أكاديمي فرنسي: انتصار 7 أكتوبر هزّ النظام الدولي برمّته..
بمناسبة صدور كتابه الجديد: ‘‘المحرقة.. إسرائيل وغزة والحرب ضد الغرب’’، الذي سيَصدر هذااليوم، خصّ جيل كيبيل، الأستاذ الجامعي الفرنسي في معهد باريس للدراسات السياسية (ساينس بو)، والباحث المختص في الإسلام والعالم العربي المعاصر، خص مجلة ‘‘ليكسبرس’’ الأسبوعية الفرنسية بمقابلة، حلّل فيها التداعيات الهائلة لهجوم “حماس” في إسرائيل، يوم الــ7من أكتوبر الماضي، من الشرق الأوسط إلى الجامعات الغربية، بما في ذلك الانقسام بين “الجنوب العالمي” و”الشمال”.
اعتبر جيل كيبيل أن نتنياهو عالقٌ في تصعيد للعنف لا يمكن تفسيره إلا برغبته في إنقاذ نفسه سياسياً على المستوى الداخلي. لكن غالبية الإسرائيليين يتبعونه في ذلك، لأن صدمة الـ7 من أكتوبر كانت كبيرة لدرجة أنه لم يكن هناك شيء يمكن أن يكويها. واليوم يتلخّص الخطر في أن الحكومة الإسرائيلية، غير المبالية بالضغوط الدولية على أي حال، ترغب في تعزيز تفوقها من خلال تصفية “حزب الله” في لبنان، المسؤول عن انهيار هذا البلد. وبالتالي فإن حرباً جديدة ضد إسرائيل من شأنها أن تكلف “حزب الله” أكثر مما قد يجنيه، على النقيض من ‘‘انتصاره’’ في عام 2006، بحسب الأستاذ الجامعي الفرنسي.
وتابع جيل كيبيل القول إن الطريقة التي يشن بها الجيش الإسرائيلي الحرب تستحضر إبادة سكان أريحا، أو القتال ضد عماليق، عدو الشعب اليهودي الذي أشار إليه نتنياهو.
ويبرر المتعصّبون اليهود من حزبي سموتريتش وبن غفير الإبادة الجسدية للفلسطينيين من أرض ‘‘يهودا والسامرة’’، وهو ما يعتبرونه كتابياً، تماماً مثل طردهم من غزة.
وتقول المجلة إن “إسرائيل يبدو أنها خسرت معركة الصورة منذ زمن طويل”، وعلى ذلك تسأل: “كيف يمكننا أن نفسر أن المهاجم أصبح بسرعة كبيرة هو المعتدي؟”، ويرى جيل كيبيل أنه تم استغلال الصراع من قبل جهات فاعلة من الجنوب العالمي لإضفاء التناسق على رؤيتهم لإنهاء الاستعمار، وإعطاء مظهر من التماسك للبلدان المتباينة للغاية التي تواجه الشمال.
لكن هذا الصراع انتقل أيضاً إلى داخل العالم الغربي، وبشكل خاص في العالم الأكاديمي، حيث يتم إنشاء مفاهيم العالم. فقد أُجبرت رئيسة جامعة هارفارد على الاستقالة بعد جلسة استماع في الكونغرس. وفي فرنسا أيضًا، تم إغلاق التدريس حول الشرق الأوسط في مدرسة العليا (ENS) للسماح بالدراسات التي تمجد الجنوب العالمي.
في الولايات المتحدة، كان يُعتقد أن اللوبي المؤيد لإسرائيل هو الذي يصنع السياسة الخارجية في المنطقة، ولكننا اليوم لا نرى أن جزءاً من الشباب المتعلم يحشد من أجل فلسطين فحسب، بل إننا نرى بالإضافة إلى ذلك، في ولاية رئيسية مثل ميشيغان، أن عدداً معيناً من المسلمين الأمريكيين يهدّدون القاعدة الانتخابية لجو بايدن لدعمه لإسرائيل. وهذا يخلق خطوط صدع جديدة داخل الشمال نفسه، وفق الأستاذ الجامعي الفرنسي.
على أية حال- يتابع جيل كيبيل- فقد حقق يحيى السنوار نصراً سياسياً كبيراً، ذلك أدى إلى تزايد الدعم للقضية الفلسطينية بشكل لم يسبق له مثيل في الغرب، رداً على ضربات الجيش الإسرائيلي.
اعتبر جيل كيبيل أن إسرائيل تواجه التحدي الوجودي الأكبر منذ إنشائها في عام 1948، موضحاً أن أهداف نتنياهو (قتل زعماء “حماس” وتدمير بنيتها التحتية) كانت سبباً في إحداث ضجة كبيرة. والآلات العسكرية والاستخباراتية التي كانت تشكّل قوة البلاد تفشل. لقد انهارت القوة الناعمة الإسرائيلية، وخاصة قدرتها على الاستفادة من دعم المرشحين في الانتخابات الأمريكية. وفي أوروبا، نرى العداء لإسرائيل يتجلى ليس فقط بين الشباب من خلفيات مهاجرة، بل وأيضاً في الجامعات. والبلاد نفسها منقسمة بشدة بين المتدينين والعلمانيين. ومن الواضح أنه إذا أرادت إسرائيل الاستمرار في الوجود، فيتعيّن عليها أن تعيد اختراع نفسها، يقول الأستاذ الجامعي الفرنسي.
وتابع جيل كيبيل القول إن الأمم المتحدة أصبحت اليوم عاجزة، وبات التوازن الكامل للعالم، الذي تم بناؤه عام 1945، موضع تساؤل. فعندما تجرم إسرائيل الأمم المتحدة من خلال الأونروا، بطريقتها الخاصة، فإنها تفعل الشيء نفسه الذي يفعله الجنوب العالمي، الذي يؤكد أن الأمم المتحدة لم تعد مفيدة، والذي يشكك في وجود دول ‘‘صغيرة’’. وبالتالي فإن عواقب الــ7 من أكتوبر تهزّ النظام الدولي برمته، كما تم تصميمه في أعقاب الحرب العالمية الثانية.