عون: الحكومة «أبدى» من الرئاسة!
بقلم ملاك عقيل
آخر «المبشّرين» بولادة وشيكة للحكومة كان رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كشف أمام وفد سفراء دول الاتّحاد الأوروبي عن سعيه إلى تشكيلها «كاملة الصلاحيّات تتولّى صلاحيّات الرئيس كاملة في حال حصول شغور رئاسي» بعد 31 تشرين الأوّل.
شكّل ذلك الاعترافَ الأكثر صراحةً من الرئاسة الأولى أمام ممثّلي المجتمع الدولي، دلالة حاسمة لجهة عدم ضغط عون كفايةً لتأمين انتخاب رئيس جمهورية ضمن المهلة الدستورية، مفضّلاً التركيز على تعويم حكومة تتولّى صلاحيّة رئيس «لم يُعثر عليه بعد»، وأقرّ عون أخيراً أنّ صفاته غير متوافرة في المرشّحين المتداولة أسماؤهم، مع التأكيد «أنّ جبران غير مرشّح».
تدافع ميقاتي وبو صعب
منسوب التفاؤل بتشكيل الحكومة الذي ارتفع بشكل ملحوظ في الأيام الماضية شوّشت عليه «حرب النكايات» التي شكّلت نيويورك آخر «عروضها» الرئاسية من دون أن تؤثّر على القرار المركزي المتّخذ بضرورة تشكيل الحكومة «بالتي هي أحسن» قبل مغادرة عون قصر بعبدا.
لم يخفِ محيط رئيس حكومة تصريف الأعمال استياء الرئاسة الثالثة من «مزاركة» ممثّل رئيس الجمهورية النائب الياس بو صعب الوفد اللبناني الرسمي في نيويورك، والترويج مسبقاً عبر «القنوات الإعلامية الصديقة له» لزيارته مقرّ الأمم المتحدة ولقائه «الحصري» مع الوسيط الأميركي في ملفّ ترسيم الحدود البحرية آموس هوكستين والإدلاء بمواقف يُفترض أنّها تندرج ضمن سياق سرّيّة المفاوضات، مستفيداً من تحديد الأخير موعد الاجتماع مع بو صعب قبل لقاء الرئيس ميقاتي.
مع ذلك لا حرتقات بو صعب ولا سقوف جبران باسيل التي لم تنخفض بعد ولا تمسّك عين التينة برفض صيغة الستّة وزراء السياسيّين، تقف أمام مسار إعادة تعويم الحكومة القائمة.
خيارات غير دستورية
لكن حتى كتابة هذه السطور لم تكن صيغة التعويم قد تمّ الاتفاق عليها بعد، باستثناء ثابتة تغيير وزير المهجّرين عصام شرف الدين من دون الاتّفاق على الاسم البديل حتى الآن، والذي يتأرجح بين رمزي سليمان وطارق الداوود. أما معادلة وليد جنبلاط في هذا السياق فهي الآتية: «لا نتدخّل في التعيين ولا في تركيبة الحكومة المقبلة، لكن يفترض أن تُحترم موازين القوى التي أفرزتها الانتخابات النيابية».
أمّا الثابتة الثانية فهي تجاوز كلّ من عون وفريقه السياسي وميقاتي وفريقه الداعم معادلة: «خيارات غير دستورية في مواجهة خيارات غير دستورية».
حصل ذلك حين لوّح عون وباسيل صراحة باللجوء إلى آليّات غير دستورية كسحب التكليف وتشكيل رئيس الجمهورية حكومة انتقالية أو البقاء في قصر بعبدا بعد 31 تشرين الأول ردّاً على احتمال تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيّات رئاسة الجمهورية بحكم اجتهادات قانونية أفتى بها العديد من المرجعيات القانونية والسياسية وتبنّاها ميقاتي، فيما برز في المقابل سدّ مسيحي منيع في وجهها من بكركي إلى معراب وصولاً إلى بعبدا وكلّ الأحزاب المسيحية.
حكومة الضغط الدولي
آخر مستجدّات تأليف الحكومة إعلان جبران باسيل صراحة أمام عدد من زوّاره عن استيائه الشديد من «وزراء حُسِبوا علينا وما شفنا منهم شي وفتحوا على حسابهم».
وفق المعلومات حاول باسيل من خلال مطلب الوزراء السياسيين في الحكومة إيجاد التوازن المفقود في تركيبة فَقَد تقريباً عون وباسيل السيطرة عليها، ومن إحدى ترجماتها أداء وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي يصنّفه باسيل ضمن إطار الوديعة الميقاتية في الحكومة، ولو سمح ترف الوقت لباسيل لـ «طيّره» مع عدد من الوزراء المسيحيين من الحكومة. ولذلك كان المطلب الأساس في بعبدا تشكيل حكومة جديدة لا تعويم الحاليّة. وحين تقدّم خيار التعويم طرح باسيل بالمقابل خيار حكومة الـ 30 وزيراً.
يقول متابعون للملفّ الحكومي إنّ إيجابيّة ميقاتي وعون وحزب الله وبرّي حيال قرب تأليف الحكومة تحكمها معادلة الضغط الخارجي والداخلي للتأليف وليس نجاح القوى المعنيّة في تذليل العقبات التي كانت لا تزال قائمة حين بشّر ميقاتي قبل مغادرته إلى لندن ونيويورك بأنّ «المرّة الجايي سأنام في القصر إلى حين تأليف الحكومة».
ومن المعطيات المستجدّة حصول اتصال هاتفي وُصِف بالودّيّ بين ميقاتي وباسيل قبل سفر الأوّل، فيما يؤكّد مطّلعون أنّ وهج قرب بتّ ملفّ ترسيم الحدود البحرية سينعكس إيجاباً على تأليف الحكومة الذي لا تزال تحاصره ألغام عدّة، منها عدد الحقائب والوزراء الذين يطالهم التغيير، وإمكانية حصول تبادل في الحقائب (تبادل في التوزيع الطائفي) بين ميقاتي وعون وإصرار باسيل على نيل ثمن التخلّي عن خيار إضافة الوزراء الستّة إلى الحكومة.
في هذا السياق تحديداً يؤكّد قريبون من باسيل أنّ الثمن الحقيقي الذي يريده رئيس التيار الوطني الحرّ من التعديلات الحكومية هي سلّة التزامات من الحكومة في مرحلة الشغور الرئاسي، منها ما يتعلّق بأزمة النازحين وملفّ الكهرباء والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وصولاً إلى التعيينات.
بدا لافتاً في هذا السياق الانقسام في وجهات النظر لدى الفريق العونيّ حيال منح تكتّل لبنان القوي الثقة للحكومة. ففيما أعلن النائب آلان عون أنّ التكتّل سيمنح الثقة للحكومة، يشترط قريبون من باسيل التزام رئيس الحكومة بسلسلة تعهّدات مسبقة شرطاً لنيلها ثقة التكتّل.