بهمس وسرية.. لبنانيون يتحدثون عن السلام مع إسرائيل
لبنان وإسرائيل يتفاوضان منذ مدة قصيرة حول حدودهما البحرية، رغم ذلك فإن القليل من اللبنانيين يتصوّرون تقاربا أوسع. ومن يحبذ ذلك وملّ من الحروب يفضل الكلام بسرية، أو على مواقع التواصل.
آلة القهوة في حي الجميزة ببيروت تعمل في هدوء في الوقت الذي يتحاور فيه صاحب المقهى مع ضيوفه: “هل سمعتم؟ يسأل “حكومتنا تتحدث الآن مع اسرائيل”. ويواصل خدمة ضيوفه قائلا: “من يدري ربما هذه فعلا بداية السلام مع جيراننا”.
ماض أليم
السلام مع إسرائيل: فكرة جريئة وشجاعة مع أن البلدين تجمعهما منذ نحو 40 عاما علاقة متوترة: فخلال الحرب الأهلية اللبنانية اقتحمت إسرائيل في 1982 البلد الجار لطرد مقاتلين فلسطينيين. وحتى مايو/ أيار 2000 ظل جنوب لبنان تحت السيطرة الإسرائيلية. والكثير من المواطنين هجروا المنطقة التي توغل فيها في النهاية حزب الله. وفي 2006 حصلت حرب استمرت نحو شهر بين المنظمة الشيعية وإسرائيل. وهذه الحرب انتهت بوقف لإطلاق النار – لكن اتفاقية سلام لم تحصل أبدا. وعوض ذلك تكررت مناوشات صغيرة بين حزب الله والجيش الإسرئيلي. وعلى مستوى الدولة لم يجر الطرفان منذ 30 عاما أي محادثات مباشرة.
رغبات سلام سرية
وهذا تغير منذ الأسبوع الماضي. فقد أعلن ممثلون عن الطرفين أن المحادثات تقتصر على رسم الحدود البحرية المشتركة وتوزيع مخزون الغاز هناك. ولكن ليس فقط صاحب المقهى مازن يأمل في أن يشكل اللقاء والجولة المرتقبة نهاية أكتوبر/ تشرين الأول على خلاف النفي الرسمي بداية لمحادثات أخرى.
لكن مثل محاورين آخرين يشدد مازن في هذا الإطار على عدم ذكر اسمه الحقيقي. فقد يكون ذلك خطيرا عليه، لأنه من يظهر كمتعاطف مع إسرائيل، وجب عليه أن يتوقع على الأقل مواجهة عداء كلامي.
الحج إلى القدس
ومازن يهتم فيما يرتبط بإسرائيل بدرجة أقل بمخزون الغاز في البحر المتوسط وأكثر في إمكانيات الازدهار الشخصية لديه. فهو في منتصف الثلاثينات ومسيحي وقضى الكثير من السنوات في الخارج ثم عاد إلى لبنان لفتح مقهاه الخاص. وبعد الانفجار في الـ4 أغسطس/ آب في ميناء بيروت كان من الأوائل الذين تمكنوا من إحياء الحركة مجددا في تجارتهم. كل شيء جديد النوافذ والأبواب وفناجين القهوة.
ويتذكر مازن حكايات أبويه وأجداده: “فالجنود الإسرائيليون خلال الحرب كانوا دوما لطيفين مع المسيحيين اللبنانيين، كما يقول”. وبخلاف المناطق المسلمة حافظ الإسرائيليون في الغالب على الأحياء المسيحية. وكمسيحي فإن أمرا واحدا يكتسي أهمية بالنسبة إلى مازن: فهو يريد الحج إلى القدس. أتمنى لو أني أقدر بدون مشاكل على تتبع آثار عيسى المسيح”، كما يقول في الوقت الذي يواصل فيه صب القهوة.
“لا يمكن لنا إلا الاستفادة”
وليس فقط لأسباب دينية هو يرغب في حصول تقارب: “في إسرائيل يوجد كل ما هو غير متوفر لدينا: الكهرباء وحكومة واقتصاد قوي. ولا يمكن لنا إلا الاستفادة من حدود مفتوحة!”
وبالرغم من ذلك فإنه يعتبر أن سلاما حقيقيا مع إسرائيل سيشترط أولا حربا وآلاما إضافية، لأنه ليس جميع اللبنانيين متفقون مع التقارب الأخير، كما يلاحظ ـ وخصوصا أنصار حزب الله المدعوم من إيران الذي يروّج لأحد أهدافه الأساسية المتمثلة في “محو” إسرائيل.
“خوف من الجوع أكثر من إسرائيل”
وبالفعل لا يمكن التقليل من شأن حزب الله سياسيا وعسكريا كسلطة في لبنان. لكن الانتقاد تجاه المنظمة الشيعية ودورها في النظام السياسي لا ينمو فقط منذ الانفجار في بيروت في البلاد. “الناس ينتابهم هنا الخوف من الجوع أكثر من مواجهة هجوم من إسرائيل”، كما يقول شريف، سمسار عقاري سني من بيروت والذي يعتبر أن المحادثات الإسرائيلية اللبنانية الأخيرة هي تقارب تاريخي. لكن الكثير من مواطنيه يرون في ذلك مناورة يائسة من النخبة لإنقاذ البلاد المتأزمة من الانهيار الاقتصادي. “ما يفرق إسرائيل عن لبنان هي حقيقة أنه يوجد في إسرائيل نظام سياسي فعال”، كما يضيف شريف.
منصة تقارب
وحتى في المواقع الاجتماعية يدور النقاش حول إسرائيل. وبعض اللبنانيين المقيمين في المهجر أقاموا صفحة انستغرام بعنوان callingforpeace2020 يعرض من خلالها الواقفون عليها منصة ليتبادل المستخدمون في سرية وأمان وجهات نظر توافقية حول إسرائيل. “ومايزال يوجد الكثير من اللبنانيين الذين يكرهون إسرائيل ويريدون تدميرها”، كما يكتبون في صفحتهم. “نحن في المقابل نرفض ذلك، لأننا نعرف أن الناس في إسرائيل أيضا يتمنون السلام”.
وإلى حد الآن هذه ليست إلا أصواتا متفرقة، وهذا يتضح أيضا من أن الصفحة لديها إلى حد الآن مؤيدين قلائل. فالموقف الأساسي تجاه إسرائيل يبقى في لبنان لدى الكثيرين مطبوعا بالرفض أو على الأقل بالشكوك – وكذلك لدى شريحة من النشطاء الشباب الذين يلتزمون من أجل إصلاحات ديمقراطية.
“هذا فقط عرض مسرحي”
حسين العاشي محامي ومؤسس لمجموعة النشطاء “منتشرين”، يفسر المحادثات الأخيرة بشكل مختلف عن صاحب المقهى مازن: “نحن في وسط كارثة اقتصادية وننظر في اتجاه مستقبل قاتم. والمفاوضات مع إسرائيل هي فقط عرض مسرحي تحاول من خلاله الحكومة إنقاذ نفسها”. ويأمل حسين في حصول سلام مع بلده. لكن فقط عندما يسترجع الفلسطينيون وطنهم، يمكن له هو تصور سلام مع الدولة الجارة، كما يؤكد.
صدمة عميقة
وإلى جانب التضامن مع الفلسطينيين تضاف آفاق تجربته الشخصية: فحسين ينحدر من منطقة قريبة جدا من الحدود الإسرائيلية ـ منطقة حرب سابقة. فإسرائيل في إدراكه الشخصي هي بالأساس دولة دمرت قريته وقتلت هناك الكثير من الناس، كما يحكي. و
كذلك بالنسبة إلى آفاق ليا. عندما تفجرت الحرب في 2006 بين إسرائيل ولبنان كانت في الـ16 من عمرها وكانت تعيش مثل اليوم في الجنوب الشيعي لبيروت الذي يُعتبر منطقة لحزب الله. فهناك عايشت كيف تم تفجير منازل وقُتل أشخاص. “إلى يومنا هذا أعاني من نوبات خوف عندما أسمع طائرات وطائرات موجهة فوقي. لم أعد أرغب في حصول حرب مع إسرائيل ـ ولكن كيف يمكن لي الثقة في شخص صدمني بهذا الشكل؟”، تقول ليا.
الإمارات كنموذج؟
والإمارات العربية المتحدة أبرمت قبل أسابيع قليلة اتفاقية تطبيع تاريخية مع إسرائيل وكذلك البحرين. وكلاهما بلدان عربيان لم يواجها الحرب أبدا فوق أرضهما مع إسرائيل. ولذلك يبدو في “دولة الجبهة” لبنان هذا النوع من التقارب مع إسرائيل بعيد المنال ـ بالرغم من المحادثات حول الحدود البحرية.
إلى ذلك يجب القول بأن اللبنانيين لم يكن لهم في التاريخ الفتي هذا الكم من الشكوك العميقة تجاه قادتهم السياسيين مثل اليوم. وحتى هذه ليست إضافة لاحتمال التقارب، لأن النخب المنقسمة ذاتها هي التي بدأت بحذر عملية التحاور مع إسرائيل.
زينة شفايلكه
DW