أدوية مزوّرة في الأسواق اللبنانية… واستراتيجية جديدة للمستوردين وأصحاب المستودعات
تسلّم النقيب جوزف غريّب منصبه الجديد على رأس نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان، وسط أوضاع صعبة يواجهها القطاع على غرار غيره من القطاعات الحيوية والأساسيّة والتي انطلقت معاناتها منذ أزمة 2019. فهل من خطوات أو خطّة عمل جديدة ينوي النقيب الجديد تنفيذها ضمن آلية عمل النقابة؟ على هذا السؤال يجيب غريّب، موضحاً أن «لنا كنقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان أهدافا واضحة، نسعى إلى تحقيقها من خلال خطّة عمل فعّالة أعددناها. فهدفنا أوّلا اعادة توافر جميع الأصناف الصيدلانية بأكبر عدد ممكن في الأسواق اللبنانية. كما أننا نعمل على مكافحة ظاهرة الأدوية المزوّرة والمهرّبة، والتي برزت منذ بدء الأزمة، وازدادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة. كذلك، نعمل جاهدين للحفاظ على الأدوية المبتكرة، حيث انها تساهم بإبقاء لبنان مركزًا حيوياً للخدمات الصّحية في المنطقة». أمّا بالنسبة إلى التّحديات الأساسية التي تواجهها الشركات المستوردة راهناً، وكيفية العمل على تخطّيها أو على الأقل التّخفيف من حدّة انعكاساتها على المرضى، فيشير إلى أن «لعلّ التّحدي الأبرز والأكثر أهمية الذي تواجهه الشركات المستوردة للأدوية اليوم، هو إعادة بناء الثقة بينها وبين الشركات المصنّعة في الخارج، كما وبين هؤلاء المصنّعين ولبنان بشكل عام. فمن جرّاء التأخير الكبير الذي حصل في تسديد المستحقات اللبنانية للشركات المصنعة في الخارج، اهتزّت هذه الثقة التي كانت قد بُنيت خلال سنوات طويلة. الجدير ذكره أنّ هذه الديون كانت كبيرة جدا منذ سنتين، الا ان التعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة ومصرف لبنان، أفضى الى دفع جزء مهمّ منها. ولكن تبقى هنالك حتى الآن مستحقات لا تزال غير مدفوعة، وعلينا جميعا المثابرة من اجل تأمين دفعها. ان اعادة الثقة بلبنان تتطلب وقتا وتعاونا بين جميع الأطراف المعنية، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى اعادة هذه الثقة بلبنان لدى الشركات التي نمثلها، من أجل ضمان استمرارية استيراد الأدوية. اضافةً إلى ذلك، تتواجد في السّوق اليوم عدّة أدوية لا زالت مدعومة، وبالأخصّ أدوية الأمراض المستعصية ذات الثمن الباهظ والتي يستحيل على المرضى تحمّل ثمنها. وبالتّالي، ما زال هناك نقص في عدد من هذه الأدوية في الأسواق، وهذا يشكّل تحدّيًا كبيراً آخر. فهذه الأصناف مرتبطة بموازنة آلية الدعم. وعليه، يجب معالجة هذه التّحديات للتمكّن من إعادة تأمين الأدوية وعلاجات المرضى بطريقة عامّة، وتأمين التمويل اللازم لتأمين استمراريتها، خصوصا ان علاجات هذه الأمراض طويلة الأمد». ويشرح غريّب خلفيّات التحسّن الملحوظ في سوق الدواء خلال الآونة الأخيرة، حيث عادت العديد من الأصناف تدريجا الى التوافر في الصيدليات، قائلاً «هناك عدد كبير من الأدوية أصبح متواجدا من جديد في الأسواق اللبنانية. وهذا الأمر مردّه الى عمليّة رفع الدعم المتواصلة التي انطلقت تباعاً على عدد من الأصناف في منتصف 2021. فهنالك اليوم حوالى 4،200 دواء من أصل لائحة تضم 5،000 دواء تمّ رفع الدعم عنها بالكامل، ولم يعد هناك أذونات استيراد مسبقة مفروضة عليها. هذا الواقع سمح بتركيز مبلغ الدعم المتوفر على أدوية الامراض المستعصية وبعض أدوية الأمراض المزمنة، ما سمح بتأمين كمية أكبر من هذه الأدوية. حتى لو أن الوضع لم يعد طبيعيا كما قبل الأزمة، إلا أننا لا يمكن ان ننكر مدى تحسّنه. وقد تمّ رفع الدعم عن معظم هذه الأدوية من بضعة أشهر والبعض الآخر تمّ رفع الدعم عنه منذ حوالى الثلاثة أسابيع، ومن المتوقع أن تصبح هذه الأدوية متواجدة في الأسواق خلال الأشهر المقبلة. رغم ذلك، تبرز اليوم معضلة جديدة هي أنّ تواجد الأدوية لم يحلّ الأزمة بالكامل، حيث انّ المشكلة أضحت في أثمان هذه الأدوية التي ارتفعت بشكل جنوني واصبحت خارج متناول القسم الأكبر من المرضى. وفي السياق، يلفت غريب إلى أن «أسعار الأدوية المستوردة بالعملة الأجنبية لم ترتفع، فهي اما بقيت كما كانت عليه ، او حتى ان بعضها انخفض سعره. المشكلة الحقيقية هي خسارة الليرة اللبنانية قيمتها، وارتفاع الأسعار بالعملة الوطنية، كما وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين بسبب الأزمة. ولكن، هناك تنوّع للأدوية في السّوق، حيث هناك عدد كبير من الأدوية الجينيريك، ما يسمح للمريض بالاختيار حسب قدرته الشرائية. وتجدر الإشارة إلى أنّنا نلاحظ وللأسف عددًا كبيرًا من الأدوية المزوّرة تُباع في الصيدليات، يتمّ إدخالها إلى لبنان عبر معابر غير شرعية. إنّ هذه الأدوية غير مسجّلة وغير خاضعة لمعايير الجودة المحدّدة. وغالبًا ما استطاعت النقابة، بالتعاون مع وزارة الصحة العامة، كشف أدوية مزوّرة تمّ بيعها للمرضى في المستشفيات أو خارجها، أدّت إلى تدهور حالتهم بشكل كبير. وفيما خصّ الأدوية العالية الثمن الّتي لا بديل لديها، كانت النقابة قد اقترحت منذ بداية الأزمة، دعم المريض بدلًا من دعم السلعة أو الدواء. ونحن نحثّ الوزارة وجميع الجهات المعنية على البدء بالخطوات اللازمة لنقل الدعم إلى المريض، في أسرع وقت ممكن». ويرى أن «الخطوات الحكومية الّتي يتمّ اتّخاذها اليوم، تدلّ على أنّ دعم الأدوية مستمرّ، لذلك، يجب معالجة الأمور بطريقة مختلفة وبوعي، لأنّ لبنان اليوم في مرحلة انتقالية. فلا يمكن للدعم أن يبقى ويستمرّ، لا بحجمه ولا بشكله الحالي. لذا، على المسؤولين اعداد خطّة حول الدعم ومدّته، تلحظ رؤيتهم حول مرحلة الانتقال من دعم السلعة إلى دعم المريض، وعليهم إشراك الشركات المستوردة فيها. إضافةً إلى ذلك، هناك خطوة أساسية يجب اتّخاذها للنهوض بالقطاع الصحي، ألا وهي إعادة هيكلة القطاع. ولا يمكن القيام بهذه الخطوة من دون إصلاح على مستوى الجهات الضامنة، فمعظم الأدوية كانت تغطّيها الجهات الضامنة، أكان الضمان الاجتماعي أو تعاونية موظفي الدولة أو القوى الأمنية أو الجيش اللبناني. واليوم، لم تعد هذه الجهات تغطّي الأدوية المكلفة في المستشفيات. وشركات التأمين الخاصّة أصبحت اليوم الجهة الوحيدة الّتي تغطّي تكلفة هذه الأدوية. باختصار، يجب اعداد خطّة انتقالية للدعم مع حدّ أدنى من التّخطيط».