«فورين بوليسي»: آلاف الشباب الروس يمجدون الحرب والموت وبوتين
نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالًا يلقي الضوء على تأثير الحرب في أوكرانيا على توجهات الشباب الروسي ونمط عيشه، في ظل دعاية إعلامية تبث الكراهية وتنشر الأخبار المغلوطة ونظريات المؤامرة.
ويقول المؤرخ والمترجم لدعاية الحرب الروسية إيان غارنر إن الحرب دفعت مئات الآلاف من الشباب الروس للانضمام لعشرات المجموعات الإلكترونية التي تديرها الحكومة وتروج لها تحت شعارات وأسماء مثل «أوكرانيا الحقيقية، مكافحة الإرهاب، الربيع الروسي» وغيرها من المجموعات التي يتعطش أولئك الشباب لمتابعتها وإعادة نشر ما تورده من أخبار عن الصراع في أوكرانيا.
ولفهم التحول الذي أحدثته ظروف الحرب في حياة مئات الآلاف من الشباب الروس، يشرح الكاتب كيف غيّر الصراع توجهات ونمط حياة فتاة في سن 19 تدعى ألينا، تعيش في مدينة نيجني تاجيل الصناعية التي تعاني مشاكل اقتصادية.
فبعد أن كانت ألينا تقضي وقتها بعد الدراسة في ارتياد الحانات ودور السينما المحلية مع أصدقائها لمشاهدة أحدث الأفلام التي تنتجها هوليود، انضمت لعشرات المجموعات الإلكترونية الروسية المتعلقة بالحرب وأصبحت مدونة نشطة تعيد نشر ما يتداول في تلك المجموعات التي تغذيها نظريات المؤامرة، ويكشف فيها عما يقال إنه حقائق جديدة حول فساد مزعوم بالأوساط الأوكرانية، وعن التهديد المستمر الذي تتعرض له روسيا من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وقبل الحرب كان المحتوى الذي تنشره ألينا في صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي الروسي «في كاي» (VK) -النسخة الروسية من موقع فيسبوك الاجتماعي- يعكس الحياة العادية للمراهقين في سنها، فهي تنشر مثلا صوراً لها على الشاطئ خلال رحلة سياحية بمصر، ومقاطع فيديو حول العناية بالأظافر، وآخر صيحات الموضة والأفلام.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت صفحة ألينا تعكس عالماً آخر بعيداً عن حياة الاستهلاك والرفاهية التي كانت تطبعها. فهي تعج بصور ومنشورات منها ما يصور البيت الأبيض بواشنطن وهو يحترق، وكهنة أرثوذكس يباركون القوات الروسية بجبهات القتال، وأخرى للرئيس فلاديمير بوتين على أنه البطل «المنقذ».
وتحمل صفحة ألينا الكثير من الإساءة وخطاب الكراهية والتحريض ضد الأوكرانيين «لتطهير روسيا منهم» وتصفهم بأنهم فاشيون وكلاب مسعورة. أما بوتين فهو بالنسبة لها «هدية من الله».
ويوضح الكاتب أن تدوينات ألينا ليست مجرد ترديد لدعاية حكومة بلادها ومجموعات وسائل التواصل التي انضمت إليها، بل تعكس كونها قد تعلمت لغة العنف «الفاشية الروسية».
ويقول إن ألينا ليست وحدها، حيث يدلي آلاف الروس اليوم بدلوهم في نشر خطاب الكراهية والتعطش للحرب على شبكة الإنترنت الروسية «رونيت» التي لها شبكاتها الاجتماعية الخاصة بها، إضافة إلى عدد من محركات البحث ومواقع التدوين ومجموعة واسعة من التطبيقات.
وبينما يسيطر ما يتم تداوله من أخبار الحرب على اهتمام الشعب الروسي، يقول الكاتب إن مستخدمي الإنترنت الشباب يتباهون باستعراض غضبهم، ويدفع خطابهم التحريضي بعضهم إلى كراهية مجنونة للأوكرانيين الذين يرون أنهم أقل قيمة من البشر.
كما يرددون بمنشوراتهم أحدث روايات الحكومة الروسية عن شرور الغرب، ويشيدون ببوتين الذي قاد روسيا إلى غزو أوكرانيا لتدمير التهديد الفاشي «بدعم من الله» وتحتفي تلك التدوينات بالجنود الروس القتلى وتعدهم شهداء قديسين.
ويقول الكاتب إن تعصب الشباب اليافعين في روسيا ظاهرة جديدة بعصر ما بعد الاتحاد السوفياتي، وهم صادقون في ما يبدونه علناً من مشاعر قومية يعبرون عنها بلغة عدوانية، وفي ما يظهرونه من دعم للحرب على أوكرانيا، فهم يرون أن بلادهم تستحق أن تكون أمة عظيمة لكنها محاطة بالتهديدات.
ويرى الكاتب أن جيل ألينا، ومن هم أصغر منها سنا، ربما سينشأون في حقبة تعيش فيها روسيا في عزلة تامة عن الغرب، مدفوعة بهاجس نهاية العالم، والتدين المسيحي، والأهداف الروحية التي ستتحقق من خلال الهيمنة على المنطقة. ويشير إلى بعض شعارات الحقبة السوفياتية التي عادت لتتردد على ألسنة الشباب مع اندلاع الصراع الحالي، من أبرزها «الحرب من أجل السلام» الذي يعود للحقبة السوفياتية، وقد أحياه شباب روسيا اليوم.
ويخلص المقال إلى أن «هذه هي روسيا التي يريدون الانغماس فيها، هذه هي روسيا الفاشية».