5 رصاصات أنهت حياة لقمان سليم “اللهم إني بلغت” قالها ورحل
كأنه مكتوب على اللبنانيين أن يتحول تاريخ الرابع من كل شهر إلى ذكرى القتل المروع والأمن المتفلت في ظل أزمات تكبله على مدى الأيام والأشهر. ففي ذكرى مرور 6 أشهر على تفجير مرفأ بيروت، في الرابع من آب 2020، استفاق اللبنانيون على خبر العثور على الناشط والمفكر والمعارض لقمان سليم مقتولا في سيارته في منطقة النبطية، وذلك بعد ساعات على اختفائه وفقدان الإتصال به عقب زيارة كان يقوم بها مع شخص آخر في بلدة نيحا الجنوبية، بحسب ما أعلنت شقيقته رشا الأمير.
وكانت عائلة سليم قد تمكنت عبر أحدى التطبيقات من إيجاد هاتف سليم من دون العثور عليه أو على سيارته، وعلى الأثر تواصلت مع المستشفيات والمخافر من دون التوصل إلى نتيجة، لتطلق بعدها نداء استغاثة لأي شخص يعرف عنه شيئا، في وقت رجح أصدقاؤه وقوع عملية خطف.
5 رصاصات أنهت سيرة حياة سليم: قضائيا، تابع النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان جريمة قتل الناشط سليم، وكلف على الفور الادلة الجنائية والطبيب الشرعي عفيف خفاجة للكشف على الجثة والسيارة وبوشرت التحقيقات لكشف الملابسات. وبعدما أنهى الطبيب الشرعي الدكتور عفيف خفاجة الكشف عليها، تبين أنها مصابة بخمس طلقات نارية من مسافة قريبة أطلقت من مسدس حربي، أربع في الرأس وواحدة في الظهر، في وقت تتواصل التحقيقات لكشف ملابسات الجريمة. وبناء لإشارة القاضي رمضان، نُقلت جثة الناشط لقمان سليم إلى مستشفى صيدا الحكومي، فيما أجرى عناصر الأدلة الجنائية الكشف على السيارة التي كان يقودها وتبين أنها مستأجرة من شركة لتأجير السيارات.
ومساء، ظهرت معلومات جديدة صادمة، حيث كشفت مصادر طبية لـ”العربية”، أن لقمان سليم تعرض للتعذيب قبل قتله.
إلى ذلك كلف القاضي رمضان فرع المعلومات بإجراء مسح كامل للكاميرات لمعرفة المسار الذي سلكته سيارة لقمان سليم قبل إغتياله وبتفريغ داتا هاتفه الخلوي وتحليلها. وكانت كشفت مصادر ان سليم قتل داخل سيّارة مستأجرة، وقد عُثر على هاتفه على بعد نحو 300 متر من المنزل حيث كان يقوم بزيارة مع شخص آخر في بلدة نيحا قبل ان يتم اختطافه واغتياله في احد الشوارع الفرعية من بلدة العدوسية.
عون
فور وقوع جريمة الإغتيال طلب رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات جريمة اغتيال الناشط لقمان سليم.
وشدد الرئيس عون على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء الظروف التي أدت الى وقوع الجريمة والجهات التي تقف وراءها.
دياب
وفي السياق كلّف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي الايعاز الى الاجهزة الامنية الإسراع في تحقيقاتها لكشف ملابسات جريمة اغتيال الناشط لقمان سليم، وملاحقة الفاعلين والقبض عليهم واحالتهم الى القضاء بأسرع وقت ممكن.
وأكد دياب أن “هذه الجريمة النكراء يجب أن لا تمر من دون محاسبة، ولا تهاون في متابعة هذه التحقيقات حتى النهاية، والدولة ستقوم بواجباتها في هذا الصدد”.
فهمي
وفي حديث لموقع “إم تي في” أكد وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي “أن ما حصل اليوم لجهة قتل الناشط لقمان سليم إنما يشكل جريمة مروعة ومدانة، ولفت إلى أنه أجرى منذ الصباح اتصالات مع قادة الاجهزة الامنية لمتابعة تداعيات جريمة الإغتيال.
تهديدات بالقتل
وكان لقمان سليم معارضاً من الصف الأول. وعلى رغم تعرّضه للكثير من التهديدات وحملات التخوين إلا أنه كان يتسلّح دائماً بالكلمة والموقف الحر، وظلّ معارضاً شرساً لسياسة حزب الله ومنطق السلاح، ومدافعاً عن سيادة الدولة.
وفي آخر لقاء إعلامي له، أطل الكاتب والناشط السياسي على قناة الحدث للتعليق على مقال نشرته صحيفة الغارديان والتي جاء فيها أن رجلي أعمال سوريين وروسيين يقفان خلف إحضار نيترات الأمونيوم إلى المرفأ. وأشار (المغدور) سليم في حديثه إلى أن “في 14 تشرين الاول 2013 وقّع النظام السوري على معاهدة الانضمام للحد من الأسلحة الكيميائية والصدفة أنه في 23 تشرين الثاني وصلت الى بيروت السفينة روسوس محمّلة بأطنان نيترات الأمونيوم، وبالصدفة أيضاً بدأ العام 2014 وتتالى على تصاعد في وتيرة الغارات بالبراميل المتفجّرة لم يُسبق أن سُجّل في 2012 و2013”.
وتابع “نحن امام أحجية تكتمل تفاصيلها، اليوم بتنا نعرف من استورد ولكن نريد أن نعرف من خزّن ولمصلحة من كان يتم إخراجها شيئاً فشيئاً إلى الأراضي السورية حيث كانت تصنّع ليتم استخدامها فوق رأس الشعب السوري”.
واعتبر ان هذه المعلومات تُسقط ما تبقّى من ورقة توت، حاولت بعض الجهات اللبنانية أن تتستّر عليها زاعمة أن المسألة تقف عند حدود الإهمال الاداري.
وتابع رداً على سؤال “أن المتهم الأكبر هو صاحب الدالة الكبرى، أعني ميليشيا حزب الله التي تملك ليس فقط السيطرة على المرافئ بالمعنى الجغرافي والتقني للكلمة بل تملك الدالة السياسية على اللبنانيين وكل من يتعاطى الشأن العام، وتملك قدرة التخويف لأن خوف اللبنانيين حتى من معارضي حزب الله عن الإشارة اليه بأصبع الإتهام هو جزء من الجريمة التي وقعت بحق اللبنانيين وقبلهم السوريين.”
وفي 14 كانون الاول 2019، أصدر سليم بياناً جاء فيه: “للمرة الثانية خلال 48 ساعة، يسعى الخفافيش لتهديدي وارهابي متعرّضين لحرمة دارة العائلة في حارة حريك… واستدراكا على اي محاولة تعرّض لفظية أو يدوية لاحقة لي أو لأفراد من العائلة، أحمّل قوى الامر الواقع ممثلة بشخص السيد حسن نصر الله وبشخص الاستاذ نبيه بري المسؤولية التامة عما جرى وما قد يجري، وأضع نفسي ومنزلي في حماية القوى الامنية اللبنانية وعلى رأسها الجيش اللبناني”، مضيفا “اللهم قد بلّغت”.
و خلال ثورة 17 تشرين الأول 2019 تعرض لقمان للإعتداء حيث أقدمت مجموعة تنتمي إلى “الثنائي الشيعي” على إثارة الشغب في خيمة كان يلقي فيها سليم محاضرة عن الحياد، فاتهموه بالتطبيع وعمدوا الى تكسير الخيمة، ثم تظاهروا أمام منزله في حارة حريك متهمينه بالعمالة.
هددونا منذ أشهر
وفي حديث إلى إحدى القنوات قالت شقيقة الناشط سليم “إن المسؤول عن اغتيال شقيقها معروف ولا حاجة للتكرار”. أضافت “سبق وأن هددونا منذ عدة أشهر وقد حمّل شقيقي قوى الأمر الواقع والدولة اللبنانية مسؤولية ما قد يحدث في منشور نشره على صفحات التواصل الإجتماعي”.
ووصفت رشا “ما حدث بجريمة قتل، وأن لبنان واقع في هوة ولن يستطيع الخروج منها إذا استمر هذا السقوط الأخلاقي والفساد”. أضافت:”من قتل قد قتل، من دون أن يكون هناك عقاب، لا نريد أن يُعاقب أحد لأننا نعلم أن أحداً لن يُعاقب بهذه البلاد، وأن هذه الجرائم تُرتكب من دون أن يكون هناك عقاب”. وختمت بأن شقيقها قُتل “لأنه كان أفضل من قاتليه أخلاقياً وهو ما لا يتقبلوه ويعتقدون أنهم يحتكرون الأخلاق”.
جدير ذكره أن رشا كانت فقدت الإتصال بلقمان منذ مساء الأربعاء، وقد حاولت العائلة الإتصال مرات عديدة بعد تأخره في العودة إلى المنزل، لكن من دون جدوى حتى وصلهم خبر اغتياله المفجع.
من هو لقمان سليم
ولد لقمان في حارة حريك عام 1962، ثم انتقل إلى فرنسا في العام 1982 لدراسة الفلسفة في جامعة السوربون، وعاد إلى بيروت في العام 1988، وفي العام 1990 أسس دار النشر الجديدة، التي تعنى بنشر الأدب العربي ومقالات. وفي العام 2004 شارك سليم في تأسيس مركز “أمم للتوثيق والأبحاث” وهي منظمة غير ربحية ومقرها في حارة حريك.
المركزية