الراعي: ما لم تتألف حكومة اختصاصيين عبثا تتحدثون عن إصلاح وتدقيق جنائي
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان أنطوان عوكر وسمعان عطالله، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، بمشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور جمعية آل عطاالله الخيرية، عائلة المرحومة الأخت اليان الخوري من جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الاجتماعية الدكتور الياس صفير، نجل الشهيدين صبحي ونديمة الفخري باتريك الفخري وعدد من المؤمنين التزموا الإجراءات الوقائية.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “عرفاه عندما أخذ الخبز، وبارك، وكسر، وناولهما”، ومما جاء في عظته انه قال في ما يخص الوضع اللبناني:
“إن الذين يصنعون الخير يختبرون حضور الله في حياتهم. اليوم شعب لبنان يتعرض، بكل فئاته ومناطقه، لحرب اقتصادية ونقدية ومعيشية مفتوحة تستدعي مواجهتها والانتصار عليها بالصمود الذي يبدأ بالبقاء في لبنان للحفاظ على وجودنا وهوية الأرض والوطن.
الكنيسة، بطريركية وأبرشيات ورهبانيات ومؤسسات ومنظمات خيرية تابعة لها ومحسنين من أبنائها، كلهم يلتزمون بتوفير الحاجات المادية للعائلات المعوزة.
إننا، بانتظار عودة مؤسسات الدولة المركزية، ندعو جميع السلطات المحلية والبلديات واتحادات البلديات، والجمعيات المدنية والأحزاب والنوادي والتعاونيات والنقابات والفئات الميسورة إلى توحيد الجهود، وإلى استعمال جميع القدرات الشرعية الاقتصادية المتوافرة في القرى والبلدات والمناطق لتأمين إنعاش اقتصادي وزراعي وتجاري وسياحي ومالي، من شأنه أن يؤمن مقتضيات الحياة والصمود للأفراد والعائلات، وأن يثني الشباب عن الهجرة، ويساعد اللبنانيين على منع سقوط وطنهم، وعلى استعادة دولتهم الواحدة والمحررة من ذوي المصالح الخاصة والمشبوهة.
قدرنا أن نبقى أمناء على هذا الوطن ونمنع الاستيلاء عليه. قدرنا أن نقوم من بين أنقاض الدمار والانحطاط والانهيار. قدرنا أن نعود إلى النهضة والبناء والازدهار والسلام”.
وتابع: “لا نستطيع بأي شكل من الأشكال قبول ممارسة الجماعة السياسية وبخاصة المقامين في السلطة، أعني خيارهم سلوك درب الإنهيار، مكابرتهم على قبول الحلول المتوافرة، إقفالهم كل باب يأتي منه الخير والمساعدات للشعب وللبنان، أكان من الدول المانحة، أم من صندوق الدعم الدولي، أم من الدول العربية الشقيقة، وبالمقابل إبقاءهم معابر الهدر والتهريب على الحدود الشمالية والشرقية مفتوحة على مصراعيها.
العالم ينتظر أن تؤلف حكومة ليتخذ المبادرات الإيجابية تجاه لبنان. ما من موفد عربي أو دولي إلا ويردد هذا الكلام. جميعهم يتوسلون المسؤولين عندنا أن يضعوا خلافاتهم ومصالحهم وطموحاتهم الشخصية جانبا، وأن ينكبوا على إنقاذ البلاد. ما لم تتألف حكومة اختصاصيين غير حزبيين لا هيمنة فيها لأي طرف، عبثا تتحدثون، أيها المسؤولون، عن إنقاذ، وإصلاح، ومكافحة فساد، وتدقيق جنائي، واستراتيجية دفاعية، ومصالحة وطنية. إن معيار جدية المطالبة بكل هذه المواضيع هو بتأليف الحكومة. فلا تلهوا المواطنين بشؤون أخرى، وهم باتوا يميزون الحق من الباطل”.
وقال: “لكي تكون الحكومة الجديدة فاعلة وقادرة على إجراء إصلاحات وشد عرى الوحدة الوطنية استبعدت حكومة من كتل نيابية، لئلا تكون مجلسا نيابيا مصغرا تتعطل فيها المحاسبة والمساءلة. واستبعدت حكومة حزبية، منعا لخلافات داخلية تعطل عملها. وكان الإتفاق أن تكون حكومة من إختصاصيين ذوي خبرة في شؤون الدولة وفي مختلف حقول الحياة، ومجلين في أخلاقيتهم ونتاجهم. فإذا بنا نسمع اليوم بحكومة من وزراء طائفيين ومذهبيين يعينهم السياسيون.
في دستورنا، لبنان دولة مدنية، طوائفها تنتمي إلى ربها. وميثاقنا الوطني يقتصر على الشراكة الوطنية في إطار المناصفة والمساواة. ليس لبنان بحكم هويته دولة دينية وطائفية ومذهبية، بل الإنتماء إليه هو إنتماء بالمواطنة لا بالدين. نريد حكومة واحدة لكل اللبنانيين وللبنان واحد، لا مجموعة حكومات في حكومة، لكل طائفة حكومتها داخل الحكومة، منعا لنزاعات طائفية ومذهبية يرفضها عيشنا المشترك الذي يميز لبنان عن سواه من الدول المحيطة”.
وختم الراعي: “نأمل ان نتعظ من جائحة كورونا التي إجتاحت الكرة الأرضية بكاملها، من دون سلاح وجيوش وأموال، وركعت الجميع بدءا من الكبار، فتؤول بنا جميعا إلى وقفة وجدانية مع الذات ومع الله، لكي يدرك كل واحد منا هشاشة الحياة، ويبدل مجرى حياته، ويوجهه إلى الخير والحق والجمال”.