المنتدى الإقتصادي والإجتماعي: سياسة الحكومة المالية تغييب للإصلاحات
عقد «المنتدى الإقتصادي والإجتماعي» جلسته الاسبوعية واصدر في ختامها البيان التالي: «تعتبر موازنة الدولة الركيزة الاساسية لسياسة الحكومة المالية ولقد أعدت الحكومة اللبنانية موازنة سنة ٢٠٢٤ فأتت تفتقر لرؤية إقتصادية ولا تتضمن إستثمارات مجدية أو فرص عمل، وانما تفرض على الشعب ضرائب ورسوما باهظة وتساير كبار المتمولين على حساب الخزينة. كذلك لم تضع الحكومة خارطة طريق او روزنامة زمنية لقوانين إصلاحية طال إنتظارها: كـ»الكابيتال كونترول» الذي يضبط حركة خروج ودخول الرساميل، إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليضطلع بدوره المفترض كرافعة للإقتصاد. كذلك أهملت الدولة خطة الإنتظام المالي وفي صلبها إعادة هيكلة الدين العام، وأخيرا تطوير وتحديث النظام الضريبي ليصبح اكثر فعالية وعدالة. ولقد اعدت الحكومة موازنة سنة ٢٠٢٤ من دون الاستناد الى أرقام قطع حساب العام الذي سبقه ما يشكل مخالفة للدستور وللمادة ٨٧ منه، وهذا ما دأبت عليه الحكومات المتعاقبة بحجة تراكم قطوع الحساب غير المنجزة لعدة سنوات خلت. لذلك طعن بعض النواب بالموازنة امام المجلس الدستوري وطالبوا بفك الإرتباط بين قطوعات حساب السنتين الاخيرتين وبين ما سبقها ليبنى على ارقامها في موازنة ٢٠٢٥ القادمة؛ من دون إسقاط ضرورة إنجاز قطوعات السنوات السابقة. ومن ابرز ما تضمنته موازنة ٢٠٢٤ ضرائب مستحدثة بلغت نسبتها ١٠ بالمئة على مضاربات منصة صيرفة وبلغت ١٧ بالمئة على ارباح المواد الغذائية المدعومة. ففي صيرفة التي إستمرت سنتين ونصف كانت الغاية المعلنة تعزيز القدرة الشرائية للموظفين وبشكل خاص موظفي القطاع العام من خلال إعطائهم مسكناً باستبدال رواتبهم بالدولار ثم إعادة صرفها بالسوق السوداء والإستفادة من فارق سعر الصرف فكانت النتيجة مزيد من التحركات والاحتجاجات المشروعة. لكن في واقع الامر، فإن مضاربين كبارا استفادوا من هذه الآلية وراكموا ارباحا طائلة تجاوزت قيمتها الملياري دولار وذلك بطرق غير مشروعة. وبالنسبة للمواد المدعومة الذي إستمر دعمها ٤ سنوات وبدا مع ٣٠ منتجاً لينتهي في ما بعد بـ ٣٠٠ صنف فتجاوزت قيمة الدعم ١٠ مليارات دولار. وكان الدعم قد تقرر ونفذ بشكل إعتباطي وفوضوي وغير مدروس بحيث إنتهى الامر ببعض كبار التجار الجشعين ان يصدروا المنتجات المستوردة المدعومة؛ والمخصصة لاستهلاك المواطن اللبناني؛ الى اسواق خارجية فراكموا ارباحا طائلة لا تخطر ببال. وقد هدد التجار المستفيدون من الدعم وفي طليعتهم موزعو المحروقات بالإضراب والويل والثبور اذا ما طبقت هذه الضريبة.. وبرأينا فإن الغاية من هاتين الضريبتين المستحدثتين هي قوننة ارباح حصلت بطرق غير مشروعة. ولقد كان الاجدى بالحكومة ان تفصل بين عمليات ارباح مشروعة؛ في حالتي صيرفة والمواد المدعومة؛ وبين ارباح غير مشروعة والتي من واجبها إستعادتها بالكامل وليس قوننتها عبر فرض ضرائب قد لا تجبى، خصوصا بعدما اقرت الموازنة في مجلس النواب مع اشتراط جباية هاتين الضريبتين بقرار من وزير المال ومن دون وضع مراسيم تطبيقية لكيفية تحصيلها، والتي من المفترض ان تغذي خزينة الدولة هذا اذا حصلت، في الوقت الذي تطالب فيه جمعيات المودعين بإعادتها إليهم لأنها انفقت من اموالهم. من جهة اخرى؛ وتحت شعار «الودائع مقدسة»؛ اي كل شيء او لا شيء؛ يجري تذويب الودائع تمهيدا لشطبها. ولم يتطرق مشروع الحكومة لإعادة هيكلة المصارف؛ والذي أجهض قبل ان يبصر النور؛ لأسباب الازمة ومن تسبب بها والمسؤوليات التي تترتب على ذلك، بل ركز فقط على ضمان جزء من الودائع التي لا تتجاوز قيمة الواحدة منها المئة ألف دولار تسدد خلال فترة تمتد من ١٠ الى ١٥ سنة. وما يفوق هذا المبلغ يسدد بالليرة بقيمة ٢٠ بالمئة من سعر الصرف او بتحويل هذه الودائع الى أسهم في المصارف. وصنف مشروع الحكومة الودائع الى ودائع مشروعة واخرى غير مشروعة ومن ضمنها ودائع ذات فوائد عادية مستحقة واخرى ذات فوائد باهظة وغير مبررة، وايضاً الى ودائع مؤهلة واخرى غير مؤهلة. وأوكل مهمة التأكد من مشروعية الوديعة والتثبت من مستنداتها الى المصارف بدل ان تتولى هذه المهمة الهيئات الرقابية والقضاء. كذلك نص مشروع الحكومة على حسم فائض الفوائد التي تم دفعها منذ العام ٢٠١٥ من رصيد الودائع التي تفوق قيمتها المئة ألف دولار من دون ان يحدد تعريفا واضحا للفوائد الباهظة. اما الودائع غير المؤهلة، وهي تلك التي حولت الى عملات اجنبية بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩ وفقا لسعر صرف مصرف لبنان، فتستفيد من حوالى ثلث الحماية الممنوحة للودائع المؤهلة اي ٣٦ الف دولار بدل مئة الف دولار للوديعة المؤهلة.
كما أغفل مشروع الحكومة تصنيف الودائع لجهة وظيفتها الإجتماعية كالضمان والتعاونيات ومؤسسات الرعاية و صناديق التأمين الصحي وضرورة حمايتها، ولم يميز بين مودع محترف وبين آخر غير محترف.. فضلا عن ذلك فلقد قدرت تكاليف خطة الحكومة لهيكلة المصارف بـ ٣٠ مليار دولار تفوق الامكانات المتوفرة حاليا لدى البنك المركزي ولدى المصارف وهي بمثابة إبراء ذمة للمصارف في التخلف عن تسديدها للودائع رغم الاخطاء الجسيمة التي إرتكبتها سواء بتوظيف ٧٠ بالمئة من ودائعها لدى مصرف لبنان او في توزيع ارباح طائلة على مساهميها الذين هربوا اموالهم الى الخارج. وهكذا تستمر عملية سرقة وتذويب الودائع وإضاعة وهدر الوقت وقد مضت خمس سنوات وضعت الحكومة خلالها خططا غير قابلة للتنفيذ ورافق ذلك تعاميم المصرف المركزي تشرع عمليات الهيركات وتسمح لأصحاب المال بفتات ودائعهم؛ بينما تنهش المصارف عمولات باهظة على ما تبقى من مدخرات اللبنانيين وجنى عمرهم».