ندوة وتوقيع كتاب للدكتورة مريم إسحق تحت عنوان ” “التحايل على القانون في المواريث – دراسة مقارنة بين الأحكام الشرعية والقواعد المدنية”
برعاية نقيبة المحامين في طرابلس ماري تراز القوال، نظمت نقابة المحامين في طرابلس ندوة بعنوان ” التحايل على القانون في المواريث” تخللها توقيع كتاب للدكتورة مريم إسحق تحت عنوان ” “التحايل على القانون في المواريث – دراسة مقارنة بين الأحكام الشرعية والقواعد المدنية”، وذلك بحضور: مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المطران افرام كرياكوس ممثلاً بالأستاذ نبيل قطرة، سماحة مفتي راشيا والبقاع الغربي الشيخ الدكتور وفيق حجازي، رئيس المحكمة الأرثوذكسية الاب إبراهيم شاهين، رئيس المحكمة الشرعية السنية في طرابلس القاضي الدكتور وسام سمروط، عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية الدكتور محمد قاسم، أعضاء من الهيئة الإدارية لمركز التدرّج والتدريب في النقابة، عدد من أساتذة الجامعات والقضاة والمحامين ومحامين متدرجين وحقوقيين.
البداية بكلمةٍ ترحيبية للأستاذ رشاد بارودي جاء فيها :” لا جدال على ان الهدف الأسمى من التشريعات والقوانين سواء السماوية المقدسة منها او الوضعية، هو احقاق الحق وإرساء العدالة وان يكون الجميع تحت سقف القانون دون تمييز عملاً بالمبدأ الدستوري القاضي بوجوب المساواة امام القانون، ومع ذلك قد يعمد البعض الى الإلتفاف حول القانون باستخدام الحيل وصولاً لمنفعة هنا أو اضراراً بالغير هناك، الأمر الذي يترتب عليه استغلال القوانين بصورة غير مشروعة، لذا كان لزاماً على المشرعين والعاملين بالقانون ان يتصدوا لمحاولات الغش والتحايل عليه…
من هنا لقائنا اليوم في هذا الصرح القانوني المهيب، في هذه الندوة العلمية القانونية الراقية في حضور ثلة نتشرف بها من قضاة وفقهاء وأساتذة قانون ومحامين، لمناقشة كتاب الدكتورة الصديقة مريم عبد الله اسحق الذي تعمقت فيه في بحث موضوع التحايل على القانون بشكل تخصصي في مسائل وقوعد الميراث حيث قلما نجد من باحثين في هذا المجال، وهي قد استفاضت في شرح الإرتباط بين المفهوم الشرعي والقانوني للنظام الإرثي في لبنان وفي مناقشة الخصائص التي مييزت هذا النظام، كما واجادت في تحليل الارتباط بين المسائل الإرثية والحقوق المالية الخاصة للأفراد والذي يقودنا لفهم التصرفات التي يقوم بها العديد من الأشخاص والتي تستهدف التحايل على القواعد القانونية والشرعية الملزمة الناظمة للأرث”.
ثم ألقت النقيبة القوال كلمةً جاء فيها :” أهلًا وسهلًا بكم في دار نقابة المحامين، الساهرة على حسن تطبيق القانون، لحضور ندوة حول كتابٍ عن التحايل على القانون، إنها مفارقةٌ غريبةٌ في الظاهر، لكنها في عمق المعرفة الحقوقية أمرٌ طبيعيٌّ جدًّا، ذلك أن التحايل على أحكام القانون منظومة معروفةٌ في الشرع وفي التشريع الوضعي على السواء، وكثيرًا ما يجري استعمالها هنا أو هناك في أحوالٍ معينة تتعلق بالأشخاص حينًا أو بالظروف الموضوعية أحيانًا.
وتابعت:” إذا كانت نظرية الصورية في القانون الوضعي تستوعب الكثير من أبعاد التحايل، وخصوصًا في مادة المواريث، فإن الفقه الإسلاميّ عرف هذه المنظومة قبلًا، وسماها “الحيل الفقهية”، ومن بعض تعريفاتها فيه أنها “الطرق الخفية التي يُلجأُ إليها للوصولِ إلى غرضٍ ممنوعٍ فقهًا”، وعدّ الفقه من هذه الحيل أنواعًا، ووضع لها أحكامًا وضوابط، وسماها بعض العلماء مخارج، وفرقوا بينها وبين السعي إلى عملٍ مأذون بصورةٍ غير صورته، ورأَوا أن هذا ليس تحيُّلًا، بل هو تدبيرٌ أو حرصٌ أو ورع”.
وأضافت:” أنا بالطبع لن أخوض في مضمون الكتاب، لأنه من الثراء بمكانٍ يجعل الحديث فيه قبل استكمال قراءته ودرسه، نوعًا من أنواع المغامرةِ، أو في أحسن الظنّ ضربًا من ضروب المجاملة للكاتبة الدكتورة مريم. لكن على الرغم من ذلك، لا يفوتني أن أتوجَّه إليها بالتهنئة على مغارتها المباركة، وجهودها القيّمة في إنشاء هذا الكتاب على قواعد البحث العلمي الحديث، وأهمها المقارنة بين الفقه والقانون الوضعي في مباحث الكتاب، ولي إليها رجاءٌ، أن تقبل بمحبةٍ ملاحظةً محبةً عرضت لي منذ الصفحة الأولى، بل الفقرة الأولى من المقدمة حيث قالت: إن الأديان السماوية “ساهمت في وضعِ إطارٍ شرعيٍّ متكامل لكافة القضايا والأمور التي ترتبط بالحياة الفردية، منذ الولادة وحتى الوفاة”، فلي على هذا الموقف التقريري ملاحظةٌ بوجهين، أولهما أن المسيحية، وهي من الأديان السماوية حتمًا، لا تحتوي على أي إطار شرعي لقضايا الحياة الفردية، وهذا له أسباب كثيرة ليس ما هنا موضع الحديث فيها، وأما الوجه الثاني من الملاحظة، فهو أن الأديان لا ترعى حياة الفرد منذ الولادة حتى الوفاة فقط، بل إلى ما بعد الوفاة حتى القيامة في اليوم الأخير والوقوف ما بين الثواب والعقاب.”
وختمت:” على كلّ حال، أحسب أنّ ما كتبته الدكتورة مريم في هذا الخصوص هو من باب التحايل اللغوي، لدفعنا إلى قراءة الكتاب بحماسة وشغف، فأهلًا وسهلًا بكم في نقابة المحامين التي تُشَرِّعُ أبوابَها على الدوام لكل نقاشٍ فكريٍّ وبحثٍ قانونيٍّ جليل ككتاب الدكتورة مريم”.
ثم ألقى العميد الدكتور محمد قاسم كلمةَ أشاد فيها بكتاب الدكتورة خاصةً لجهة تناوله موضوعاً يجمع بين الأهمية النظرية والعملية في آن.
كما سلّط العميد الضوء على مفهوم الأحوال الشخصية ذاته مبيناً نسبية هذا المصطلح وإختلافه من دولةٍ الى أخرى، بل وإختلافه على مستوى الطوائف في لبنان داعياً الى حذو لبنان حذو المشّرع المصري من ناحية إلغاء القضاء الطائفي وجعل صلاحية النظر بمسائل الأحوال الشخصية للمحاكم العادية مع الحدّ من ما يُعتبر من مسائل الأحوال الشخصية.
هذا وعبّر العميد قاسم عن خصوصية الوضع في لبنان مقارنةَ بالوضع في مصر، مما يجعل ما يُنادي به العميد دقيقاً في القانون اللبناني .
ثم ألقى سماحة المفتي الشيخ الدكتور وفيق محمد حجازي بعدها كلمةً جاء فيها :” اجتماعنا ولإن كان يتمحور حول التحايل على القانون في المواريث، لكنه لا يتحايل في القانون، بل هو القانون عينه، الا أنه لا يخفى على حضراتكم ان الاسلام في تشريعاته لم يعمل على ربط الأحكام بظواهرها فقط، وإنما اعتبر للمقاصد أساساً في التصرفات كما في التقربات، والتي من خلالها رغم ان الاحكام تُبنى على الظاهر، الا ان القصد والنية والباعث قد يجعل للمسألة حكماً شرعياً على خلاف مؤهلها في ذلك، وعليه فإن كل عمل وتصرّف يُقصد به ابطال او تحويل حكم الى آخر في مخالفة للمقاصد والبواعث هو هدم ومردود، وكل حيلة للتوّصل الى محرّمٍ، لا تغير الحكم وان تبدل الاسم، فالاسلام يربط الاحكام بمآلات الأفعال، ويجعل امر الجزاء ليس عند انتهاء الحكم، بل عند حكم من ليس فوق حكمه حكما وهو احكم الحاكمين الله رب العالمين، وهذا هو الفرق بين القانون المدني وقانون السماء، فقانون السماء، وان كان التحايل غالباً يُذم، الا أنه لا يحمد بإطلاق كما لا يُذّم بإطلاق، وإن غُلّب عرفاً إطلاق التحايل على الطرف المذموم والطرق الموصلة للأمر بنوعٍ من الذكاء والفطنة، لكنه قد يكون ضمن أحكام التوصيف الشرعي التكليفي، فقط يكون واجباً كما قد يكون حراماً، وعليه لا يُنظر بمنظار التحايل نظرةً واحدة، وانما لكلّ مسألة حكم، فمباركٌ لادكتورة مريم كتابها متمنين لها التوفيق في مسيرتها المهنية، والشكر لنقابة المحامين على هذه الندوة العلمية المميزة”.
ثم كان لرئيس المحكمة الشرعية السنية في طرابلس القاضي الدكتور وسام سمروط كلمةً أشاد فيها بهذا المرجع المميز الذي جمعت فيه الدكتورة مريم بين الشهادة وبين المهنية، قائلا :” نحن اليوم في عصر القانون المدني وزمن التحصيلات العلمية وفي عصر التخصص والتخصص الدقيق، فلم يعد بإمكاننا الاعتماد على التجارب والخبرات، ولكن لا بد من التفرقة بين الحكم الشرعي والفقهي، ولتطبيق اي نصّ لا بُدّ أن نفهمه جيداً، وهنا علينا ان لا نطبق ظاهر النص بل ظاهر المعنى، فنحن هنا بين نقطة فارقة بين الذي يفهم النص وبين الذي يُطبق مفهومه”.
ثم ألقت مؤلفة الكتاب الدكتورة مريم عبد الله اسحق كلمةً جاء فيها :” يشرّفني اليوم أن أكون بينكم، وعلى منبرٍ لطالما كان منارةً لقيم العدالة والحرية وسيادة القانون، إنّنا اليوم نعيش قسراً مع حجمٍ هائلٍ من الإشكاليات القانونية والاجتماعية والسياسية، والمسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتقنا كقانونيين للمشاركة في حل هذه الإشكاليات انطلاقاً من معاييِ العدالة والحرية وتحت سيادة القانون.
وتابعت:” إن التحايل على القانونِ ليس بالأمر الجديد، فقد وُجد بوجود القانون ذاته، ولكن حالياً ليس وجوده بحد ذاته هو الإشكالية، إنما تطوره وتعدد أشكاله، وقد حاولتُ في هذا الكتاب أن أسلط الضوء على مجموعة من المسائلِ التي يتم من خلالها التحايل على التشريعِ الدينيِ والقانونِ الوضعيِ الناظمِ للميراث، وأن أبيّن الوسائل التي يلجأ إليها بعض الأشخاص في التحايل على الشرع الإلهيِّ والقانون الوضعيِّ، لأجلِ الاستئثار بالميراث، أو لأجل حرمان أحد الورثة من هذا الميراث، فحلُ الإشكالية يبدأُ بتوضيحها، وقد وضّحتُ كيفَ يتمُ سترُ الهبةِ بعقدِ معاوضةٍ، لكن وظيفتنا اليوم كقانونيين لا يجب أن تقتصر على عرض الإشكاليات وحسب، بل لا بد من أن نضع منهجيةً قانونيةً للحل”.
وختمت : قد يفهمُ البعض أنّ تمسكنا بتطبيق الشرع الإلهيِ إنّما من قبيلِ التعصب، ورفضاً للمدنية، وقد يفهم البعض أنّ رفضنا التعدي على شرع الله هو تقييدٌ لحقوق الإنسان، ولكنَّ جلّ مشاكلنا المجتمعية هي نتاجٌ للابتعاد عن شرع الله، وهنا يستحضرني قولهُ تعالى في القرآنِ الكريمِ: ” إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم.” وقول الكتاب المقدّس في العهد القديم:” قد هلك شعبي من عدمِ المعرفة، لأنّك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتّى لا تكهن لي. ولأنّك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضاً بنِيك”، أتقدّم لكم بجزيل الشكِ، وأتمنّى أن يكون هذا الكتاب بوابة لآفاقٍ بحثيةٍ جديدةٍ، من شأنها أن تضع منهجياتٍ قانونية لحل مثل هذه الإشكالية وغيرها من الإشكاليات المرتبطة بها.
ثم ألقى عضو الهيئة الإدراية لمركز التدرج والتدريب في النقابة الدكتور جورج الأحمر كلمةّ جاء نوّه فيها بمحتوى الكتاب ومقدمته المميزة وموضوعه الذي يجمع ويزاوج ما بين الاحوال الشخصية والقانون المدني، بين الشريعة الاسلامية والقانون المدني وعندما اقول القانون المدني، فالمقصود أم القوانين..”
لتُختتم الندوة بتوقيع الكتاب الأول للدكتورة مريم إسحق تحت عنوان “التحايل على القانون في المواريث – دراسة مقارنة بين الأحكام الشرعية والقواعد المدنية”.