شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – عاشق الحياة
رحل، أمس، ألبير فريحة لتُطوى معه آخر صفحة من كتاب زمن الصحافة اللبناني الجميل، فقد كان آخر كبار روّاد ذلك الرعيل الذي رعى الصحافة بالدأب والسهر والعناية الى حدّ التعبد في محرابها، مديراً مالياً مستداماً في «الشرق» العريقة التي سلخ فيها نحو ثلاثة أرباع القرن من عمره المديد.
عرفت الأخ والصديق ورفيق الدرب والعمر منذ نصف قرن فكان نعم الصديق والزميل وبمثابة الأب للزملاء جميعاً، لاسيما للعزيزين عوني ومعين الكعكي اللذَين كانا في رَيعان الشباب يوم انتقل والدهما الصحافي البارز خيري الكعكي الذي اختطفه الموت باكراً الى رضوان ربه، فاحتضنهما بالحنان والمودة وصواب المشورة والحرص الأكيد على الجريدة ومصلحتها، قدْرَ ما كان نعم الأخ لوالدتهما المرحومة السيدة جانيت الصحافية الماهدة والأم التي تحملت مسؤولية كبرى ينوء تحتها كاهل الرجال.
أنعم الله على الراحل الكبير وزوجته الفاضلة السيدة ماري، أمد الله في عمرها، بأربع بنات (السيدات ندى ودلال وأمل ونجلا) أحطنه بالحب والحنان والرعاية الاستثنائية ما أصبحن معه «مضرب مثل» في البرّ بالوالدين، وقد ازدانت كل منهن بمكارم الأخلاق ما يفوق جواهر الدنيا التي لم تنقصهن إن في المنزل الوالدي أو في العيلة الصالحة التي بنتها كلٌّ منهن في حياتها الزوجية. وهو كان يحبهن الى حد التقديس ويفاخر بهنّ الدنيا.
كان البير صياداً ماهراً ليس فقط في اصطياد الطريدة إنما أيضاً في ما يضفيه من متعة الرفقة وحلاوة اللسان وطرافة الكلام وإضفاء جمال الجو والبهجة على رفاق رحلة الصيد…
لم يزح ألبير فريحة من درب صديقٍ ملهوف فكان يبادر الى تخفيف لهفته وتبريد قلبه، ولم يتخلف عن القيام بواجب حتى بعدما تقدم به العمر.
كان يُقبل على الحياة بشغف، ولعل حبه الحياةَ كان من عوامل امتداد عمره، ولم تسمح كريماته لهذا العمر أن يغدر به إذ إنهن وفّرن له عناية طبية غير مسبوقة… وأشهد أنني منذ عرفته، طوال زمن الزمالة والرفقة، وخصوصاً عندما دخل مرحلة أرذل العمر، بقي شغفه بالحياة أحد أبرز عناوينه الأثيرة.
ولقد يطول الكلام على هذا الراحل الكبير وقد كان يتألم لحال لبنان المزرية فرحل وفي القلب غصة أنه لم يشهد قيامة الوطن الذي أحبه ملء الضلوع.
أحر العزاء الى أرملته الفاضلة و «الصبايا» الأربع كما كنت أسمّيهنّ في حديثي معه، وعيالهن، وابن أخيه جورج الصديق أمين فريحة… وعزاء خاص الى الزميلين الكبيرين العزيزَين النقيب الأستاذ عوني الكعكي وشقيقه الأستاذ معين وأسرة «الشرق»، والاسرة الإعلامية عموماً.
أما أنت يا ألبير الغالي فإلى دنيا الحق والخلود عند رحمة رب العالمين.