لبنان بين منصة التنقيب عن النفط وغصة التنقيب عن… لقمة العيش
اختزلت «الصورة الناقصة» لأركان الحكم في لبنان خلال زيارتهم منصة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 في المياه الإقليمية اللبنانية وعلى «مرمى حجر» من الآبار الإسرائيلية، المشهد اللبناني العائم فوق بحر من الانهيارات في السياسة والمال والاقتصاد.
رئيسا البرلمان نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اعتليا منصة الحفر Transocean Barents بعد هبوطهما بطوافة تابعة لشركة «توتال»، وغاب عن «الحلم الموعود» بوجود ثروة دفينة في الأعماق رئيس الجمهورية «المجهول باقي الهوية» بعدما عجزت «اللعبة السياسية» عن فك أسر انتخابه منذ أكثر من عشرة أشهر.
ولم تحرف صورة الاحتفال بتدشين عملية التنقيب بدءاً من غد الخميس الأنظار عن فشل الائتلاف الحاكم في كبح جماح الانهيار المتمادي عبر استمرار معاندة الإصلاحات الشرطية لتعافي البلاد، ما يجعل مصير أيّ ثروات مكتشفة في «السلة المثقوبة».
فاليوميات اللبنانية تراوح بين حدي وقائع الانهيارات المتفاقمة دون هوادة على عتبة «الاحتفاء» بانقضاء عامها الرابع، وآمال معقودة على ثروة غازية ونفطية كامنة في بلوكات المياه الإقليمية، بعدما فشلت الدولة في صوغ خريطة طريق الإصلاحات الهيكلية والمعززة بدعم صندوق النقد الدولي والدول المانحة.
وتحت شبه «طيف» لحضورالسلطات التشريعية والتنفيذية، والتغييب المتمادي لأدوار مؤسسات القطاع العام المحورية في إدارة شؤون البلاد والاقتصاد، يتجلى أكثر تناقض المشهد في اللوحة ذاتها، حيث يلوح في جانب منها الأبيض المنشود رفع راياته، بعد أسابيع قليلة، على متن باخرة التنقيب عن ثروة الغاز والنفط في أقصى الجنوب. وبعكسه يبرز الأسود المكتوم في مخاوف صريحة منقولة عن قائد الجيش جوزف عون من نفاد وشيك لأرصدة المساعدات المالية القطرية والأميركية الداعمة لمخصصات العسكريين، وتقلص المخزون الإستراتيجي لمادة البنزين إلى شهر واحد، قد يتعذر بعده تسيير الدوريات والمهمات اللوجستية.
وتشكل رمزية التناقض الصارخ نموذجاً لواقع التخبط الداخلي وتعميق الانغماس في دوامة الأزمات، بحسب تحليلات الخبراء ومسؤولين معنيين في القطاع المالي تواصلت معهم «الراي». بل ان جدول الاستحقاقات المالية الداهمة يتسم بغموض كبير وغير بنّاء، بعدما انقطع، وحتى إشعار غير معلوم، خط سير مشروع قانون موازنة العام الجاري، ليتحوّل أسيراً، كما حزمة مشاريع القوانين المالية الإصلاحية، للعبة التجاذبات المتقنة من الأطراف الفاعلة، والمتمترسة خلف «متاريس» الفتاوى القانونية لمشروعية التشريع من عدمه في ظل الفراغ الرئاسي، والمشرف بدوره على إطفاء شمعة السنة الأولى بعد شهرين.
ووفق قراءة مسؤول مالي، فان الخشية تتصاعد في الأوساط الاقتصادية من استعادة التجارب السابقة لادارة المالية العامة من دون الحاجة الى ضوابط تشريعية ناظمة، والتي تمّ تصنيفها يوماً ما من قبل مرجعية فاعلة كنموذج يُحتذى يمكن للبنان تقديمه إلى العالم. وسط تعثر متماد لمشاريع قوانين وضع الضوابط الاستثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) وإعادة هيكلة المصارف، وبلوغاً الى خطة التعافي الحكومية المحتجبة بلا تقدم يذكر في أدراج النواب ومجلسهم.
ومن البديهي ان تحوّل هذه المعادلات الملتبسة، أنظار المراقبين إلى تحركات القيادة الجديدة للبنك المركزي وتصرفاتها برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري وفريقه من نوابه الثلاثة المشاركين في صناعة القرار. فيما تبقى ملاحقة «أخبار» الحاكم السابق رياض سلامة في صدارة الاهتمامات العامة والمالية على السواء، لاسيما في ظل الدفق الاستثنائي للمعلومات و الاشاعات التي تطول شخصه وتحركاته ومحافظه المالية والوثائقية. فضلاً عن الملاحقات القضائية المنتشرة من الداخل إلى قارتي أوروبا وأميركا.
فبموجب لائحة المطالب – الشروط لقبول المسؤوليات وصرف النظر عن الاستقالات أو الاعتكافات، تضمّن الجدول الزمني المرفق من قبل هيئة الحاكمية، الاستحصال خلال الشهر الجاري على إقرار قانون الموازنة والشروع بإعداد موازنة السنة المقبلة، وإقرار ناجز لقانون الكابيتال كونترول المتأخر عن موعده الإجرائي نحو ثلاثة أعوام ونصف العام، واتخاذ التدابير الآيلة إلى توسيع عمل مدققي وزارة المال، وتحديد آليات تدخل المصرف المركزي في سوق القطع لحماية الليرة.
ومن المؤكد، فإن «علامة الصفر» مرشحة بامتياز لمجمل هذه البنود الحيوية في المدى الزمني المحدد، وربما دفعها، وفق تحليل المسؤول المالي، إلى خانة التسويف والمماطلة التي تقوم على فلسفة شراء الوقت بأثمان موجعة يتكبّدها الاقتصاد والمجتمع. بينما تتقاطع المعلومات عن إشارات إيجابية تتصل بإدارة السيولة النقدية وترجيح استجابة السلطة النقدية لتغطية مخصصات القطاع العام والضروريات من مصروفات الدولة بالدولار.
ووفق معلومات خاصة لـ «الرأي»، فإن حاكم المركزي بالإنابة نجح في جمع رصيد يناهز 79 مليون دولار من أسواق القطع غير النظامية، أي عبر قنوات شركات الأموال والصرافين. وهو ما يُمثل تعويماً جزئياً لمنصة صيرفة الموقوفة عن النشاط، بتعميم «غير معلن» صدر عن «الحاكم» وبوشر بتنفيذه بدءاً من أول الشهر الجاري.
وبذلك، يرتقب انسياب سداد مخصصات القطاع العام للشهر الجاري عبر أجهزة الصرف الآلي في الفروع المصرفية، تبعاً للآليات عينها التي اعتمدها الحاكم السلف. كما يُمكن للمركزي تغطية الاحتياجات الملحة بالدولار لصالح المؤسسات العسكرية والأمنية، وبالأخص الاستجابة للصرخة المنقولة من صالة اجتماعات قائد الجيش. فيما ستبقى مسألة صرف اعتمادات باخرتي الفيول المستوردة لصالح مؤسسة الكهرباء، وبقيمة تقارب 59 مليون دولار، قيد تسوية محتملة بين رئاسة الحكومة ووزير الطاقة وليد فياض، ليبنى على المندرجات المقتضى النقدي «الناضب».