هل من سيناريوهات “مخفية” و”مخيفة” خلف “النزوح السوري المنظم”؟!
ليس من السهل احصاء كامل السيناريوهات التي تحاكي موجة النزوح السوري الجديد باتجاه لبنان. ومصدر هذه المخاوف يتصل بالشكل الحاصل ولا سيما عندما يتخذ شكل “الغزوة” المنظمة التي كشفتها بعض الصور “المستغربة” التي خضعت لكثير من التشكيك قبل التثبت من صحتها، وخصوصا تلك التي اتخذت شكل “القوافل ” لمجموعات شبابية يحمل كل منهم “جعبته” على ظهره وكأنه في مهمة “كشفية” أو “حزبية” وان عليه تنفيذ المهمة التي كلف بها وان ما عليه سوى الالتزام بما تفرضه كاملة، غير آبه بما لقيته بعض المجموعات من مصير قاتم انتهى الى اعتقالهم وإعادتهم من حيث انطلقوا بعدما نجحت مجموعات أخرى في الوصول الى مقصدها فانضموا الى بعض المخيمات العشوائية التي سبقهم اليها آخرون قد يكونون من مناطقهم او من بيئات مماثلة.
هذا في الشكل، اما في المضمون وفي ما يتصل بعمق الظاهرة وخلفياتها، تختلف القراءات المتعددة الوجوه الامنية منها كما الديمغرافية والسياسية. وهي معطيات مربكة بمجملها وسيكون لها تأثيراتها السلبية على مختلف وجوه الحياة اليومية للبنانيين والسوريين. فهي من المستجدات التي ستتحكم بالوضع المحيط في ضوء النزوح السوري المتفلت والمنظم في آن. فما هو حاصل في الأسابيع القليلة الماضية تزامنا مع الحديث عن أزمات اقتصادية وارتفاع جنوني للدولار قياسا على العملة السورية ينعكس على حاجاتهم اليومية التي باتت صعبة على عائلات بكاملها. وهي ظاهرة مختلفة عن موجات الهجرة السابقة التي جاءت بها العمليات العسكرية التي انطلقت من الداخل السوري باتجاه الأراضي اللبنانية كما الاردنية والتركية تنتشر على مساحة لبنان بطريقة عشوائية فتوزعوا بنسب مختلفة وصولا الى تكوينهم نصف السكان القاطنين في بعض الاقضية وزادوا على سكان مناطق أخرى بخلاف ما اعتمدته السلطات التركية والاردنية التي لجأت الى نظام المخيمات “المقفلة” و”المحصنة” أمنيا لاحتوائهم ورفض انتشارهم عشوائيا.
على هذه الخلفيات ،عبرت مراجع امنية وسياسية عبر “المركزية” عن مخاوف جدية من الظاهرة الجديدة في غيب ما يبرر تحولها الى “نزوح اقتصادي” إن لم يكن “أمنيا” ان صحت بعض السيناريوهات الخطيرة التي تتحدث عن الحاجة اليهم في المخيمات او مناطق مختلفة من لبنان لإحداث بعض التوازن المفقود فيها قياسا على حجم بعض الظواهر والتوقعات التي برزت في الفترة الاخيرة. وهي وفق بعض التقديرات الاستخبارية الغربية منها والمحلية – وما هو متوفر من معلومات – بطريقة باتت تشكل خطرا حقيقيا على نسيج بعضها وخصوصا تلك التي انتشرت في بيئة حاضنة كانت قبل وصولهم تحت خط الفقر المدقع ولا تستطيع توفير الحد الادنى مما هو مطلوب للعيش بالحد الأدنى الممكن من المدخول.
كان ذلك قبل ان ترزح بعض المناطق تحت وطأة ما تسببت به المساعدات الاممية والعربية والدولية من فوارق بين مدخول اللبنانيين والنازحين الذين يصطفون مطلع كل شهر وفي مناسبات مختلفة أمام الصراف الآلي لجمع ما تلمسوه من مساعدات بات اللبنانيون عاجزون عن توفير جزء منها. وهو ما تسبب ايضا بردات فعل غير محمودة انعكست توترا أمنيا في بعض المناطق نتيجة ممارساتهم لبعض المهن وتوفير بعض الخدمات السريعة ما اسهم في ارتفاع نسبة البطالة بين اللبنانيين وكساد البضائع في محلاتهم التجارية ومؤسساتهم الصغيرة.
والدليل على ذلك ما صدر من جداول مقارنة واحصائيات بينت الفوارق الكبيرة قياسا على ما الحقوا به من أضرار كبيرة بمصالح اللبنانيين الحيوية وصولا الى تهديد وقطع مصدر رزق نسبة كبيرة منهم. فهم وبكل بساطة يزاحمونهم في كل زاوية وقطاع اقتصادي وتجاري ومالي وصولا الى المهن الحرة بمختلف اختصاصاتها والخبرات المهنية والصناعات الخفيفة هذا ان لم ينتقل الهم عينه الى بعض المهن الادارية وتلك المتخصصة في قطاعات الصحة والخدمات الطبية التي لا تحتاج سوى الى عيادات خفيفة بتجهيزات بسيطة.
انطلاقا مما تقدم، عاينت التقارير الديبلوماسية آثار هذه الظواهر قبل ان تتعمق في البحث عما ادى الى “الزحف السوري الجديد والمنظم” ليخضع الى عملية رصد عميقة للجهات التي تكمن خلفها سعيا الى فهم ما هو مقصود منها وخصوصا الهم الامني المتقدم على كل المخاوف الاخرى. ولذلك فقد تعززت الشكوك والظنون مما يخطط للبلد من مآس إضافية محتملة في مرحلة غابت فيها الدولة عن ادوارها الأمنية والاقتصادية منذ ان فشلت في ضبط حدودها وعجزها عن اقفال المعابر والطرق والمسارب المخصصة لما يسمى بـ “المجاهدين” المنخرطين الى جانب النظام السوري والتي بنيت من اجلهم الثكنات والمؤسسات الامنية والعسكرية، في ترجمة عملية لخيارات حولت لبنان ساحة مواجهة ملحقة والساحات الملتهبة عدا عن اعتبارها من قبل بعض الحكومات والدول العربية والغربية مصدرا كبيرا للقلاقل في دول اخرى جراء انغماسها في الأزمات الإقليمية تحت شعارات “وحدة الساحات” في محور الممانعة الذي يقود المواجهة مع العدو الاسرائيلي قبل ان يسجل اي اشكال أمني مباشر مع هذا العدو وانحصرت مهامهم بتدمير المناطق العربية في الداخل الفلسطيني المحتل والمحاصر كما في دول الجوار السوري والفلسطيني.
وعند حجم المخاوف الناجمة عن هذه المستجدات الامنية أعربت المراجع الأمنية والديبلوماسية عن مخاوفها من الحملات الاعلامية التي تحاكي مسؤولية السلطات اللبنانية والجيش بشكل حصري عما يجري وكأن قوى الامر الواقع التي تتمتع بحرية الحركة على الحدود والمعابر الشرعية أيضا لا تتحمل أي مسؤولية وهي التي ادعت يوما إنها سيطرت على مختلف النقاط الحدودية التي شهدت أعمال تسلل للارهابيين وقوات “النصرة” و”داعش” قبل ان تتفلت الحدود أمام عمليات التهريب المنظم للمواد الغذائية والإنتاج الزراعي والصناعي السوري و المستورد من إيران والعراق عبر الأوتوستراد الممتد من الحدود الايرانية – العراقية وصولا الى السورية منها والى لبنان، عدا عن تلك التي تسير عليها الهجانة السورية ووحدات الجيش السوري النظامي على الحدود الشمالية ما بين ضفتي الحدود الممتدة في موازاة مجرى النهر الجنوبي الكبير.
وللدلالة على مسؤولية هذه الأطراف فإن بعضا من خطوط الهجرة المعتمدة لا يمكن فصلها او إبعادها عن جانبي المعابر المحكومة ميليشيويا والمخصصة لنقل المحروقات الإيرانية التي غزت الأسواق النفطية في البلاد والتي تعبر بحمولتها من المخازن السورية في بانياس ومناطق سورية مختلفة تصلها المشتقات النفطية عن طريق ميناء بانياس او غيره من الموانىء السورية التي تتحكم بها وحدات النظام والإيرانيين بغض نظر روسي طالما ان البحرية الروسية قد كلفت بمراقبة المياه الاقليمية السورية قبل ان تبدأ شركات روسية بالبحث عن الثروة النفطية في البلوكات قبالة الجزء الجنوبي من الساحل السوري الشمالي وصولا الى الإعتداء على حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة شمالا.
عند هذه الحدود تتوقف القراءات الأمنية والاستخبارية السلبية لظاهرة النزوح المستجد والمنظم مخافة ان تكون من الخطوات الاولى لتكوين “جيش جديد” يتنافس على السيطرة على مناطق مختلفة في مواجهة جيشين آخرين واحد ترعاه طهران بكل صراحة، وآخر قد يتشكل بين ليلة وضحاها متسلحا بمنطق الثورة السورية الناقمة على النظام وحلفائه في لبنان والداخل. وهو ما يعزز المخاوف من خطط “مخفية” و”مخيفة” فهما “وجهان لعملة وسخة وخطيرة واحدة”.