سلامة والتحقيق السويسري.. استراتيجية ذكية تقلب السحر على الساحر
يَعتبر أصحاب الإختصاص المالي والمصرفي أن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يعمد الى التعاطي مع الحملة الجديدة التي تستهدفه –على خلفية ما بات يعرف بالتحقيق أو “التحقق” السويسري من مدى صدقية الإخبارات التي تتحدث عن عمليات تبييض أموال واختلاسات في مصرف لبنان– على قاعدة “أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم”.
ويشير هؤلاء الى اهمية اعلان سلامة عن قراره بالإدلاء بما لديه، والإجابة شخصياً ووجهاً لوجه في سويسرا على استفسارات النيابة العامة الفدرالية السويسرية من منطلق ان القضية المثارة انطلقت من سويسرا.
واللافت أن سلامة لم يعمد الى إعلان قراره التوجه مباشرة الى سويسرا في إطار لعبة كسب الوقت، أو التهرب من الإجابة على استفسارات وأسئلة النيابة العامة التمييزية في لبنان، لكنه توجه، فور وصول طلب التعاون القضائي من سويسرا الى النيابة العامة التمييزية في لبنان، الى مكتب المدعي العام، غسان عويدات، لوضع ما لديه من معلومات ووقائع بتصرفه.
بذلك يكون سلامة، بحسب هؤلاء، أول مسؤول لبناني رفيع يبادر الى وضع نفسه بتصرف القضاءين اللبناني والدولي، في إطار التحقيقات التي تشمل أكثر من ملف مالي وأمني. ففي وقت امتنع رئيس حكومة تصريف الاعمال، حسان دياب، ووزراء ونواب سابقون ومسؤولون سياسيون وأمنيون وعسكريون عن المثول أمام المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت وعمدوا الى التذرع بالحصانات والاحتماء بالمرجعيات الدينية والسياسية للتهرب من المساءلة، اعتمد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، استراتيجية مناقضة بتلبيته الدعوات والاستدعاءات الصادرة عن القضاء اللبناني، على رغم أن معظمها يتخذ الطابع الكيديّ، فلبى طلب مدعي عام جبل لبنان، القاضية غادة عون، في ملف تلاعب الصيارفة بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، وطلب مدعي عام التمييز بالاستماع الى اجوبته على الأسئلة والاستفسارات السويسرية، وذهب بعيداً في قراره التوجه مباشرة الى سويسرا للإدلاء بما لديه.
وفي رأي أصحاب الاختصاص المصرفي والقانوني، فإن سلامة اعتمد هذه الاستراتيجية ليس فقط في إطار الدفاع الشخصي عن نفسه، وإنما، والأهم من ذلك، في إطار خطته لحماية مصرف لبنان والقطاع المصرفي من الحملات المشبوهة التي تستهدفهما.
ويتوقع هؤلاء أن تشهد الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، دعاوى معاكسة، في لبنان والخارج، من جانب مصرف لبنان كمؤسسة وكشخصية معنوية مستقلة، ومن جانب رياض سلامة شخصياً، على كل من ساهم ويساهم في جريمة تدمير الاقتصاد اللبناني من خلال ضرب صدقية مصرف لبنان وتشويه سمعته الدولية والإضرار بالعملة الوطنية من خلال الشائعات والإخبارات التي لا تستند الى أية إثباتات أو دلائل حسية، وهي جرائم افتراء متعمّد تنعكس سلباً على كل الشعب اللبناني وعلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية بشكل عام.
وتخلص المصادر الى القول ان سلامة الذي قارب بهدوء، وتعاطى بروية وحنكة وعلم مع فريق عمله القانوني في ملف التدقيق المالي الجنائي الذي كان يهدف الى تحميل مصرف لبنان زوراً مسؤولية الارتكابات السياسية والفساد الذي يضرب المؤسسات الرسمية التابعة للسطة التنفيذية، والمفترض أنها خاضعة لرقابة ومساءلة السلطة التشريعية، ونجح في وضع الأمور في نصابها الصحيح بحيث لا ينحصر التحقيق في مصرف لبنان وإنما يشمل كل مؤسسات الدولة، يسير في الاتجاه نفسه في التعاطي مع التحقيق السويسري، بحيث سيجد المحرضون الذين يقفون خلف الإخبارات المسيئة الى الدولة اللبنانية، أنفسهم في قفص الاتهام وفي موقع المدعى عليهم لا في موقع المدعي، فينقلب السحر على الساحر مرة جديدة، ويقع أصحاب الكيدية في الأفخاخ التي عملوا على مدى الأشهر والسنوات الماضية الى حفرها للمصرف المركزي وحاكمه.
المركزية