حديث الجمعة – « بأية حال تتركنا يا رمضان
بقلم: رولا الطبش
يغادرنا رمضان هذا العام ولبناننا الحبيب يعيش على وقع أزمة سياسية واقتصادية كارثية انعكست على كل الصعد، ويسير داخل نفق مظلم لم تظهر نهايته ما ادى الى شعور الناس باليأس والاحباط والقلق والخوف من المستقبل.
فلقد حلّ شهر النور والضياء، ونحن غارقون في الظلام ، وها هو يغادرنا الان والناس يكابدون في سبيل تأمين فواتير المولدات بدل انشغالهم في التعبد والتقرب الى الله سبحانه وتعالى.
حل علينا شهر العطاء وها هو يغادرنا وجزء كبير من اللبنانيين تحت خط الفقر يستجدي لقمة من شأنها أن تقي ابناءهم شر الجوع وألمه.
حلّ شهر الصفاء وها هو يغادرنا وقلوب الكثيرين مملوءة بالألم والوجع ، وتئن من شدة الحاجة والعوز.
مؤسف ما آلت اليه الامور في بلدنا ، لقد باتت ايامنا مقيتة ، بعدما استوطن الفقر حياتنا واحدث ندوباً عميقة في يومياتنا وبات رغيف الخبز حلماً عند الكثيرين.
لم يعد للاعياد طعم ولا للفرح مكان وصار الحزن يعشش في زوايا البيوت ،
وباتت الايدي مرفوعة تتضرع الى الله عزّ وجل ان يزيل الغمامة السوداء التي تظللنا منذ سنوات، وتعيد الينا بعضاً من الوان الحياة.
ويكفي ان يمر احدنا في شوارع بيروتنا الحبيبة ليرى عتمة الليالي وسكون الاحياء وغياب زينة الشهر التي كانت تنير ليالينا وتؤنس سهراتنا.
حواسنا باتت في حكم المتوقفة، لا الوان ولا اضواء ، لا رائحة بخور ولا اصوات بائعي الجلاب والسوس والتمر هندي، كلها خفتت لا بل صارت في حكم الغائبة بعدما بات كل شيء تحت امرة الفريش دولار، وبالتأكيد فإن صيدا وطرابلس وغيرها من المدن والبلدات ليست افضل حالاً من أم الدنيا
وحده مدفع رمضان بقي صامدا يُطلق طلقاته ايذاناً بحلول الشهر.
اما اطباق الحلوى التي كانت تزيّن الموائد الرمضانية فأصبحت محصورة ببعض الميسورين وغابت من بيوت الفقراء الذين باتوا يفطرون على ما تيسّر ويحمدون الله على نعمه.
2/3
لقد اتى سيد الشهور، شهر القرآن الكريم ، شهرنا الاجمل والاكرم عاد حاملاً الرحمة والمغفرة، لكننا لسنا في افضل حال.
كم اشتقنا الى ايام العز حين كان حلول الشهر يبدأ كأنه عرس وينتهي كأنه وداع عزيز.
لكن ، ورغم كل شيء سيبقى رمضان ، شهر الله ، شهر نغلق فيه مدن الحقد ونقفل نوافذ الكراهية ونطرق فيه ابواب الرحمة ونزرع مساحات الود بين الناس ، ونفتح قلوبنا بمفاتيح التسامح ونسافر في اعماق الايمان.
هذا هو شهرنا الاكرم ، شهر كبرنا على انتظاره ، تنتعش فيه قلوبنا بالايمان و تسير في هدي تعاليم الاسلام السمح الذى ارسى دعائمه قرآننا الكريم والسنة النبوية.
ولأن رمضان شهر الخير والبركة فان واجب كل مسلم أن يتمسك في هذا الشهر الفضيل بروحية العطاء ويوظف كل قدراته المالية للانفاق على المحتاجين ، فالصدقة عبادة ، والتواصل والتكافل رحمة وما علينا الا احياء بذور العطاء التي غرسها اهلنا واجدادنا في قلوبنا ، وسقوها بالمحبة فنمت وكبرت وما زلنا نعمل على تعزيزها في نفوس ابنائنا.
ما أحوجنا في هذه الأيام الصعبة إلى زيادة العطاء ورفع منسوب الاحسان ، فكم من محتاج يصارع الفقروالجوع والحرمان وينتظر يدا تمسح دمعته، وتسدُ رمقه بما تجود عليه من نِعَم الله في هذا الشهر الكريم.
وهل هناك اجمل من بسمة نرسمها على وجه طفل بائس او ان نتشارك اللقمة مع يتيم ؟
هل هناك اجمل من ان يعطي الانسان من قلبه فيخط بحبر ايمانه سطوراً مشرقة في صحيفته؟
فعند الله لن يضيع شيء لذلك علينا ان نستثمر في مشروع علاقتنا مع الضعفاء والمحتاجين ونعطهم مما أعطانا الله وهذا الاستثمار سيعود علينا بالنفع، فالله مع العبد ما دام العبد في عون أخيه.
لقد مرّ على وطننا الكثير من المآسي والحروب ورغم ذلك استطعنا كمسلمين في لبنان ان نحافظ على الموروثات في التعبير عن البهجة في استقبال الشهر الفضيل ، وهذه العادات التي توارثتها الاجيال تُعدّ من اجمل العادات التي تتمازج فيها التعاليم الدينية والعادات الاجتماعية لترسم صورة مجتمع مؤمن بالله وبالدين وبالاسرة التي هي اساس كل مجتمع.
ومن هنا تقع على عاتقنا مسؤولية حماية تقاليدنا وعاداتنا والتمسك بها واعطائها حيزا كبيرا في مسيرة تربية ابنائنا ، وعدم السماح لأي تحول ناتج عن التطور الذي تشهده المجتمعات بالتسلل الى عاداتنا تحت اي مسمى ، فهذه العادات تزخرف ايامنا الرمضانية وعلينا التمسك بها لتتوارثها الاجيال وتمنع اندثارها.
دعونا نحمل فوانيس الفرح ونردد تواشيح السعادة بقدوم عيد الفطر دون ان ننتظر فانوساً سحرياً يُسعدنا.
ولنزين ايامنا بألوان الفرح فنخفي الاسود الكئيب، ولنعيد الحياة لسيبانة(استبانة)رمضان فنلتقي الاهل والاصحاب للترحيب بزائرنا الكريم، ولننتظر المسحراتي وموسيقى طبلته بعد ان اخفتها ساعة الهاتف الذكي، ولنلتقي في احياء ليلة القدر علّها تمرّ على وطننا فتمسح عن وجهه الحزن والألم، ولنتواعد صبيحة العيد في حرش بيروت نفرح ونغني ونردد اغنيات لطالما رددناها ونحن صغار ولنكمل فرحة عيدنا بلقاء الاهل والاحبة وتقاسم اللقمة المباركة معهم.
ولنترك هواتفنا الذكية جانباً ولنعد الى اهلنا ونمضي وقتاً معهم والى جانبهم ،ونفرح بوجودهم الى جانبنا ونسرق لحظات السرور ونعيش كما في الماضي عيداً ممزوجاً بالحب والفرح.
بسيطة هي عاداتنا لكنها عميقة عمق معاني الشهر الفضيل، فلنعمل على الحفاظ عليها ، وقبل كل شيء فليكن ايماننا بالله، وبأن الآتي سيكون أجمل ولننبذ التفكير السلبي ولنعتصم بحبل الله فهو وحده عزّ وجل قادر على تغيير الحال الى الافضل.
في شهر الرحمة والمغفرة ، شهر الخيرات والجود والتضامن والتواصل ندعو الله سبحانه وتعالى بأن يحل علينا العيد ووطننا واسرنا وجميع المسلمين بألف خيروكلنا رجاء بأن يتعافى لبنان من اّلامه ويحل علينا الامن والامان والطمأنينة والسلام ، ذاكرين قوله تعالى : « فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا « ( سورة الشرح ).