الرئيس ميقاتي لـ”النهار”: قمّة جدّة حوّلت لبنان أولوية… واللجنة السداسية نحو خطّة لعودة النازحين
عاد الرئيس نجيب ميقاتي بعد قمّة جامعة الدول العربية في جدّة ليس كما استهلّ انطلاقته من بيروت، فإذا بالإياب يُضيف إلى الذهاب بعضَ جديدٍ ممّا يُقال في إطار تطوّرات مؤثّرة على مجريات الساحة اللبنانية. ويرتفع منسوب المعنويات الإيجابية في خضمّ المعطيات التي يرويها ميقاتي، الذي بدا كأن رجوعه أتى من رحلة “علاج سياسي” للمنطقة بقيادة جراحية سعوديّة. وتتعاظم ترجيحات رئيس حكومة تصريف الأعمال للانتقال إلى موسم اصطياف لبنانيّ لا يستثني الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وليس مسموحاً بالنسبة إليه أن يغيب لبنان عن أيّ محفل دوليّ أو عربيّ، مع تأكيده على وجوده التاريخي الحاضر دائماً وسط علاقة جيّدة جداً مع الدول الشقيقة. ووفق إضاءاته، فإن جميع الذين حضروا خلال المباحثات واللقاءات الخاصة عبّروا عن اهتمامهم بلبنان. وينطلق ميقاتي في سرد كواليس مناخات القمّة المطلّة على البحر الأحمر من الكلمة التي “ركّزتُ خلالها خصوصاً على موضوع النازحين السوريين، مع الإشارة إلى أن المؤتمر لا يتعلّق بقضية اللاجئين بل يتمحور حول القضايا العربية في كليّتها. نعاني جزءاً من الألم الذي نريد للدول العربية أن تشاركنا في معالجته بعد تأليف اللجنة السداسية للنظر في مسألة عودة النازحين إلى بلادهم مع وضعها في إطار عمل عربي مشترك”.
ويقول ميقاتي في مستهلّ حديثه لـ”النهار” إن “مؤتمر قمّة جدّة حصل وسط هدوء كامل بعد التقارب السعودي الايراني ودعوة سوريا إلى مجلس جامعة الدول العربية وحضورها مؤتمر القمة الذي شكّل خطوة جيدة بين الدول العربية في غياب أيّ توترات خلال الاجتماعات المنعقدة”. ويكشف عن فحوى لقاءاته مع “رئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي في اجتماع خاص استمرّ نصف ساعة، إضافة إلى دردشة طويلة جمعتني بالأمير محمد بن سلمان الذي يقود النهضة الجديدة على مستوى المملكة العربية السعودية. وقد تحدّث أن لبنان سيكون على سلّم الأولويات لناحية الاهتمام السعودي في مرحلة قريبة. وتجدر الاشارة إلى لقاء جمعني بالأمير محمد في كانون الأول الماضي، بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية الصينية، وتظهّر لي حينذاك أن لبنان لم يكن على جدول الأولويات الأساسية في تلك المرحلة، لكنني لاحظت متغيرات بُعَيد قمّة جدّة فحواها تحوّل لبنان إلى أولوية وإتاحة المجال للتحدّث عن تمتين أكبر للعلاقات اللبنانية السعودية نحو الأفضل. ومن جانب آخر، ذكر رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني لبنان في كلمته خلال القمة وردّيت التحية بمثلها مرحّباً بالدعم الذي تخصّه بغداد لبيروت”.
عودة الدفء إلى العلاقة اللبنانية السعودية مسألة يستشعر ميقاتي حرارتها، بعدما “تظهّرت تحوّلات بُعيد الاتفاق الإقليمي على مستوى اليمن والعراق وسوريا، لكنّ المسألة تحتاج وقتاً في لبنان حتى تتبلور تلك المتغيرات، فيما تحتاج بيروت إلى عناية المملكة على أساس علاقة جيّدة تفتح باب الاستثمارات في لبنان. وللسعودية دور كبير جداً لبنانياً، في اعتبارها جزءاً من الدول الخمس المهتمة والمتحرّكة باتجاه القضية اللبنانية والتي لها سياستها الخاصة وطريقتها في التعامل مع الموضوع اللبناني. ونستطلع اليوم مدى مرونتها بهدف تسهيل وصول رئيس للجمهورية من أجل المصلحة اللبنانية”. وبدء نضوج ثمار العمل الهادف إلى عودة النازحين معطى يتلقّفه ميقاتي، من ناحية قوله إن “اللجنة السداسية التي تضم لبنان بهدف مقاربة موضوع اللاجئين في اتصال وتنسيق مع وزراء الخارجية العرب من أجل بلورة عمل عربي مشترك خصوصاً مع الأردن، على أن تكون المقاربة واحدة من أجل عودة النازحين إلى بلادهم في مرحلة قريبة. وسيحصل الاجتماع الأول للجنة السداسية خلال الأسابيع المقبلة في القاهرة بمشاركة لبنان بغية وضع خطة متكاملة في السياق. وليس في الإمكان ربط المسألة بأيام أو أشهر، بل إن مسعى اللجنة السداسية مع سوريا لتسهيل عودة النازحين يرتبط بواقع المدن أولاً. وعلمتُ من الوزراء العرب أن الدولة السورية لا ترفض عودة أيّ مواطن سوري وتسهّل الإجراءات القانونية لعودة النازحين”.
وفي العودة إلى مدرَج المواضيع اللبنانية المحلية، يأمل ميقاتي “في التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بهدف استكمال إقرار خطوات الاصلاح وعودة الإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وقد وقّعت الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي ورقة على مستوى الموظفين وسط شروط واضحة مرتبطة بتوقيع الاتفاق النهائي، ومنها إرسال مشاريع قوانين إلى المجلس النيابي لإقرارها بما يشمل “الكابيتال كونترول” وقانون إعادة هيكلة المصارف والسرية المصرفية والموازنات. وأرسلت الحكومة هذه المشاريع إلى المجلس النيابي الذي يقول إنه لن يناقشها قبل انتخاب رئيس للجمهورية. ولا يغيب عن الصورة أنّ ثمّة معارضة كبيرة غايتها منع تحقيق الحكومة أيّ إنجازات متلاحقة في ظل تمنّع قسم من الوزراء الذين يمثّلون فريقاً سياسياً واحداً عن حضور اجتماعات مجلس الوزراء؛ ولكن السؤال: هم يقاطعون مجلس الوزراء كعقابٍ لمَن؟”.
هل يمكن الاطمئنان إلى استقرار منحى سعر صرف الليرة اللبنانية حالياً؟ يجيب رئيس حكومة تصريف الأعمال أنها بمثابة “موضوع مالي اقتصادي بحت بعدما جرى تعديل الدولار الجمركي استناداً إلى سعر “صيرفة”، وبدأت المسائل تعود إلى استقرارها الطبيعي ما ساهم في تحسين أوضاع الليرة وسط الدفع نقداً بالعملة اللبنانية وسحبها من التداول وتالياً تخفيض كمياتها المتداول بها. وننتظر بداية الصيف حتى يزداد ضخّ العملة الصعبة في الأسواق ما يشكل بداية استقرار السوق”. وفي التعريج على واقع مركز حاكمية مصرف لبنان، يركّز على أنه “من الطبيعي مع خلوّ مركز الحاكمية بحسب قانون النقد والتسليف انتقال الصلاحيات إلى نائب الحاكم الأول، مع إيلاء أهمية لاستمرارية عمل مصرف لبنان والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي”.
ويستغرب ميقاتي ما يسمّيها “الحملة القائلة بعدم تعيين الحكومة محامين للدفاع عن الدولة اللبنانية في المحاكم الفرنسية؛ وردنا إلى مجلس الوزراء من وزير العدل طلب الموافقة على تعيين محامين، وقد طلبنا منه أن يشرح أساس اختيار المحامين خصوصاً في غياب اتباع التسلسل الاداري المطلوب. وقد اعتذر وزير العدل عن عدم الحضور فجرى الطلب من مدير عام العدلية أن يحضر فأعطى وجهة نظره وصدر قرار من مجلس الوزراء طالباً المزيد من المعلومات عن هؤلاء أو أسماء جديدة. ثمّ طلبتُ انعقاد جلسة خاصة لمجلس الوزراء ليحضر وزير العدل ويشرح الموضوع، لكنه رفض الحضور وسط استمرار أزمة مقاطعة بعض الوزراء حضور الجلسات الحكومية”. ويضيف أن “الحكومة تتّجه إلى تعيين محامين للدفاع عن الدولة اللبنانية، لكن لا بدّ من اتباع الأسلوب الإداري بحسب الأصول. أما المزايدات في شأن هذا الموضوع فهي لن تجدي نفعاً ولن تحقق الغاية المطلوبة وهي حفظ حقوق لبنان، خاصة وأن المحكمة الفرنسية لن تبدأ عملها قبل 4 تموز المقبل، وبالتالي لدينا الوقت لعرض ما أرسله وزير العدل إلى مجلس الوزراء للمناقشة واتخاذ القرار المناسب على طاولة مجلس الوزراء. وأكرّر هنا ما قلته لجهة دعوة الوزير لحضور الجلسة ومناقشة ما أرسله”.
ولماذا غياب مساعي الحكومة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان؟ يردّ ميقاتي أنه “في استطاعة الحكومة تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي بأكثرية ثلثي مرسوم تشكيلها وفق مبدأ تسيير أمور الدولة اللبنانية، لكن على ضوء شغور منصب رئيس الجمهورية يتحول الموضوع إلى مسألة حساسة جداً لدى فئة من اللبنانيين. ومن الضروري الاتفاق بهدف تأمين الاستمرارية الصحيحة لمؤسسة مصرف لبنان، لكن لا يمكن اعتبار المسألة سهلة وسط شغور موقع رئاسة الجمهورية. وقد بدأنا التواصل مع نائب الحاكم الأول وسيم منصوري الذي يهيئ نفسه لتولّي صلاحيات مركز الحاكم”.
رئاسيّاً، يكنّ ميقاتي “الاحترام للوزير السابق جهاد أزعور كصديق شخصي لكنني لا أتمنى له أن يكون مرشّح تحدّ. كان يمكن لأزعور أن يشكّل في المستقبل مرشح تسوية لكن مكانه صعب حالياً، لأنه وافق على أن يكون بمثابة مرشح طرف، لسوء الحظ، في وقت تحتّم الواقعية السياسية وصول شخصية مقبولة من الجميع ولا تشكّل مصدر تحدٍّ لأحد. ولا أقرأ أن وصول قائد الجيش كمرشح تسوية سيكون في مرحلة قريبة، وأدعم الرئيس الذي في إمكانه إعادة جمع اللبنانيين وأن يكون على علاقة جيدة مع كلّ الأفرقاء وأن يقوم بوضع استراتيجية دفاعية واضحة ويساهم في عودة النازحين وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. ولا بدّ من رئيس يشكّل قائداً حقيقياً يجمع اللبنانيين لفرض قانون انتخابات عادل في لبنان وتطبيق اللامركزية الإدارية، وأن يتعاون مع رئيس الحكومة وأعضائها لطرح الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة”.
ويتفاءل رئيس تيار “العزم” في صمود حكومته “طالما أنني أستطلع حاجة إلى وجود الدولة، ولا بدّ من الحفاظ على دورها وقيامها. نحاول معالجة موضوع أزمة رواتب القطاع العام وبعض المسائل الأساسية ضماناً لاستمرارية الدولة. ولا أستسيغ دور حكومة تصريف الأعمال، لكن يتوجب عليّ القيام بواجبي وفق ما يقتضيه ضميري ومندرجات الدستور اللبناني. وسأكون داعماً للحكومة المقبلة ورئيس مجلس الوزراء الجديد”. وعن دوره مع النواب السنّة وسط ما يصوّر كحلقة تنسّق مواقفها معه، يلفت إلى أنّه “لا يوجد رابط أو تكتل نيابي بل تنسيق طبيعي في مسائل عامة وانسجام في بعض الأفكار بهدف تحويلها إلى أعمال. لا أقول ذلك لأنني رئيس حكومة بل إنّني سأقوم بالعمل الوطنيّ وأبقى شريكاَ فيه مع كلّ المتعاملين معي. ولا مخاوف من ضعضعة على مستوى الساحة السنية، وعلى عكس ما يقال، فإن المكوّن السني حاضر ويشكّل المعادلة الأساس في أي تركيبة لبنانية على مستوى مجلس الوزراء والمجلس النيابي في ظلّ توازن على مستوى تكتل “الاعتدال الوطني” وما يمكنه القيام به. وليس في إمكان أحد محاولة تحجيم الطائفة السنية التي تشكّل ركناً أساسياً على مستوى الدولة اللبنانية”. ويتمثل المعطى الأهم في استنتاج ميقاتي بضرورة “الاتفاق اللبناني الداخلي فيما جميع الدول مستعدّة للاستثمار في لبنان، لكن يتوجب على المجلس النيابي إنهاء موضوع إعادة هيكلة المصارف وإعادة تشكيل القطاع المصرفي علماً أن القطاع الخاص يقوم بعمل جيّد جداً”.