أحداث طرابلس وزيارة ماكرون المرتقبة للبنان تحض على تشكيل الحكومة
فيما تنخفض درجة حرارة الطقس، هذه الأيام، في “بلاد الأرز”، ترتفع حرارة المشهد السياسي على وقع تجدد الاحتجاجات في مدينة طرابلس والزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التي من المتوقع أن تكون “مختلفة” هذه المرة.
في عطلة نهاية الأسبوع، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يهاتف نظيره اللبناني، ميشال عون، ليجدّد له وقوف بلاده إلى جانب لبنان. وبحسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية تم “تداول الأوضاع الراهنة وما آل إليه مسار تشكيل الحكومة العتيدة”. ونوّه الرئيس عون “خصوصاً بالمبادرة الرئاسية الفرنسية المتعلقة بالمسألة الحكومية”، مجدداً “الترحيب بزيارة الرئيس ماكرون للبنان”.
وكان الرئيس الفرنسي قد زار لبنان، في العام المنصرم، مرتين عقب انفجار مرفأ بيروت، وأطلق مبادرة تقضي بتشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات المطلوبة، وأعلنت كافة القوى السياسية تمسكها بالمبادرة الفرنسية. ولكن تشكيل الحكومة لم يتم حتى الآن.
وأعلن ماكرون الجمعة (29 يناير/ كانون الثاني 2021) أنّه سيقوم بزيارة (ثالثة) إلى لبنان بعد التحقق من أمور أساسية، معتبراً أنّ النظام اللبناني في مأزق بسبب الحِلف بين ما سمّاهما الفساد والترهيب.
“زيارة مختلفة”
مصادر دبلوماسية فرنسية كشفت عن أن زيارة الرئيس الفرنسي الثالثة، إلى لبنان، ستكون مختلفة عن سابقتيها، وخصوصاً في ما يتعلق بالإشراف المباشر على وضع الآلية التنفيذية للمبادرة الفرنسية موضع التنفيذ العملي، التي يقع في بندها الأول تشكيل الحكومة.
وقالت المصادر لصحيفة “الجمهورية” اللبنانية، في عددها الصادر أول من أمس السبت، إن المستويات الرسمية الفرنسية باتت تقارب الملف اللبناني، في هذه الفترة، “بإعتباره أولوية جدية، خلافاً لما كان عليه الحال قبل أسابيع قليلة”. وأضافت أن أجواء الرئاسة الفرنسية لا تتحدث عن موعد محدد لزيارة ماكرون لبيروت، معتبرة أن حراجة الملف اللبناني تفترض ألا تتأخر هذه الزيارة بضعة أسابيع.
يذكر أنه كان تم تكليف سعد الحريري، في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة حسان دياب الذي قدم استقالة حكومته في 10 آب/ أغسطس الماضي، على خلفية انفجار هز مرفأ بيروت في وقت سابق من ذاك الشهر. وتعثر حتى الآن تشكيل حكومة جديدة يريدها الحريري من الاختصاصيين، بعد 14 لقاء بين عون والحريري.
الغرب “يشترط” أم “يساعد”؟
رئيس تحرير جريدة “الأخبار” المحسوبة على حزب الله، إبراهيم الأمين، علق: “يبدو أن تطوراً ما حرك المياه الراكدة في ملف تأليف الحكومة. وسواء عزا البعض الأمر إلى الأحداث «اللغز» في طرابلس أو إلى الاتصالات الجارية بين فرنسا والولايات المتحدة بشأن لبنان، فإن قوى داخلية بارزة وجدت أن من الضروري العمل على وصل الكلام بين بعبدا وبيت الوسط”.
ويضيف إبراهيم الأمين أن حزب الله استأنف الوساطة بين عون والحريري، حسب مصادره. وأردف الأمين: “يبدو أن عون والحريري سمعا كلاماً واضحاً حول أن فشل المبادرة الفرنسية في صيغتها الأخيرة المفترض عرضها، في الزيارة المقبلة لماكرون إلى لبنان، سيتسبّب بمشكلة كبيرة تنعكس مزيداً من التدهور السياسي والاقتصادي، وتالياً (التدهور) الأمني في كل لبنان” معتبراً أن ما يطلبه ماكرون في تحركاته هي “شروط غربية متجددة”.
عبد الوهاب بدرخان كتب بنبرة تشاؤمية، في صحيفة “الاتحاد” الإماراتية، يقول إن “الحاجة ملحة إلى حكومة يتعامل المجتمع الدولي معها، لكنها مؤجلة منذ خمسة أشهر بل أكثر، وليس هناك أفق لظهورها ولا تصور محدد لفاعليتها، فالصراعات الطائفية والمذهبية تدير حالياً انهيار النظام والدولة آملةً في انبثاق نظامٍ ودولة مستوحَيين من موازين القوى الإقليمية المتحوّرة، مثلها مثل الفيروس”.
ويرى بدرخان أن لبنان أمضى نصف الـ16 عاماً الماضية، إما في فراغ رئاسي أو مع حكومات قيد التشكيل أو حكومات موجودة لكن معطلة ومكبلة، مما أدّى إلى هزال الدولة واهترائها، وإلى عزل لبنان عن أصدقائه الدوليين وأشقائه العرب الذين دأبوا على مساعدته لتجاوز أزماته، حسب ما ذهب إليه في تحليله للوضع الراهن.
بلد على شفير الانهيار الاقتصادي
ما دعاه إبراهيم الأمين بالأحداث “اللغز” في عاصمة الشمال، طرابلس، هي في حقيقتها احتجاجات تشهدها المدنية الأفقر في البلاد، منذ أسبوع، تخللتها أعمال شغب ومواجهات مع الأمن والشرطة أسفرت عن إصابة أكثر من 400 شخص بجروح من الطرفين ومقتل شاب على الأقل. وأطلق عناصر أمن وأفراد من الجيش، أمس الأحد، قنابل غاز مسيل للدموع على متظاهرين الذين ألقوا بدورهم الحجارة، حسب فرانس برس.
وشكك سياسيون ووسائل إعلام لبنانية، خلال الأيام الأخيرة، في عفوية التظاهرات، في بلد اعتاد الأزمات والخلافات بين الأحزاب الكبيرة المهيمنة على المشهد السياسي.
وجاءت التظاهرات، التي انطلقت في 25 كانون الثاني/ يناير، على خلفية التداعيات الاقتصادية للإغلاق المفروض لاحتواء تفشي فيروس كورونا. وفي نهاية العام، شهد لبنان، الذي يعيش فيه ستة ملايين شخص، قفزة غير مسبوقة في معدل الإصابات بفيروس كورونا المستجد والوفيات. ودفع ذلك السلطات الى تشديد إجراءات الإغلاق العام، وفرض حظر تجول على مدار الساعة مع استثناءات قليلة، وقد بدأ تطبيقها منتصف الشهر الماضي وتستمر حتى الثامن من الشهر الجاري. وبحسب برنامج الأغذية العالمي، تسبّب الإغلاق الأول بين آذار/ مارس وحزيران/ يونيو بانتقال نحو ثلث اللبنانيين إلى البطالة.
وأبدت منظمة “أنقذوا الأطفال” (سيف ذي تشيلدرن) قلقها “العميق” من أن يؤثر الإغلاق الجاري على العائلات والأطفال الذين يعانون من أوضاع اقتصادية هشّة، ما لم يتم دعمهم بشكل فوري، في بلد يشكل العمال المياومون قرابة نصف اليد العاملة فيه، بحسب وزارة العمل. ولا يستفيد هؤلاء من أي تطورات اجتماعية أو صحية.
ومنذ العام 2019، يشهد لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية التي أدت إلى خسارة العملة المحلية أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها مقابل الدولار، وفاقمت معدلات التضخم، وتسبّبت بخسارة عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم. وصار أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، فيما ارتفعت نسبة من يعيشون فقرا مدقعا من 8 إلى 23 بالمئة من السكان.
ويقول الأكاديمي والباحث الاقتصادي، جاد شعبان، لوكالة فرانس برس، إن القيود المصرفية “أدت إلى انخفاض فعلي في قيمة الودائع بأكثر من خمسين في المئة”.
وعلى وقع تضاؤل احتياطي المصرف المركزي من الدولار، تدرس السلطات، منذ أشهر، رفع الدعم عن استيراد مواد أساسية هي: القمح والأدوية والوقود. ويوضح شعبان أن “رفع الدعم الذي كان متوقعاً أساساً، في نهاية 2020، ستكون له آثار تضخمية”. أما الحصول على دعم دولي فيبقى مرهوناً بتنفيذ الإصلاحات وتشكيل حكومة ذات مصداقية، وفق شعبان.