ريتا نجيم الرومي: ارتباطي بعائلة الرومي ساهم بصنع صورتي اليوم
نحمل اليوم إرث الكبار ونحافظ عليه ونظهره للعالم
الإعلامية ريتا نجيم الرومي تفيض بحضورها وكاراكتيرها أناقة، ودائماً في منتهى لياقتها. بدأت العمل في «إذاعة لبنان» قبل ٣٠ سنة، وهي اليوم مديرة البرامج فيها، ولا يوجد في قاموسها كلمة «صعوبات»، وإنّما فقط النجاح الصاخب والإنجازات. الحوار معها فيه طيف وعبق من ذاكرة وثقاقة وفنّ لبنان، نسألها عن أحوال إذاعة عمرها ٨٥ عاماً ويقودنا الكلام إلى عمالقة الفن اللبناني في الخمسينات، وإلى استديو فيروز، والعبقري حليم الرومي في الإذاعة، وإلى ماجدة الرومي وشقيقها عوض الذي غرقت معه ريتا في عالم الفن والألحان والأغنية:
* ماذا تخبرينا عن استديوهات فيروز وحليم الرومي؟ وهل ستنشئون استديوهات لأسماء فنّية أخرى؟
– أيقونة الأغنية اللبنانية فيروز بدأت مشوارها في استديوهات إذاعة لبنان سنة ١٩٥٠عندما كانت فتاة صغيرة تغنّي في كورال الأخوين فليفل، وقد اكتشف جمال صوتها حليم الرومي، وأطلق عليها إسم فيروز تيمّناً بالأحجار الكريمة، وأعطاها أولى أغنياتها «يا حمام يا مروّح بلدك»، و«أحبك مهما أشوف منك»، ومن ثم انطلقت إلى الشهرة مع الأخوين رحباني. وقد ارتسمت في استديوهات الإذاعة بدايات صوت ملائكي حمل الأغنية اللبنانية إلى العالمية. ولأنّ الإذاعة تحترم كبارها وتكرّمهم، أراد مدير عام الوزارة د. حسان فلحة، إطلاق إسم فيروز على أكبر استديوهاتنا، وافتتح وزير الإعلام رمزي جريج استديو ٦ تحت إسم استديو فيروز سنة ٢٠١٦ وهو من أكبر الاستديوهات في الإذاعات العربية وأعرقها. وقد استقبل بعدها فرقاً موسيقية منها فرقة الكونسرفتوار الوطني، وكورال الفيحاء. أما استديو ٥، فقد أطلق عليه سنة ٢٠١٧ الوزير ملحم رياشي إسم حليم الرومي، تكريماً لموسيقار أعطى ٣٠ سنة من عمره للإذاعة، حيث اكتشف الأصوات ووجّهها، وأسّس أوّل فرقة موسيقية تعزف على النوتة، ونظّم المكتبة الموسيقية وترك بصمات ذهبية في الإذاعة التي تشهد على عظمة فنّان جدّد في الألحان والموشحات، وحمل إسم لبنان إلى المرتبة الأولى في مباريات الموشحات في العالم العربي سنة ١٩٧٥. وقد شهد هذا الاستديو يوم افتتاحه حفلاً غنائياً بحضور السيدة ماجدة الرومي. وإذاعة لبنان تعرف أهمّية الكبار الذين بنوا هذا الصرح الإعلامي العريق، وهناك سبعة استديوهات في الإذاعة يستحقّ كبارنا أن تُطلق عليها أسماءهم المضيئة.
*أي نوع من الأغنية اللبنانية تعمل إذاعة لبنان على نشرها في العالم؟
– إذاعة لبنان وكما عرفها المستمع منذ ٨٥ عاماً، تقدّم أغنيات ذات مستوى جيّد. أغنيات الكبار والفولكلور والإيقاعية والرومنسية، ولكن أيضاً أغنيات للفنانين الشباب، لأن الفن الجميل لا يقتصر على الزمن القديم. صحيح أن عمالقة الفن اللبناني والعربي تصدح أصواتهم عبر إذاعة لبنان، ولكنّنا نقدّم كل جميل تتوفّر فيه الكلمة واللحن والصوت والتسجيل والتوزيع على مستوى جيّد. في الخمسينات كانت لجنة شهيرة تمتحن الأصوات والأغنية قبل دخولها إلى الإذاعة. واليوم أيضاً نعمل مع فريق من الفنيّين على حفظ الأفضل واللائق فقط في مكتبتنا لتقديمه للمستمع. أنتجت الإذاعة في السنوات الأخيرة مجموعة رائعة من البرامج التي تُسلط الضوء على كبار الزمن الأصيل، وسيدات الغناء العربي، والمقامات الغنائية والأصوات العربيّة والعالمية، وموسيقى الشعوب، والموسيقى الفولكلورية، وقصص الفنّانين، ولقاءات مع كبار العصر، والمسلسلات التمثيليّة وغيرها. والأهم أننا حفظنا سيرة بعض العمالقة بأصواتهم لنكمل ما بدأت به الإذاعة في الخمسينات. هذه البرامج هي كنوز أضفناها إلى مكتبتنا وبإمكان أيّ كان الإستمتاع بسماعها متى يشاء على موقع الإذاعة. كما نتعاون مع برنامج زكي ناصيف في الجامعة الأميركية، وكورال الفيحاء والمعهد الوطني اللبناني، لتقديم كل جميل للمستمع الذي اعتاد على المستوى الفنّي الراقي في إذاعة لبنان. أما المطربون الشباب الذين يقدّمون إنتاجاً فنّياً جيداً فلَهم مساحة واسعة بكل تأكيد في برامجنا الفنيّة والشبابية.
*ما هي الصعوبات التي واجهتك في تحديث شبكة البرامج في ظل سطوة وسائل التواصل الإجتماعي التي يستخدمها الجميع كمنابر إعلامية؟
– لتحديث شبكة البرامج في الإذاعة، لم تواجهني أي صعوبات، لأنّ الطاقات متوفّرة وكذلك الأفكار الجديدة، ووسائل التواصل الإجتماعي لا تؤثّر سلباً على الإذاعة بل تساعدها على الإنتشار أكثر. نعرف مدى أهمية عنصر الشباب في عالم شبكات التواصل فطرقنا باب الجامعات لدعوة الطلاب للإنضمام إلى الإذاعة وهكذا كان، فحضروا وبثّوا من روحهم التي تضجّ بالشباب والحيوية، وشاركوا في تحديث برامجنا وأصبحنا نطل عبر الهواء وعبر منصات التواصل الإجتماعي. كما شرّعت الإذاعة استديوهاتها لكل فكر جديد وفكرة جديدة وأصبح لدينا مروحة واسعة من البرامج والمواضيع التي تتوجّه للجميع، وتستفيد من كافة منصّات التواصل، لتصل أكثر وأكثر إلى المستمع.
*لو أُتيحت لك فرصة تقديم برنامج تلفزيوني أي محطة تختارين وماذا يكون مضمونه؟
– كانت لي بعض الإطلالات التلفزيونيّة منذ بداياتي في عالم الإعلام، وكان آخرها منذ شهرين من خلال مشاركتي إلى جانب الفنّانة الرائعة أميمة الخليل في برنامج «آخر الكلام» للصحافي التونسي عماد دبور، وبثّه تلفزيون «الوطنية الأولى» في تونس. وأنا فخورة بهذه البرامج الراقية، حيث استضفنا فيه معاً شخصيّات فنّية من لبنان وتونس ومصر، وحاورناهم، وغنّت لنا أميمة بصوتها العذب وأطربتنا وهناك جزء ثانٍ من البرنامج سنعود الى تصويره بكل حماس قريباً. ولكن أعتبر أن عملي بالأساس هو في الإذاعة، حيث بدأت منذ٣٠ سنة وهو العالم الأحبّ على قلبي، وأنا أشعر عندما أكون في الاستديو كالسمكة التي أعدتها إلى المياه. استديو الاذاعة يفرحني وأعطي فيه كل ما عندي بحبٍ وشغفٍ كبيرين.
*ماذا تقولين عن ريتا نجيم الإعلامية الناجحة، وزوجة عوض الرومي الذي هو أيضاً شقيق الفنانة ماجدة الرومي، ومدير أعمالها؟
– ارتباطي بعائلة الرومي منذ ٣٠ سنة ساهم حتماً بصنع صورتي اليوم. أنا أتيت من عائلة تحبّ العلم والثقافة، إلى عائلة تقدّس الفن الراقي. وأعتقد أنّ هذا المزيج كوّن شخصيتي. تعرّفت على عوض انطلاقاً من برنامج إذاعي كان موضوعه عن والده الموسيقار الراحل حليم الرومي، وغرقت معه في عالم الفن والألحان والأغنية. نحبّ الجميل من الألحان والأغنيات ولا تقبل أذني أيّ عمل مشوِّه للذوق وهذا ما أطبّقه في عملي في إذاعة لبنان التي عُرفَت بأصالتها الفنيّة حيث كبر فيها الكبار، وانطلقوا إلى العالم ونحن اليوم نحمل إرثهم ونحافظ عليه ونظهره للعالم زوجي عوض هو الحَكم لكل عمل أقوم به، إذا نجحت ألقى ثناءً وإذا أخفقت ألقى عتباً أخشاه دائماً ممّا يجعله كالميزان الدقيق في حياتي. وأصلاً الدقة بطبعه فهو يتعامل بدقّة وإتقان لا مثيل لهما في كلّ عمل فني لماجدة.
*مبروك تكريمك من مؤسسة النور التي اختارتك الإعلامية الوحيدة بين مجموعة أدباء وشعراء.
– سعيدة جداً بهذا التكريم الذي خصّتني به مؤسسة النور مع افتتاح فرعٍ لها في لبنان برئاسة الشاعرة أمل ناصر، وهي المؤسسة السويديّة – العربيّة التي تسعى لنشر ثقافة الكلمة والشعر والأدب في كافة بلدان العالم. وما افتتاح هذا الفرع إلاّ تأكيد أن لبنان مستمر بلعب دوره الثقافي على الساحة العربيّة والعالميّة. وخير دليل على ذلك التبادل الإعلامي الذي نقوم به على صعيد الإذاعة مع إذاعات عربيّة وأوروبيّة وعالمية، نتبادل معها البرامج والأغنيات التي دخلت إلى مكتبات الإذاعات في كافة أنحاء العالم في أوروبا وكذلك في كل دول آسيا، ونتشارك في المؤتمرات الإذاعية والثقافيّة. وقد أهديت هذا التكريم للإذاعة الأم ولزملائي الذين يناضلون في الزمن الصعب الذي نمرّ به ويجمعنا شغف مهنتنا ومحبّة إذاعتنا.