“كلام نصر الله مرفوض”.. بكركي: الراعي يطرح مشروعه على الطاولة أمّا الآخرون فمشاريعهم تحت الطاولة ويحاولون تمريرها
لم تزد إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، العاملين على تحييد لبنان عن صراعات الخارج وفكِّ أسر حكومة المهمّة الإنقاذية للبنانيين، سوى قناعة ويقين بأنّ التعايش مع مفهوم الدويلة، الناظمة لشؤون الدولة والخاطفة لقرارها ومسارها ومصير أبنائها، لم يعد ممكنًا. فأصبحت صورة المعركة السيادية التحررية من الوِصايات الداخلية والخارجية واضحة المعالم، وبات البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قائد دفَّة مركب “الحياد” الوطني الذي يُشكِّل خشبة الخلاص الوحيدة للكيان وسط أمواج المصالح الحزبية والأجندات الإقليمية المهدِّدة للهوية والنموذج في لبنان.
يُصرّ الراعي على مواجهة مشروع تغيير هوية البلد وخطفه وإدخاله في سياسة المحاور بالقوة، وقد رفع سقف مواقفه وطالب بعقد مؤتمر دولي يطرح القضية اللبنانية على بساط البحث، طالما أنّ الداخل عجز عن الإرتقاء إلى مستوى المسؤولية وأمعن في تعميق أزمات اللبنانيين بدل حلّها.
لا يبدو أنّ البطريرك الماروني في وارد التراجع عن رفع الراية السيادية وإعلائها فوق كل الرايات الداخلية والدخيلة على البلد، فلم يتأخَّر ردّ بكركي على كلام الأمين العام لـ”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، الرافض للحياد ولتدويل الحلول للأزمة اللبنانية، تحت طائل تهويله على المنادين بهذا الطرح “بالحرب والخراب”، قائلاً: “ما حدا يمزح بهيدا الموضوع”، بحيث علَّقت مصادر الصرح البطريركي، على كلام نصر الله، بالقول لـ”نداء الوطن”: “بكركي ما بتمزح، أكيد هُوِّي يَلِّي عم يمزح”، وتضيف: “إذا كان مشروعنا يؤدّي إلى الحرب والخراب فليقل لنا إلى أين أوصل مشروعه البلد؟”
تقرأ مصادر بكركي بعناية كلام نصر الله، وتردّ: “البطريرك الراعي جَدّي في طرحه، وردّ نصر الله بهذه الطريقة لا يرتقي إلى حجم طرح يُنقذ لبنان”، وأمام إصرار الراعي على مواقفه، تُشدِّد المصادر على أن “كلام نصر الله مرفوض، فليست البطريركية المارونية أو البطريرك من يُشَكَّك بكلامهما وطروحاتهما، فالبطريرك وبكركي هما «أم الصبي»، والبطريركية لم تخاطر يومًا بمصير البلد، ولم تعرِّض أبناءها للخطر، بل تنطلق من حسابات وطنية صرف”.
وبينما تشدِّد المصادر على أن “كل دعوات البطريرك هي من أجل حماية لبنان وتجنيبه الأزمات والفراغات المتتالية التي سئم منها الشعب وأوصلت الى الهاوية، فلا يجوز عند كلّ إستحقاق أن يُعلَّق عمل المؤسسات وندخل في حلقة الفراغ الطويل”، فإن الراعي يرى أن “هناك فقدان ثقة بين كل المكوِّنات اللبنانية حتى داخل الصف الواحد، والحلّ يكون إمّا بالجلوس مع بعضنا البعض كلبنانيين وتحمّل المسؤولية ووضع مصلحة لبنان أولًا، وإمًا نكون غير مؤهَّلين للقيام بمثل هكذا مهمّة. وبالتالي، يجب أن نطلب مساعدة الأسرة الدولية التي هي مجبرة على مساعدتنا لأن لبنان عضو مؤسِّس في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية”.
وتلفت المصادر البطريركية إلى أنّ “الردّ على طروحات الراعي لا يتمّ بالتخوين أو عبر الإعلام، فإذا كانت لنصر الله ملاحظات على طروحات البطريرك فليصعد إلى بكركي ويناقشها مع الراعي، فأبواب بكركي مفتوحة أمامه، لكن لا ترضى البطريركية بلغة التخوين”.
وأمام الحملة التي يتعرّض لها الراعي من “حزب الله”، تكتفي مصادر بكركي بالإشارة إلى أنّ “البطريرك الراعي يحمل مشروعًا لبنانيًّا صرفًا، وأي فريق يحمل مشروعًا لبنانيًّا سيتلاقى معه، أما الذين يحملون مشاريع خارجية فلن يتلاقوا مع سيّد الصرح”، لافتةً الإنتباه إلى أنّ “الراعي يطرح مشروعه على الطاولة، أمّا الآخرون فمشاريعهم تحت الطاولة، ويحاولون تمريرها، وطبعًا، بكركي ستتصدّى لكل شيء يضرّ بصورة البلد”.
إذًا، لم يعد بالإمكان إخفاء مدى التباعد الذي يحصل بين الراعي و”حزب الله”، فالراعي يؤكّد أنّه يخوض معركة الحفاظ على هوية لبنان المتقدّم الذي عرفناه، لبنان مستشفى الشرق ومدرسته وجامعته ومركز إستقطاب الشرق والغرب، والتشبّث بالهوية التي بناها الأجداد، في حين أن “حزب الله” يعتبر أنه يخوض حرب الأمّة ومعركة الحفاظ على لبنان من ضمن محور الممانعة الأكبر الممتد من إيران إلى سوريا. وبالتالي، فإن البطريرك يعتبر نفسه رأس حربة في قيادة المشروع اللبناني ضد مشروع الدويلات التابعة للخارج.