مقاطعة المنتجات الفرنسية أو التركية؟.. خلاف سياسي عقائدي أو استغلال للمشاعر؟
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بدعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية تزامناً مع احتجاجات ضد تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتبرها البعض مسيئة للإسلام. لكن ما مدى تأثير هذه الحملة على الاقتصاد الفرنسي ومن يقف وراءها؟
تزداد الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعة المنتجات الفرنسية عقب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حفل تأبين المدرس الفرنسي، الذي قتل بطريقة وحشية على يد إسلامي متطرف، والتي اعتبرها نشطاء مسيئة للإسلام وللنبي محمد.
حيث قال الرئيس ماكرون إن المدرس صامويل باتي قتل “لأنّه كان يجسّد الجمهورية”، مؤكداً أنّ بلاده لن تتخلى “عن رسوم الكاريكاتور”. وكان ماكرون قد وصف الإسلام سابقاً في مطلع الشهر الجاري بأنه ديانة تعيش “أزمة” حول العالم وأشار إلى أن الحكومة ستقدّم مشروع قانون في كانون الأول/ ديسمبر لتشديد قانون صدر عام 1905 يفصل رسمياً بين الكنيسة والدولة في فرنسا. كما أعلن تشديد الرقابة على المدارس وتحسين السيطرة على التمويل الخارجي للمساجد.
من يقف وراء حملة المقاطعة؟
قوبلت تصريحات ماكرون بانتقادات شديدة في أجزاء كبيرة من العالم العربي بالإضافة إلى الاحتجاجات، وانطلقت دعوات عديدة لمقاطعة البضائع الفرنسية.
فقد أطلق نشطاء في أغلب الدول العربية بالخليج ودول المغرب والجزائر ومصر عدة وسوم للتنديد بتصريحات الرئيس الفرنسي، منها #إلارسولالله، #مقاطعةالمنتجاتالفرنسية، #ماكرونيسيءللنبي.
كما وجه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان انتقادات لاذعة للرئيس الفرنسي متهما إياه بـ”مهاجمة الإسلام”.
وفي سلسلة من التغريدات، قال خان إن تصريح ماكرون سيبث الانقسام. وكتب خان “هذا هو الوقت الذي كان يمكن فيه للرئيس ماكرون أن يضفي لمسة علاجية ويحرم المتطرفين من المساحة بدلاً من خلق مزيد من الاستقطاب والتهميش الذي يؤدي حتماً إلى التطرف”.
في حين دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شعبه إلى مقاطعة البضائع الفرنسية مع استمرار انتقاده الحاد للرئيس الفرنسي بسبب موقفه من المسلمين.
ويرى المحلل الاقتصادي مازن أرشيد أن حملة مقاطعة البضائع الفرنسية غير تابعة لجهة حكومية أو محلية أو رسمية بشكل عام. ولكن من الواضح أن هذه الحملة مرتبطة بالتأثير الشعبي أي يتم قيادتها بشكل شعبي قد يكون تابعا بشكل أو بآخر لجهة حزبية أو سياسية. ومن ناحية أخرى يرى أرشيد أنه “من الواضح أن لتركيا الدور الأكبر في حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية وذلك من خلال تصريحات أردوغان الأخيرة وفي فترات ماضية أيضاً، مما يوضح أنه قد اتخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بهذه المقاطعة”.
وكان أردوغان قد قال قبل أيام إن ماكرون لديه مشكلة مع المسلمين و”يحتاج لفحوص نفسية” وهو انتقاد ردت عليه باريس باستدعاء سفيرها في أنقرة.
وقبل أسبوعين، ندد الرئيس التركي، الذي غالباً ما يدخل في مشادات لفظية مع ماكرون، بتصريحات الرئيس الفرنسي حول “الانعزالية الإسلامية” ووجوب “هيكلة الإسلام” في فرنسا.
والجدير بالذكر أن المواجهة بين ماكرون وأردوغان لم تنشأ من هذه الأزمة فحسب، إذ يتصاعد التوتر بين باريس وأنقرة على وقع الصراع في كل من سوريا وليبيا والاشتباكات في ناغورني كاراباخ وملف التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا هي عاشر أكبر مُصدر إلى تركيا وسابع أكبر سوق للصادرات التركية، وفقاً لمعهد الإحصاءات التركي. وتعد السيارات من بين الصادارات الفرنسية الرئيسية وهي من بين الأكثر رواجاً في السوق التركية.
قلق فرنسي من المقاطعة؟
وأمام موجة المقاطعة المشتعلة دعت فرنسا حكومات الدول المعنية الى “وقف” الدعوات لمقاطعة السلع الفرنسية والتظاهر، واعتبرت أن هذه الدعوات “تشوه المواقف التي دافعت عنها فرنسا من أجل حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الديانة ورفض أي دعوة للكراهية”.
وأكدت الخارجية الفرنسية أن مشروع القانون ضد الإسلام الراديكالي وتصريحات الرئيس الفرنسي تهدف فقط إلى مكافحة ما وصفته بـ”الإسلام الراديكالي والقيام بذلك مع مسلمي فرنسا الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع والتاريخ والجمهورية الفرنسية”.
ومن جهته كان الرئيس الفرنسي قد أعلن عن رفض “خطاب الحقد” وقال إنه لن يكون هناك تراجع أبداً، أمام دعوات متنامية لمقاطعة السلع الفرنسية على خلفية موقفه من الرسوم الكاريكاتورية. وقال ماكرون في تغريدة بعدة لغات منها العربية: “ما من شيء يجعلنا نتراجع أبدا”.
وأضاف: “نتمسك بالحرية ونضمن المساواة ونعيش الإخاء بزخم. تاريخنا تاريخ النضال ضد كل أشكال الطغيان والتعصب.. وسنستمر”. وتابع: “نحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام ولا نقبل خطاب الحقد وندافع عن النقاش العقلاني وسنستمر. سنقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية”.
تأثير عاطفي انفعالي مؤقت؟
من جهة أخرى، لا يتوقع المحلل الاقتصادي مازن أرشيد أن تؤثر هذه المقاطعة “إن حدثت فعلاً” على الاقتصاد الفرنسي أو الشركات الفرنسية، ويقول: “إذا أخذنا أمثلة سابقة كحملة مقاطعة البضائع الأمريكية في فترات سابقة أو في دول أخرى مثل الدنمارك حيث لم تعكس هذه المقاطعات التأثير الكبير، لعلها قد أثرت بشكل أو بآخر على المدى القصير، ولكن على المدى المتوسط أو البعيد لن يكون هناك الأثر البالغ”. وأضاف أن التأثير ما هو إلا تأثير عاطفي انفعالي مؤقت وسيزول بمرور الوقت وينساه الناس لاحقاً. بيد أن أرشيد يشير إلى أن تخوف فرنسا ومطالبتها بمنع هذه المقاطعة قد يحمل بين طياته إمكانية وجود تأثيرات من شأنها أن تقلق الحكومة الفرنسية.
مقاطعة البضائع التركية!
وكانت حملة مقاطعة البضائع الفرنسية قد أطلقت في ظل تصاعد الحملات الشعبية لمقاطعة البضائع التركية في العديد من الدول العربية، في حين أنه من الملاحظ أن الاحتجاجات ودعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية كانت حتى الآن مدفوعة بشكل خاص من قبل الحكومات والقوى السياسية المقربة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإخوان المسلمين. الأمر الذي يثير التساؤلات حول وجود علاقة بين الحملتين. ومن وجهة نظره، يعتقد المحلل السياسي مازن أرشيد أن لا علاقة تجمع بين الحملتين سوى فكرة المقاطعة بحد ذاتها، إذ تتم مقاطعة منتجات الدول نتيجة خلاف عقائدي أو سياسي بينها.
ريم ضوا