«التقيّة» والإرهاب.. كيف يقع الشباب الأوروبي في براثن التطرف الإسلامي؟
هجمات إرهابية في فيينا، وباريس، ونيس، ودريسدن، عمليات ذبح وحشي وقتل بدم بارد هنا وهناك، فما الذي يوقع بالشباب في شباك الإسلاميين المتطرفين؟ وكيف يمكن انتشالهم من براثن التطرف؟ وقبل ذلك كيف يمكن الحيلولة مسبقا دون تطرفهم؟
هجمات دريسدن، باريس، نيس وفيينا.أربع هجمات إرهابية في شهر واحد فقط، تظهر حتى بعد خمس سنوات من الليلة الدامية في باريس والتي أسفرت عن مقتل 130 شخصاً، أن الإرهاب بإسم الإسلام في أوروبا لا يزال بعيداً عن الهزيمة، ما يحتم على السياسيين التفكير في فرض ضوابط أقوى على الحدود، والتطلع إلى تعاون أوثق بين الأجهزة الأمنية، واتخاذ إجراءات أقوى ضد التهديدات الإسلاموية.
الهجمات تُظهر أن الجناة الأفراد الذين تم دمجهم في شبكات مكوّنة من أشخاص لهم نفس الرأي والتفكير، يشكلون على وجه الخصوص التهديد الأكبر. أي نوع من الأشخاص هم وما الذي يحركهم؟
يحذر تقرير عن الوضع الحالي للسلفية في أكبر ولاية ألمانية، شمال الراين وستفاليا، من أنه “يجب إيلاء اهتمام خاص بالإمكانيات الكبيرة للسلفيين الشباب ذوي التوجهات العنيفة”. ويرى الخبير الفرنسي في الإسلام السياسي، أوليفييه روي، أن هؤلاء الشباب، هم في الغالب، شباب “مولعون بعنف الجهاد”. من دون دراسة معمقة للقرآن، أراد هؤلاء الشباب أن يكونوا مسلمين أفضل من آبائهم. بالنسبة للخبير روي، هناك ثورة للشباب قائمة على الفكر الإسلاموي، وهو الفكر الذي تتبناه تنظيمات مثل القاعدة وداعش.
“نيل الشهادة”
تحدث الخبير روي عن “نيل الشهادة”. عندما يتوجه هؤلاء الشباب للقتال “يتوقعون أن يُقتلوا أيضاً. هذه ليست أيديولوجية بقدر ما هو طريق شخصي يختارونه ويكون لديهم هدف واحد وهو الاستشهاد والذهاب إلى الجنة”.
يتحدث عالم الاجتماع في فرانكفورت، فيليكس روسمييل، عن “محاولة إثبات النفس” ويوضح : “يرغب الشباب والشابات في إثبات أنفسهم وفق توقعات معينة، وبالتالي يُجبرون أيضاً على ارتكاب أعمال عنف”. وأضاف: “إنه يمثل بديلاً عن معايير إثبات النفس الشائعة، والتي ترتبط في مجتمعنا بشكل أساسي بالعمل المهني والنجاح التعليمي”. ويرى الخبير القائم على مشروع بحثي حول موضوع الجهاد أن هذا ما يجعل من الشباب الذين يعانون من صعوبات في الانتقال إلى حياة البالغين، فريسة سهلة لإستقطابهم للجهاد.
نزع التطرف
توماس موكه يعرف مثل هؤلاء الأشخاص، لأنه يعمل معهم. موكه هو رئيس شبكة VPN، التي تعمل على نزع التطرف من المتطرفين. قال موكه: “نعلم بطبيعة الحال أن الأشخاص غير المستقرين أو الذين يعانون حاليا من أزمة يمكن تجنيدهم بسرعة كبيرة من قبل الوسط المتطرف”. عندما يعمل موظفو VPN مع الأشخاص الخطرين والعائدين من تنظيم الدولة الإسلامية والمجرمين الإسلامويين العنيفين داخل السجون، فإنهم يهتمون في المقام الأول بـ”تمكين هؤلاء من طرح الأسئلة وتطوير أفكارهم الخاصة مرة أخرى” ، كما يقول المدرب وخبير العلوم السياسية. وأضاف: “داخل الجماعات المتطرفة، لا يعرف هؤلاء سوى الطاعة والخضوع، ويفقدون القدرة على طرح الأسئلة وتطوير أفكارهم الخاصة”.
غير أن موكه يرى أن عملية نزع التطرف، تبقى لها حدود أيضاً، “حتى لو حاولت جاهداً في مجال الأمن، في مجال العمل الاجتماعي والتربوي، فلا ينبغي أن يتوهم المرء أنه لن يكون هناك هجوم أبداً. ستتكرر الهجمات”. يتحدث المدير التنفيذي لـ VPNمن تجربة مأساوية مع شاب سوري يبلغ من العمر 20 عاماً، هاجم رجلين مثليين بسكين في دريسدن في بداية أكتوبر/ تشرين الأول وقتل أحدهما. التقى به موظفوه الذين كانوا يرافقوه، قبل يومين من الهجوم بالسكين وبعده، ولم يكن لهما أدنى شك في أن له علاقة بالقتل.
خداع غير المؤمنين
في مثل هذه الحالات، يتحدث ميمون بريسون عن “التقية”، وهي الخداع المقنع دينياً لغير المؤمنين. الشاب ذو الجذور المغربية أسس مبادرة “تغيير 180 درجة” في كولونيا. يريد معظم موظفيهم المتطوعين منع الشباب من الانزلاق إلى التطرف والجريمة. يقول بريسون: “إذا أُجبر المرء من خلال قرارات على القيام بإجراءات، ولم ينفصل عن الفكر الداخلي، فمن الصعب إخراجه من هذا المشهد، ومن هذه الأيديولوجية”. على النقيض من ذلك فإن توماس موكه متأكد بالنظر إلى تجاربه مع مئات الأشخاص الذين عملت VPN معهم، أنه في حالة ترك هؤلاء لمصيرهم، “فإن إمكانية ارتكابهم هجمات ستكون بالتأكيد أكبر”.
خطر التطرف خلف القضبان
إمكانية تكرار الهجمات، كبيرة بالفعل. صحيح أن أعمال مكافحة التطرف والوقاية تتم داخل السجون من خلال منظمات مثل VPN، غيرأن وباء كورونا يجعل هذا العمل حالياً صعباً للغاية، كما أفاد ينس بورشيرت، الخبير في علم الجريمة من جماعة ميرسيبورغ للعلوم التطبيقية: “العديد من برامج نزع التطرف داخل السجن لا يمكن أن تبدأ أو تعمل بالقدر الذي كان مخططًا له في الأصل”. بورشيرت يتحدث عن “مزيج قابل للانفجار” داخل السجون لأن كورونا يعني قلة عدد العاملين في السجون وتداول كل أنواع قصص المؤامرة.
هذا ما أكده موظفو القضاء، الذين شددوا على أنه على الرغم من جميع التدابير المتخذة في السنوات الأخيرة، لا يزال هناك خطر التطرف وراء القضبان. الهجمات موضوع متداول بين المعتقلين، حتى لو لم يظهر هؤلاء تمجيدهم للعنف أمام موظفي السجون ومنظمات نزع التطرف. مثال على ذلك أن “البعض، يحمّل المدرس الفرنسي، الذي قُطع رأسه على يد إسلامي متطرف، المسؤولية في قتله”.
غياب تسلسل قيادي
ما يجعل الوضع خطيراً للغاية ويضع تحدياً أمام السلطات الأمنية هو أن الإرهاب الإسلاموي لا يحتاج إلى منظمة بالمعنى التقليدي: خلايا سرية ومقرات خفية، فشبكات التواصل الاجتماعي كافية، وإمكانات الأشخاص المتطرفين كافية والتي يمكن الوصول إليها من خلال الدعاية أو الهجمات الأخرى.
يشير رئيس VPN إلى هجوم فيينا كمثال وإلى أن ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” يتحمل المسؤولية عن ذلك، “لكن لا يوجد تسلسل قيادي واضح،” يشير موكه، “بل يتم تغذية الفكر عبر الشبكات: عليك أن تفعل شيئًا الآن”. ثم هناك أشخاص يتخذون الإجراءات، دون أن يعطيهم أحدهم أمراً بذلك، لذا فهي في النهاية معركة ضد هذا الفكر بالذات. هذا هو السبب في أن مؤسس مبادرة “تغيير 180 درجة”، بريسون، يدعو أيضاً إلى حركة مضادة قوية في المجتمعات الإسلامية. يجب ضمان عدم وجود مكان للإسلاميين الذين يغررون بالشباب، والتجنيد سراً عبر واتساب أو تليغرام. وأضاف: “علينا الوصول إلى الشباب مسبقًا”.
ماتياس فونهاين
DW