الإيجارات في لبنان: it’s complicated
كتبت جويل رياشي في الأنباء الكويتية: الحق في السكن والإقامة في المدن قرب مراكز العمل او التحصيل العلمي، إشكاليات تعود بقوة الى التداول في ظل الأزمة المالية الخانقة وغير المسبوقة التي تمر بها لبنان.
تنقسم مشكلة السكن في لبنان الى قسمين، أولهما الايجارات القديمة المسجلة بعقود خطية تعود الى ما قبل اندلاع الحرب الأهلية في 1975، والثانية تتعلق بما يعرف بـ«الايجارات الجديدة» المحددة عقودها بثلاث سنوات، وهي ذات بدل «عادل» بين المالك والمستأجر، بات يميل الى «المرتفع» حاليا، مع لجوء المالكين الى احتساب العقود بالدولار الاميركي، او بسعر صرف مرتفع للعملة الخضراء.
في العقود القديمة، يعاني المالكون وورثتهم، ذلك ان الدولة اللبنانية تقف على مسافة أقرب منها الى المستأجرين، خشية منها من تفجير ملف اجتماعي لا تحمد عقباه عليها. وازاء هذا الوضع، يشكو السواد الاعظم من المالكين القدامى مطالبين بتحرير عقود الايجارات لاسترداد املاكهم، او تقاضي بديل يؤمن لهم معيشتهم.
يروي فادي ابن الراحل يوسف من اعالي منطقة البترون ان والده عمل نجارا في الكويت في ستينيات القرن الماضي، وجمع مالا اشترى به عقارا في ساحل عمشيت على البحر، وأقام مبنيين وأجر 12 وحدة سكنية سعيا الى تقاعد كريم، كما اشترى لوحة عمومية لتأمين الطبابة لعائلته من خلال الضمان الاجتماعي (..) مات الوالد بداية التسعينيات، واستطيع القول ان المستأجرين يسكنون بالمجان، لا بل اتكلف عليهم مصاريف صيانة المبنى وتأمين الإنارة في الاقسام المشتركة وخدمات النظافة، جميعهن يشكون ضيق الاحوال، وغالبيتهم اورث عقد الايجار الى اولاده، وبينهن سيدة تزوجت ثم عادت الى منزلها الوالدي بعد طلاقها».
لا تختلف حكايات الايجارات القديمة عن بعضها، سوى انه في بعض مناطق العاصمة بيروت، تم تحرير عقود جديدة ارتفع فيها البدل الى المقبول قبل اكتوبر 2019 تاريخ اندلاع احتجاجات غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
في شق العقود الجديدة، يشير عدد من الوسطاء العقاريين الى انخفاض الاسعار عما كانت عليه بالدولار، الا انها ترهق كاهل المستأجرين الساعين الى الاقامة في العاصمة بيروت وتخومها.
في مبنى حداد بالجديدة في المتن الشمالي انخفض سعر ايجار وحدات سكنية مميزة بمساحة 175 مترا الى 400 دولار، بعدما كان يصل الى 900 دولار قبل الازمة.
ويشير الحارس السوري العامل في المبنى الى «تعودنا على حضور شركات نقل المفروشات، اذ لا يعمر السكان طويلا، جراء ارتفاع المصاريف من عقود ايجار وخدمات تأمين التيار الكهربائي والمياه والانترنت».
وفي قلب شارع الحمرا، يتراوح ايجار استديو صغير لشخص واحد بـ 500 دولار، بينها تأمين خدمة الكهرباء سبع ساعات حدا أقصى مع انترنت ومياه. ويستفيد من هذا الوضع حسين العائد من اميركا، والذي يحصل راتبا مقبولا بالدولار.
في حين ان سامي العائد من الخليج والذي حصل على فرصة عمل في منطقة بشارة الخوري قرب وسط بيروت، لم يجد حلا غير الانتقال يوميا من طرابلس بالحافلة، اذ لا يمكنه راتبه من السكن في بيروت. ويعرض لتجربة قصيرة له في الاشرفية قرب فندق «الكسندر» المعروف، «لكني عانيت غياب الكهرباء وارتفاع اسعار خدمة المولد، فقررت العودة الى طرابلس».
في العاصمة ايضا، يعاني الطلاب من أزمة السكن، ومن ارتفاع أكلاف المواصلات. ويتحدثون عن ارتفاع ايجار السرير في غرفة تضم ثلاثة أسرة حدا أدنى. بينما يختلف الامر بالنسبة الى طلاب ميسورين يقصدون جامعات خاصة خارج العاصمة، حيث اسعار غرف السكن للطلاب بالدولار، لكن أقل منها من تلك في العاصمة.
خارج بيروت وعلى تخومها، تتبدل اسعار الايجارات بالعملة المحلية، وتترافق مع أحد اسعار الصرف المعتمدة للعملة الاميركية في بيروت. وقد بدلت نبيهة وهي إحدى المالكات في منطقة جل الديب سعر صرف الدولار من ألفي ليرة الى 20 ألفا، وتطالب حاليا باستيفاء القيمة وفق سعر منصة صيرفة (أكثر من 30 ألفا). وتعتمد كغيرها من المالكين «سياسة» تقاضي بدلات الايجار بالعملة الوطنية لفترة قصيرة الأمد لا تتعدى الثلاثة اشهر. في حين يقبل المالكون تقاضي قيمة العقد كاملا بالعملة الاجنبية.
«هناك هجمة على سوق الإيجارات»، كما يقول الوسيط العقاري هشام، ويعزو السبب الى ارتفاع اسعار الوحدات السكنية ووقف العمل بالقروض المصرفية، واقتصار عملية الشراء على الذين يؤمنون المال من الخارج. ويذكر الوسيط العقاري كما القيمين على البيوت ان بدلات السكن تشمل ايضا احتساب مصاريف الخدمات الاساسية، والتي ترهق كاهل الأسر.