“المرفأ محظوظ”…خبير ألماني يروي مشاهداته وكيف أن الصدفة حالت دون وقوع كارثة ثانية في بيروت
نجا مرفأ بيروت، الذي شهد إنفجارًا مروّعًا قبل أشهر، بمحض الصدفة من جحيم تفاعل مواد كيميائية شديدة الخطورة كانت مخزّنة فيه، وأخرجتها منه شركة ألمانية متخصّصة، وفق ما أفاد أحد خبراء الشركة.
تسبّب تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، من دون أي إجراءات وقاية، بإنفجار ضخم، في 4 آب/ أغسطس، أسفر عن مقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح. كما ألحق أضرارًا جسيمة بالمرفأ وعدد من أحياء العاصمة.
وبعد العثور على عشرات الحاويات التي تضمّ مواد كيميائية شديدة الخطورة في المرفأ عقب الإنفجار، وقّع لبنان، في تشرين الثاني/ نوفمبر، عقدًا مع شركة “كومبي ليفت” الألمانية بقيمة 3.6 مليون دولار للتخلّص منها، في غياب إمكانات أو خبرات محلية تقوم بذلك.
وأعلنت سفارة ألمانيا لدى لبنان، قبل أيام، إنتهاء الشركة من معالجة 52 حاوية من المواد الكيميائية الشديدة الخطورة التي شكّلت “تهديدًا للناس في بيروت”.
وقال مدير المشروع لدى الشركة، مايكل وينتلر، لفرانس برس، الأربعاء (10 شباط/ فبراير 2012)، “وجدنا مواد إذا إختلطت مع بعضها قد تؤدي إلى إنفجار”. وأضاف “المرفأ محظوظ لأنه كانت هناك مسافة بين الحاويات” التي كانت تحتوي على هذه المواد.
وأنهى طاقم الشركة، هذا الشهر، معالجة آلاف الليترات المخزَّنة في حاويات مهترئة موجودة، منذ أكثر من عقد من الزمن، في المرفأ في عملية معقدة وخطرة.
وأوضح وينتلر “لم أشاهد وضعًا مماثلًا في حياتي”، مشيرًا الى أن تفاعل بعض المواد أحدث ثقوبًا في الحاويات نتيجة تآكلها. وتحدث عن “بحر أو نهر من المواد الصفراء والخضراء” تسرّبت من بعض الحاويات وكانت تتفاعل على شكل “فقاعات”.
وكانت الحاويات موزعة على سبعة مواقع مختلفة، معظمها في مساحة مفتوحة لحاويات الشحن في الطرف المقابل لموقع الإنفجار الذي وقع قبل ستة أشهر.
وقال رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للمرفأ بالتكليف، باسم القيسي، لفرانس برس في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، “لو إشتعلت المواد الموزّعة في المرفأ لدمّرت بيروت”.
شحنات مجهولة
وفيما لا تزال السلطات اللبنانية تحقّق في ظروف وصول نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت والجهات المسؤولة عن تخزينها ومن ثمّ إنفجارها، يبدو أن سبب تخزين المواد الكيميائية التي عالجتها الشركة الألمانية مجهول أيضاً.
وقال وينتلر “يبدو أنّ ما من أحد من السلطات يعلم شيئًا عن هذه الشحنات” بإستثناء تاريخ وصولها، مضيفًا “لا أعتقد أن سلطات المرفأ تدرك ماذا كان يوجد في الموقع”.
وألحق الإنفجار الضخم ضررًا شديدًا بحاويات كانت بدأت بالتآكل، وفيها ثقوب جرّاء تفاعل الأسيد بعد سنوات من الإهمال.
وقال وينتلر “لم يكن من الممكن رفع أو نقل العديد من الحاويات لأنّ حالتها كانت سيئة للغاية”، ما إضطر الخبراء إلى نقل المواد الكيميائية يدويًّا، وهو ما عرّضهم لمخاطر.
وروى أنّ ارتداءه ملابس الوقاية من المواد الكيميائية أنقذه عند تسرّب حمض الهيدروكلوريك من أسفل برميل، كان يرفعه، وتناثر على الأرض. ويشكّل حمض الهيدروكلوريك، وهو مادة سامة ومسبّبة للتآكل، ستين في المئة من المواد الكيميائية التي تعامَلت معها شركة كومبي ليفت.
وإضطرت الشركة، وفق وينتلر، للتعامل مع آلاف الليترات من الأسيتون الشديد الإشتعال، وحاويات من بيروكسيد الهيدروجين، وهو مركب كيميائي سائل. وكان يمكن للمادتين في حال إختلاطهما أن تحدثا إنفجارًا. إلّا أنّ وجود الحاويات في مواقع منفصلة، عن طريق الصدفة، حال دون وقوع كارثة، وفق وينتلر.
وشملت المواد الكيميائية “الأكثر خطورة” التي تمّت معالجتها، حمض الهيدروفلوريك الذي يمكن أن يكون مميتًا إذا دخل مجرى الدم أو لامس الجلد.
وعملت كومبي ليفت على تخزين المواد في حاويات خاصة، تمهيدًا لشحنها إلى ألمانيا، في إجراء مرتقب نهاية الشهر الحالي، بعد أن تسدّد الحكومة اللبنانية المبلغ المترتّب عليها بحسب العقد، والبالغ مليونَي دولار، وسط أزمة خانقة تعيشها البلاد.
AFP