ويسجل هنا، لكل من ساهم بكشف هذه الفضيحة، وتعريتها وإطلاع الرأي العام عليها، التنويه بما فعلوه لكشفهم سلوكاً من سلوكيات كثيرة تعكس بدقة متناهية احتقار من يقف وراءها بالشعب والمجتمع، وتصوره للحظة أن الدولة مزرعة وكل ما فيها عرضة للبيع.
لكن على هامش ما جرى، وإلى حين ظهور الخيط الأبيض لمن يستحق من الخيط الأسود للمتسللين، لا بدّ من تسجيل ملاحظات ضرورية؛
- فقد ثبت أن المرسوم بحاجة لـ "التنظيف" من شوائب كثيرة، قانونية وأمنية، تعتريه، وذلك يدحض سياسة طمس الرؤوس في الرمال التي صاحبت الكشف عن الموضوع في أيامه الأولى
- الالتفاف الكبير على المواقف الشعبوية التحريضية، فتارة يكون التجنيس مقدمة للتوطين ومكيدة من المجتمع الدولي، وبلحظة يصبح أمراً روتينياً قابلاً للتكرار بحسب الحاجة!!
- أن خطاب التهويل بالتوطين والخوف على الهوية اللبنانية الذي لا تكلّ تيارات معينة من ترداده عند كل استحقاق وقضية، انكشف وتعرّى، إذ تبين أننا في زمن لكل شيء فيه ثمناً، حتى الهوية اللبنانية، وهو انحدار لم نشهده حتى أيام الحرب الأهلية.
- وللجهات السياسية نفسها أيضاً، إن في ملف النزوح جوانب عديدة – غير المخاوف من التوطين- تدفع باتجاه التنبيه من تداعياته السلبية والخطيرة على لبنان، اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً وأبعد من ذلك، فالحري مثلاً التركيز على قضايا عمالة الأطفال (وكثيرون منهم يعملون في حقول المخدرات مثلاً)، وتجارة الاعضاء وتجارة البشر وتفشي الجريمة ونهب المساعدات. إن مقاربة ملف النزوح من هذه الزوايا يخدم النازحين ويخلص لبنان ومجتمعه من أوبئة مخيفة وفوق ذلك يحصن صورته أمام العالم.
- من الضروري لفت نظر رئيس الجمهورية إلى أن ثمة كثيرين من المستحقين للهوية لا يزالون محرمين منها، ومن هؤلاء: من لم يشمله قانون التجنيس في العام 1994، وتنطبق عليه شروط نيلها، مثلاً هناك نحو 60 عائلة في وادي خالد (تعداد أفرادها بالعشرات) لم ترد أسماؤهم في المرسوم المشار إليه وما يزالون محرومين من هذا الحق ظلماً وتعسفاً ومكابرة. والأمر نفسه ينسحب على قضية أولاد المرأة اللبنانية، إذ آن أوان حسم هذا الملف أسوة بدول العالم المتحضر.
في التقدير، أن المرسوم المشكو منه سيسحب منعاً لتضخيم الفضيحة أو انتقال المطالبات من معرفة أسماء من تضمنهم إلى الكشف عمن يقف وراء تمريره، لكن الباقي هو دولة هشّة، وسلطة مستهترة. كيف لعاقل أن يقتنع أننا نعيش في دولة، وفيها مواطن يتم تركيب ملف قضائي خطير له واتهامه بأشبع الجرائم، ثم يُبرّأ ويُخلى سبيل المتورطين بتركيب التهمة له؟
ليس جديداً على السياسة اللبنانية الالتفاف على المواقف، أو التنكر لها أو التبرؤ منها، لكن المهم أن مصداقية السلطة أمام الشعب باتت في أدنى مستوياتها وهذا أمر أساسي كمقدمة للتغيير