهدين. والأمر لا ينحصر بالدراما فقط، إنما ينسحب كذلك على الفنون بشكل عام، فموضوع شراء المعجبين والجيوش الإلكترونية صار موضة العصر، لذا لا إستفتاءات حقيقيّة وشفّافة إلا من خلال هيئات ومؤسّسات وشركات متخصّصة وعريقة وصارمة، ولها معاييرها العلميّة التي لا تحيد عنها مهما تقدّم لها من إغراءات ماديّة. وهنا أؤكد أيضاً على مسؤولية الإعلام الذي يساهم أحياناً كثيرة بالتضليل، من خلال تسرّعه في نشر النتائج قبل التأكّد من مدى شفافية ومهنية الإستفتاء، وأنا طبعاً هنا لا أعمّم. لذا صارت معظم الإستفتاءات الفنية وهمية ومفصّلة على مقاسات شركات الإنتاج وأبطالها، لا على أساس المعايير العلمية والقدرات المهنية والكفاءات. أما بالنّسبة لتقييم الأعمال الفنية، فالأمر يختلف لأنّ النّتائج ما زالت تعتمد على لجان مؤلّفة من مجموعة من الإختصاصيين من كل المجالات، والغرض من هذا التدبير تقييم العمل الفنّي بناء على جوانبه كافة، وبحيادية تحول دون إمكانية تحكّم مزاجية أو مصلحة أحدهم بقرار المجموعة، والارتقاء فوق المزاجية، والمشاعر والخلافات أو المصالح الشخصيّة، هي العناصر الأساسية وراء نجاح لجان تقييم الأعمال الفنية، وتميّز بعض المهرجانات المحلية عن غيرها. إنّ النهضة الفنية تمثّل حضارة البلد، لذا يجب أن يحتكم صنّاع الفن والفنّانون إلى المتخصّصين المؤهّلين لتقييم الحركة الفنية والثقافية، ممّن يتميّزون بالمعايير العلمية وبالمصداقية والجرأة في الإستفتاءات كما في تقييم الأعمال الفنيّة.
*نجوى سابا: رغم أنّ طرق الإستفتاءات تُدرّس في الكليات والجامعات، نرى أنفسنا أمام حالة من العشوائية والإفتقار للنزاهة والمصداقية، وغالباً ما تتبع هذه الإستفتاءات الأهواء الشخصية للقائمين عليها، إلا إذا كانت صادرة عن مؤسّسة عريقة ومحترمة وتتمتّع بالشفافية، فيمكن حينها للإستفتاء أن يكون حقيقياً إلى حدّ ما، ولا يمكن تجاهل أرقام نسبة المشاهدة أي الرايتنغ، فهو معيار أساسي لقياس مدى نجاح العمل الفني.ورغم تعدّد الطرق والأدوات المتبعة في إجراء الإستفتاءات الفنية، أرى أنّها تتّصف بالتعقيد بعض الشيء، ولا أحد يستطيع جسّ النبض الجماهيري بشكل صحيح وفعال مئة بالمئة، ولا يوجد أيّ ضمانة أو وسيلة للتحقّق من نتائجها خصوصاً مع التطوّر التكنولوجي.
فدوى الرفاعي