لبنان بالمرتبة 149 على مؤشر الفساد… الحكومات الفاسدة تستغل وباء كورونا!
الفساد ينخر في أكثر من ثلثي دول العالم. هذا ما خلص إليه مؤشر الفساد الحالي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. المؤشر كشف عن كيفية استغلال جائحة الكورونا من قبل بعض الحكومات. كيف ذلك؟
جائحة كورونا فرضت على الجميع حالة طوارئ لا تنتهي. ومنذ عام تلعب الحكومات، في جميع أنحاء العالم، دوراً خاصاً في إدارة حالة الطوارئ من خلال مجموعة من التدابير، ومنها: توفير المعدات الطبية، استيراد الكمامات، توفير اللقاحات، جمع حُزم المساعدات وتوزيعها.
يقول دانيال إريكسون، المدير الإداري في منظمة الشفافية الدولية: “لسوء الحظ، شكّل الوباء فرصة مناسة للحكومات الفاسدة أيضاً”.
تنشر المنظمة غير الحكومية مؤشر الفساد الخاص بها مرة في السنة. وركز خبراء الفساد، هذا العام، على الصلة بين الفساد ومجال الرعاية الصحية.
وقال إريكسون: “إتضح أن هناك علاقة بين مستوى الفساد والاستجابة للأزمة الصحية الناجمة عن الوباء”.
الفساد ينخر في ثلثي دول العالم
عمليات شراء الأجهزة والأقنعة الطبية، على وجه الخصوص، لا تتم بصورة شفافة من قبل الحكومات الإستبدادية. وهذا، بالطبع، ما يجعل هذه العمليات جذابة، إذ عن طريقها يستطيع المرء اختلاس المال ودسّه في جيبه من أجل إثراء نفسه على حساب الآخرين. وبالتالي، يتم ضخ استثمارات أقل في النظام الصحي في البلدان الفقيرة، على سبيل المثال في آسيا وأفريقيا. “هنا يمكننا القول أن الفساد يقتل”.
تظهر نتائج تقرير منظمة الشفافية الدولية أن العالم يتجه نحو مستوى مماثل من الفساد كما كان في العام السابق. يستند المؤشر إلى مقياس (صفر – 100) حيث يكون صفر هو أعلى معدلات الفساد و100 هو انعدام وجود فساد على الإطلاق. في عام 2020، حقق ثلثا دول العالم أقل من 50 درجة في هذا المؤشر. “يمكنك أن تقول، أيضاً، أن الفساد ينخر في ثلثي دول العالم. غير أن التقرير يرى أن الدول التي جاءت في مقدمة القائمة، أي التي حققت أقل معدلات الفساد، مسؤولة عن فساد الدول التي جاءت في ذيل القائمة”.
يعتمد مؤشر الشفافية على مسح وتقييم خبراء مختصين، ويرصد مدى انتشار الرشوة والاختلاس والمحسوبية في البلدان المعنية، ويرصد، أيضاً، ما إذا كانت هناك قوانين لمكافحة الفساد، وما إذا كانت تطبق أم لا.
الديمقراطية ضد الفساد
وفقًا للترتيب الحالي، يمكن لأي شخص يعيش في الدنمارك ونيوزيلندا أن يكون سعيداً. إذ حصلت هذه البلدان على أعلى درجة، تليها فنلندا وسنغافورة والسويد وسويسرا. تحتل ألمانيا المركز الثامن في هذا الترتيب وحصلت على 80درجة في مؤشر الفساد كما في عام 2019.
في المقابل، تبدو الصورة قاتمة في بلدان مثل الصومال وجنوب السودان، حيث يتفشى الفساد بشدة، وفق المنظمة. الوضع مماثل في فنزويلا واليمن وسوريا. وتتابع المنظمة معدلات هذه البلدان منذ عام 2004.
وبهذا الخصوص، يقول إريكسون: “في بعض البلدان، نرى أن الوضع يتحسن باستمرار في السنوات الأخيرة”. وهذا ما حدث في اليونان وميانمار والإكوادور. والعكس هو الصحيح في لبنان وملاوي والبوسنة والهرسك. ولكن بشكل عام، فإن ذلك يُظهر أنه: “كلما كانت المجتمعات أكثر ديمقراطية وانفتاحاً وشفافية، زادت قدرتها على مكافحة الفساد. ونرى، أيضاً، أن بعض الدول تقوّض حرية التعبير وتتجاهل حقوق الإنسان، مما يضر، أيضاً، بقدرتها على مكافحة الفساد”.
هل تقدم التكنولوجيا الحل؟
وفق نتائج منظمة الشفافية الدولية، تأتي دول أفريقيا جنوب الصحراء في المرتبة الأسوأ على مستوى العالم بمتوسط قدره 32 درجة. أما أعلى المناطق محاربة للفساد فقد حققت متوسطاً يقدربـ66 درجة.
يعتمد مؤشر الفساد على بيانات تم تجميعها منذ عام 2004. تريد المنظمة كشف المحسوبية والفساد في جميع أنحاء العالم. ويوضح إريكسون: “نريد تحقيق التغيير”. المنظمة موجودة في حوالي 100 دولة. وهم يعملون حالياً على خطة مدتها عشر سنوات والتي يجب أن تلعب فيها تكنولوجيا مثل “بلوكشين” دوراً.
تقوم هذه التكنولوجيا على نظام الند للند، أي يتم إجراء المعاملات بين مستخدمي هذه التكنولوجيا بدون أي وسيط. يرى إريكسون أنه يمكن استخدام هذه التكنولوجيا من أجل جعل المجتمعات أكثر قدرة على مكافحة الفساد، لكن يمكن أن تستخدم الأنظمة الاستبدادية، في هذه المجتمعات، نفس التكنولوجيا “لإثراء نفسها بشكل أكبر”.
الدول العربية على مؤشر الفساد
“لا يزال يُنظر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها شديدة الفساد مع إحراز تقدم ضئيل في السيطرة عليه”، هذا ما يقوله تقرير منظمة الشفافية الدولية حول الفساد ومستوياته خلال عام 2020 في 180 دولة ومنطقة عبر العالم.
سوريا.. الرتبة ما قبل الأخيرة عالميا!
لا يوجد أسفلها سوى جنوب السودان والصومال اللذان حلا في المركز 179، بينما حلت سوريا في 178. تدهورت أحوال البلد منذ اندلاع النزاع المسلح في أعقاب بداية الانتفاضة ضد نظام الأسد. خسرت سوريا 12 نقطة منذ عام 2012 وتملك الآن 14 نقطة فقط، وهو وضع يكاد يكون طبيعيا نظرا لاستغلال منظومة الفساد لحالة الحرب ولجوء السوريين، لدرجة أن هناك من يؤكد أن للفساد منظومة قد تتجاوز منظومة الدولة.
اليمن.. المركز 175 بـ15 درجة فقط!
ليست أحوال البلد الذي يعيش “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” بالجيدة في المؤشر، رغم تقدم طفيف بدرجتين في المؤشر الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية (ترانسبارنسي). ويعزو هذا الوضع المستمر إلى الحرب داخل البلد، ما خلق مشاكل اقتصادية واسعة وصعب محاربة الفساد. وترى المنظمة أنه حتى إدارة الإغاثة الخاصة بتدبير جائحة كورونا لم تكن لها الشفافية اللازمة في توزيع المساعدات الإنسانية.
السودان وليبيا
حلت السودان بالمركز 174 بـ16 نقطة تشاركه بالمركز وعدد النقاط دولة غينيا الإستوائية. أما ليبيا فحلت بالمركز 173 بحصولها على 17 نقطة على مؤشر الفساد.
العراق.. غنى الموارد مقابل فقر الحياة
تقدم ضئيل للغاية بمركزين ليحتل العراق المركز 160، لكنه تقدم غير كافٍ لإبعاد البلد عن دائرة الدول “الأكثر فسادا”، تقول المنظمة إن “الفساد المترسخ في النظام يحرم الناس من حقوقهم الأساسية مثل الحصول على مياه الشرب والرعاية الصحية”.
يعيش البلد الغني بالنفط أزمة اقتصادية أجلت أكثر من مرة دفع رواتب الموظفين، وسط اتهامات بنهب المال العام بأكثر من 250 مليار دولار منذ 2003، مقابل غياب تام للمساءلة.
لبنان.. مركز مخيّب للغاية
حل لبنان بالمركز 149 بـ25 درجة وبتراجع 12 درجة عن آخر ترتيب. يتأكد أن لبنان يعاني بشكل واضح في محاربة الفساد، إذ لم ينجح الحراك المناوئ للحكومة في تحسين الوضع. تقول المنظمة إنه رغم هذه الاحتجاجات، فـ”التحقيقات الرئيسية لم تبدأ، ولم يخضع أيّ مسؤول عام للمحاكمة”. وزادت جائحة كوفيد-19 من صعوبة الوضع، ثم انفجار مرفأ بيروت. وتشير المنظمة إلى افتقار المحاكم للإستقلالية رغم وجود قوانين لمحاربة الفساد.
وقد تشارك لبنان بهذا المركز مع كل من الدول: إيران – غواتيمالا – نيجيريا – موزنبيق – كاميرون – طاجيكستان – مدغشقر.
مصر
تراجعت مصر بتسعة مراتب لتحتل المركز 117 بـ33 نقطة. ومن أبرز المجالات التي توجه فيها الانتقادات لمصر الطريقة التي يتدخل بها الجيش في الحياة العامة مع ما يكتنف ذلك من غياب للشفافية وصعوبات للمساءلة.
الجزائر.. الرتبة 104 بـ36 درجة
تقدمت الجزائر مرتبتين عن تقرير العام الماضي. يدرك المتتبعون أن البلد يعاني من أزمة فساد بنيوية، وليست المحاكمات الأخيرة لمجموعة من رموز نظام بوتفليقة سوى تجليا بسيطا لها، فهناك جرائم خطيرة تتعلق بنهب الأموال العمومية وتهريبها للخارج وتقديم رشاوى ضخمة والاغتناء غير المشروع. وفي الوقت الذي ينظر فيه البعض بعين الرضا لهذه المحاكمات، هناك من يرى أنها مجرد تصفية حسابات بين أقطاب في الدولة.
المغرب.. الرتبة 86 بـ40 درجة
تراجع المغرب عن ترتيب 2019 بـ6 مراتب . ترى المنظمة أن التدابير الاستثنائية التي اتخذتها الرباط استجابة لحالة الطوارئ “افتقرت إلى الرقابة وسمحت بإعفاءات خاصة لم تخضع الحكومة للمساءلة عنها”، وهو ما “شكل مخاطر كبيرة على جهود مواجهة سوء إدارة الأموال والفساد”. وهنا تشير المنظمة كذلك إلى اعتقال السلطات للصحفيين المستقلين، إذ تم اعتقال ثلاثة صحفيين ونشطاء إعلاميين على الأقل عام 2020.
الكويت والبحرين
حلت الكويت والبحرين بالمرتبة 78 بـ42 درجة. والدول التي أتت بهذا المركز في مؤشر الفساد هي: الصين – الأرجنتين – جزر سليمان.
تونس
تقدمت تونس خمس مراتب لتحتل المركز 69 بـ44 درجة، فرغم أن البلد يعاني من عدم استقرار سياسي ومن شبه إخفاق في معالجة المشاكل الاجتماعية، إلّا أنه قطع بشكل كبير مع الفساد المهيكل.
الأردن والسعودية وعمان
الأردن في المرتبة 60 بـ49 نقطة بنفس المركز مع أرمينيا وسلوفاكيا. أما السعودية فحلت في المرتبة 52 بـ53 نقطة، ومن الدول التي أتت بنفس المركز إيطاليا، ومالطا. وحلت عمان بالمرتبة 49 بـ54 نقطة.
الإمارات وقطر.. نتائج مرضية نسبيا
حافظت الإمارات على ترتيبها بحلولها في المركز 21 بـ71 درجة. تملك الإمارات منظومة قوانين تشدّد على محاربة الفساد وتؤكد على الشفافية، غير أن البلد يدار بقبضة من حديد، كما أن “الفساد يتكرس في أماكن أخرى بالقطاع الخاص”.
وحلت قطر ثانية عربيا في المركز 30 عالميا، وهي بدورها تملك هيئات رقابية قوية تفرض شروطا صارمة على التعاملات المالية، بيد أن انتقادات كبيرة تلاحقها وخاصة حقوق عمال ملاعب المونديال.
في الوقت الذي تصدرت فيه الإمارات وقطر المشهد العربي في مؤشر محاربة الفساد، يستمر العراق وسوريا واليمن في آخر المراتب. وبينما تراجع المغرب مقابل تقدم جزئي للجزائر، تعيش مصر وتونس، بلدا “الربيع العربي” تجربتين متناقضتين تماما.
Transparency | DW