غموض في الموقف الأميركي تجاه لبنان
يثير الهدوء الأميركي تجاه الأزمات التي يعيشها لبنان تساؤلات عديدة. وقياسا للتشعبات الكثيرة للمشكلات اللبنانية ولمدى خطورة هذه المشكلات، تبدو المواقف الصادرة عن الدوائر المختلفة للإدارة خجولة وليست على مستوى ما يجري، حتى أن كلام المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان عن تفويض يحظى به من مجموعة أصدقاء لبنان العربية والدولية، لم يقابله أي تأكيد أميركي على هذه المقاربة، وفقاً ل”الأنباء” الكويتية.
يقول عدد من الذين يلتقون السفيرة الأميركية الممدد لها دوروثي شيا: إنها تستمع لمجالسيها أكثر مما تتحدث إليهم، وهي لا تقارب الملف الرئاسي إلا من باب التأكيد على ضرورة إتمام عملية الانتخاب لسد الفراغ في الموقع، وللبدء بالإصلاحات الضرورية التي طلبها صندوق النقد الدولي وتفرضها عملية التعافي، وشيا تمارس استرخاء واضحا في عملها مليئا بالبرامج الترفيهية والرياضية، بما فيها القيام بمغامرة ركوب المظلات الشراعية.
أما البيانات التي تصدر بين الحين والآخر عن الخارجية الأميركية، او عن السفارة في بيروت تعليقا على أحداث مهمة جرت في لبنان، فهي عادية ولا تحمل أي تنبيه او موقف حاسم، باستثناء الإشارة الواضحة الى أهمية الدور الذي قام به الجيش إبان الحادثة الخطيرة التي جرت في الكحالة على أثر انقلاب شاحنة حزب الله المحملة بالأسلحة في التاسع من آب، ولولا دور الجيش ربما كانت البلاد انزلقت إلى فتنة واسعة.
والبيان الذي صدر عن وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، كان غامضا، وله عدة أوجه، ولم يؤخذ على محمل الجد من الأوساط المالية، لأنه لم يرفق بمعلومات محددة تؤكد تجاوزات سلامة، وبدا كأنه مطلوب لإتمام توليفة يحضر لها على المستوى المالي في لبنان، وقد تكون العقوبات جدية وقد تكون شكلية من دون أي إجراءات. أما فرض عقوبات على جمعية بيئية لبنانية «أخضر بلا حدود» المقربة من حزب الله من قبل وزارة الخارجية في 16 آب، فكان لمحاكاة ملف الخيمة التي قيل إن الجمعية نصبتها على الحدود قرب قرية الغجر، وكادت تحدث توترا أمنيا بين لبنان وإسرائيل.
من الواضح وفق رأي مطلعين على السياسة الخارجية الأميركية، أن لبنان ليس أولوية لواشنطن في هذه الفترة على الإطلاق، وهي تحاول تقطيع الوقت من دون أن يحصل فيه خضات أمنية كبيرة تحرج حليفها الإسرائيلي، وتؤدي إلى تفاقم الفوضى في لبنان.
وفي قراءة هؤلاء، أنه ليس لواشنطن أي طموحات استثمارية في لبنان، او في مياهه الإقليمية، ولا تحمل أي مشروع لتغيير النظام، او لتغيير توزيع تقاسم السلطة الذي أقر في اتفاق الطائف في نهاية العام 1989، ودعمها لمنظمات المجتمع المدني ماليا، كما للنواب التغييرين، لا يعدو كونه برنامجا معتمدا منذ قبل نهاية الحرب الباردة، وكان موجها ضد الحركات الشيوعية واليسارية، ومازال تمويل البرنامج قائما تحت شعار تدريب الشعوب على الديموقراطية، بينما يستغله نافذون في الإدارة الأميركية وخارجها لتحقيق مآرب عقائدية غريبة، أحدها الترويج للمثلية الجنسية، أو «الشذوذ الجنسي». والواضح أن واشنطن تهتم فقط لأن يكون لبنان خارج دائرة المؤيدين لروسيا في حربها الأوكرانية.
بإمكان واشنطن أن تلعب دورا محوريا في مساعدة لبنان، وهي قادرة على الضغط أكثر على المراجع النيابية والكتل الكبيرة لتوحيد الموقف من ضرورة الاستمرار في عقد جلسات متواصلة لمجلس النواب للوصول الى انتخاب الرئيس.
لا يبدو أن لواشنطن أطماعا استراتيجية او خطة لتوسيع نفوذها في لبنان، وبناء سفارة كبيرة جديدة بتكاليف باهظة جزء من برنامج تعتمده الخارجية لتأمين سكن ووسائل أمان لطاقم السفارة، كما هو معتمد في غالبية العواصم المهمة في العالم، ولا تحمل عملية البناء توجهات استراتيجية جديدة كما يؤكد المتابعون.