هل تعطيل الحكومة من مصلحة المواطن؟

هل تعطيل الحكومة من مصلحة المواطن؟

كتب عوني الكعكي:

يشهد لبنان منذ العام 2005 أزمات سياسية متواصلة سببها المباشر هيمنة نظام الزعماء على مختلف مرافق الدولة وغياب المنطق المؤسّساتي، لحلّ هذه النزاعات، بشكل يحافظ على العمل السليم للإدارات العامة.

وقد انعكس هذا الأمر على فقدان النظام السياسي استقراره الشكلي، ما أدّى الى تعطيل المؤسّسات الدستورية، التي باتت تشهد فترات طويلة من الشلل، بانتظار التوافقات السياسية بين أطراف السلطة الحاكمة. وتجلّى هذا الواقع تحديداً في عدم قدرة مجلس النواب الحالي رغم جهود دولة الرئيس نبيه بري على انتخاب رئيس للجمهورية، ضمن المهل الدستورية، ما أدّى الى حصول فراغ رئاسي.

لكنّ خلو مركز رئاسة الجمهورية، رغم التعطيل الذي ينشب أحياناً بسبب المناكفات بين أطراف السلطة، لا يؤدي من الناحية الدستورية الى الحدّ من صلاحيات السلطة التنفيذية المتجسّدة في مجلس الوزراء الذي يبقى متمتعاً بكامل سلطته، من أجل اتخاذ القرارات اللازمة في مختلف المجالات التي تخص حياة الدولة والمواطن. فعدم وجود رئيس للجمهورية ينقل عملاً بأحكام المادة 62 من الدستور صلاحيات هذا الأخير وكالة الى مجلس الوزراء، ما يعني ان اختصاصات مجلس الوزراء تظل مكتملة، لا بل تتعزّز، كونها باتت تشمل أيضاً تلك التي تعود في المبدأ الى رئيس الجمهورية وبغض النظر عن كيفية الحكومة (تصريف أعمال أو غيره).

لكنْ «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن» فجبران باسيل الصهر المدلّل لرئيس الجمهورية  السابق ميشال عون فجّرها، ليغطي فشله في كل شيء.

فقد اعتبر جبران باسيل ان عقد اجتماع للحكومة طلبه الرئيس نجيب ميقاتي غير شرعي وغير ميثاقي (حسب رأيه) مع حضور عدد من الوزراء المسيحيين الجلسة الأخيرة.

لقد حسم جبران وتياره عدم مشاركته في أي من اجتماعات الرئيس نجيب ميقاتي المقبلة للحكومة.. ولـمّح الى خطوات تصعيدية قد يتخذها منها فرض تحركات في الشارع احتجاجاً على تولي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية.

الى ذلك يعتقد كثير من المحللين أنّ سبب حملة باسيل على ميقاتي وحكومته يعود الى فشل مكائد جبران لفرض هيمنته على الدولة وتنصيب نفسه «الرجل الأقوى» بدعم من حزب الله الذي يبدو انه بدأ يسحب البساط من تحت قدمي صهر الجنرال… فباسيل ليس الجنرال عون، وهو لن يكون كذلك أبداً.

لقد سقطت كل مشاريع وطموحات باسيل والمقايضات والصفقات التي كان قد عمل لها وخطط، لأنّ هدفه الأول والأكبر هو السيطرة على الوظائف والمراكز المهمة في الدولة، والتحكم بمفاصلها…

وهنا أسأل وأتساءل: هل تعطيل اجتماعات الحكومة لدراسة مصالح الناس وإصلاح أحوالهم، يعطي المواطن حقه؟ ومن يستفيد من التعطيل؟

وأقول: هل يمكن السماح لشخص مثل جبران باسيل فشل مرتين في الانتخابات النيابية ومرّة في البلدية، ولم يفز بمقعده النيابي، إلاّ بعد «وضع» قانون قابيل وهابيل الانتخابي على قياسه؟

وهل يسمح اللبنانيون لإنسان فشل في قطاع الكهرباء وأوصلنا الى (صفر – كهرباء) وكبّد الدولة 65 مليار دولار خسائر، وساهم في فضيحة البواخر، ورفض باسيل عرض البنك الكويتي بعدما أخفق في فرض شرط يضمن «سمسرته»، وأوصل لبنان بسياسته الرعناء، الى قطيعة مع محيطه العربي وبخاصة الخليجي، وعزلة عالمية، هل يسمح اللبنانيون له بالتلاعب بمصيرهم ومصير أبنائهم وعوائلهم على مختلف مذاهبهم وانتماءاتهم؟

لقد أدّت سياسة جبران الى «تفقير» البلد، وعمل هو وعمّه (الرئيس السابق) على إيصال البلد الى جهنم. فماذا يريد بعد ذلك كله؟!!

بالتأكيد إنّ حسابات باسيل لم تطابق وقائع نهاية عهد الرئيس ميشال عون «الجهنمي»، لا سيما بعد خروج باسيل من الانتخابات النيابية الأخيرة خاسراً «موقعه» كممثل أوّل للمسيحيين، رغم ضمّ عدد من نواب الكتل الأخرى الى كتلته، ورغم مساعدة «الحزب» في إنجاح أكثر من ثلثي نواب كتلته.

لقد خسر موقعه -كما ذكرت- رئيساً لأكبر كتلة نيابية رغم مبدأ «الاستعارة والاستعانة بالآخرين»، كما خسر قوته الأولى كزعيم أوّل للمسيحيين… لذلك لم تعد كل محاولات الابتزاز والتعطيل التي مارسها من موقعه (كصهر للرئيس السابق)، تؤثر بشيء مع زوال حكم عمّه… وبدلاً من أن تدفع محاولات التعطيل المتعمّد، رئيس حكومة تصريف الأعمال الى الاعتذار عن عقد جلسات لحكومته، هي من حقه الدستوري تبدّلت الظروف، وها هي الحكومة اجتمعت بنصاب قانوني واتخذت قرارات حيوية للبنانيين، ما دفع باسيل الى المطالبة بفلسفة جديدة، هي توقيع جميع الوزراء على المراسيم، ليردّ عليه الرئيس نجيب ميقاتي بتحدٍّ آخر، لأن مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.

من جهة أخرى، كشفت مصادر مطلعة النقاب عن أنه على هامش الانفعال والعصبية والتعصّب السياسي لرئيس التيار الوطني، التي تدفع به الى التهجّم على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فإنّ باسيل يبذل محاولة ممجوجة لاستقطاب المسيحيين، وشدّ عصبهم المتداعي من حوله… والأهم في هذه المرحلة تلميع صورته المهزوزة قبيل انتخابات رئيس جديد للجمهورية.. لعلّ وعسى.

وما زاد الطين بلّة، ان باسيل لم يترك له «صاحباً».. فبين وقت وآخر، لا ينفك الصهر المدلّل، في مجالسه الضيقة من توجيه الانتقادات الحادة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، فيعتبره المحرّك الأساس ضدّه من «تحت لتحت»، وعلى تنسيق تام مع الرئيس نجيب ميقاتي في كل الخطوات التي يتخذها الأخير. حتى ان عصبيته قادته قبل مدّة لتوجيه سهام النقد لحليفه حزب الله.

لقد فشل جبران في كل الوزارات التي تسلمها، وأوصل الدولة مع عمّه، الى الهاوية… ولم ينجح إلاّ في زيادة رصيده في المصارف، وفي قطاع المتاجرة بالعقارات وقبض الخوّات، حتى حوّل الشعب اللبناني الى شعب فقير، لامس ثلثاه خط الفقر.

أوبعد هذا كله… يحاول أن يخدع شعبه، فيعطل اجتماعات الحكومة ويدّعي انه «بطل» الاصلاح والتغيير؟

Spread the love

MSK

اترك تعليقاً