قمَّة الناتو: ضمانات بضم أوكرانيا من دون جدول زمني
حاول أعضاء حلف شمال الأطلسي أمس تقديم ضمانات لكييف بتأكيدهم أنّ “مستقبل أوكرانيا هو في حلف الاطلسي” لكن بعيداً عن توقعات رئيسها فولوديمير زيلينسكي الذي طالب التحالف بتحديد جدول زمني لانضمام بلاده إليه.
وفي ختام اليوم الأول من اجتماعات قمة الحلف في فيلنيوس، العاصمة الليتوانية الواقعة على بُعد حوالى 35 كلم من الحدود مع بيلاروس حليفة روسيا، دافع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ عن الصياغة “القوية” التي اعتُمدت بعد مداولات شاقة.
وقال في ختام اجتماع استغرق عدة ساعات “سنكون قادرين على توجيه دعوة الى اوكرانيا للانضمام الى الحلف حين يقرر الحلفاء ذلك وحين تتوافر الشروط” حيث فضّل قادة الدول الاعضاء ال31 في الحلف اعتماد صيغة دبلوماسية متّزنة.
وشدد البيان الختامي على أن الحلفاء سيواصلون العمل معا بشكل وثيق للتصدي -لما وصفوها- التهديدات والتحديات التي تشكلها روسيا.
واعتبر البيان أن روسيا تمثل أكبر تهديد مباشر لأمن الحلفاء بالناتو وللسلام في المنطقة الأوروبية الأطلسية، لكنه أكد الاستعداد للإبقاء على قنوات اتصال مع موسكو لخفض المخاطر ومنع التصعيد وزيادة الشفافية.
وقال قادة الناتو، في بيانهم، إن الحلف لا يسعى لمواجهة روسيا، وأن الحلف لا يشكل تهديدا لها “لكن سياساتها وأفعالها العدائية لا تجعلها شريكا لنا”.
وفي السياق، أكد القادة أن قوة الحلف النووية الإستراتيجية ولا سيما الأميركية ضمان للأمن، وشددوا على أنه سيضمون مصداقية الردع النووي وفعاليته.
واعتبروا أن أي استخدام للأسلحة النووية ضد الحلف من شأنه تغيير طبيعة النزاع بشكل جذري.
وقبل ساعات من ذلك، وقبيل وصوله الى فيلنيوس، ندّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتردّد الدول الاعضاء في حلف شمال الأطلسي بعد 18 شهراً على بدء الغزو الروسي لبلاده.
وكتب على تويتر “يبدو أنّه ليست هناك أيّ نيّة لمنح أوكرانيا دعوة الى حلف شمال الأطلسي ولا لجعلها عضوا في الحلف”.
وشدّد زيلينسكي على أن “التردد هو ضعف”، معتبرا أن “عدم تحديد أي جدول زمني للدعوة أو لانضمام أوكرانيا الى الحلف هو أمر غير مسبوق وعبثي”.
وحذّر الرئيس الأوكراني من أنّ ذلك “يعني أن ثمة نافذة ما زالت مفتوحة للمساومة على انضمام أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي في مفاوضات مع روسيا”، ما سيشجع موسكو على “مواصلة إرهابها” بحق كييف.
وبعيد انتهاء اليوم الأول من القمة أكّد زيلينسكي في خطاب ألقاه أمام حشد في فيلنيوس أنّ بلاده “ستجعل الحلف أقوى” في حال انضمامها إليه.
ميدانياً، أكّدت موسكو أنّ قواتها نجحت في التقدّم مسافة 1,5 كلم في قسم من الجبهة قرب ليمان في منطقة دونيتسك في شرق اوكرانيا.
وردّاً على سؤال حول خيبة أمل محتملة من كييف، دافع ستولتنبرغ عن النتيجة التي تمّ تحقيقها، مشدّداً على كل الإعلانات التي صدرت في فيلنيوس.
وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أنّ مجموعة السبع (فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان وإيطاليا وكندا) ستصدر بيانا مشتركا اليوم حول “الالتزامات الأمنية” لصالح أوكرانيا.
وحتى قبل صدور البيان الختامي لقمة فيلنيوس، حذّر الكرملين حلف الاطلسي من تداعيات “سلبية جدا” على الامن الاوروبي في حال انضمام اوكرانيا إلى التحالف.
وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف “هي بشكل واضح قمة للحلف لها طابع مناهض لروسيا تم التعبير عنه بقوة”.
وفيما كان صريحا جدا بتقديم مساعدة عسكرية كبيرة لكييف، أبدى الرئيس الأميركي جو بايدن تحفظا أكثر بشأن وعود أوكرانيا بالعضوية في الحلف.
وتحدث الرئيس الأميركي حتى الآن عن اتفاق مماثل لذلك الذي يربط بين الولايات المتحدة وإسرائيل حيث تتلقى الدولة العبرية سنويا مليارات الدولارات من واشنطن كمساعدات عسكرية.
واستفاد العديد من الدول الاعضاء من لقاءات فيلنيوس للقيام باعلانات جديدة لصالح كييف.
وتعهدت برلين بتسليم كييف اسلحة اضافية بقيمة حوالى 700 مليون يورو كما علم من مصادر حكومية ألمانية.
من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تسليم صواريخ بعيدة المدى من نوع “سكالب” الى اوكرانيا. وصاروخ “سكالب” هو النسخة الفرنسية من صاروخ “ستورم شادو” البريطاني، قادر على إصابة أهداف على بُعد 250 كلم، وهو الأبعد مدى بين الصواريخ التي وفّرتها الدول الغربية لأوكرانيا.
واعلن مصدر عسكري فرنسي أن اولى صواريخ سكالب وصلت بالفعل الى اوكرانيا.
وقال المصدر على هامش القمة إن “أولى الصواريخ سلمت في الوقت نفسه الذي كان فيه رئيسنا يعلن ذلك”.
وتأتي هذه الوعود لتضاف الى عشرات مليارات الدولارات من المعدات التي سلمت لاوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي قبل أكثر من 500 يوم.
كما أعلنت أوكرانيا أمس قيام “تحالف” يضمّ 11 دولة لتدريب طياريها على مقاتلات أف-16 التي تطالب كييف بتسلّمها لدعم هجومها المضادّ.
وكتب وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف على تويتر أنّ “تحالفاً لتدريب سلاح الجو الأوكراني على مقاتلات أف-16 تشكّل! اليوم وقّعت 11 دولة شريكة وأوكرانيا مذكّرة”. ويضمّ هذا التحالف بريطانيا وكندا ودولاً أوروبية.
وقمة فيلنيوس هي الأولى التي تشارك فيها فنلندا التي أصبحت في نيسان الدولة ال31 العضو في التحالف العسكري.
وعشية هذا اللقاء تمكّن الحلفاء من الحفاظ على وحدتهم عبر ازالة معارضة تركيا لانضمام السويد الى الاطلسي. فقد انهى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس الأول أشهرا من الجمود بموافقته على إحالة طلب السويد لعضوية الناتو على برلمان بلاده للموافقة عليه.
وعرقلت تركيا طلب السويد للانضمام إلى الحلف الأطلسي متهمة ستوكهولم بإيواء ناشطين أكراد تعتبرهم أنقرة إرهابيين.
وجدد الناتو الترحيب بفنلندا عضوا كاملا في الحلف، وأعرب عن تطلعه إلى الترحيب بالسويد مستقبلا بعد الاتفاق المبرم مع تركيا بهذا الشأن.
ولدى وصوله إلى مقر القمة وصف الرئيس الأميركي جو بايدن انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف باللحظة التاريخية
على صعيد ملفات أخرى قال الحلف إنه سيراقب التطورات في بيلاروسيا عن كثب، ولا سيما النشر المحتمل لشركات عسكرية خاصة.
ودعا بيان القمة إيران إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية، وفقا لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وبالتزاماتها السياسية المتعلقة بعدم الانتشار النووي دون تأخير.
كما عبّر حلف شمال الأطلسي عن بالغ قلقه مما وصفها “الأنشطة الخبيثة” الإيرانية داخل أراضي الدول الأعضاء، ودعا طهران إلى وقف دعمها العسكري لروسيا والذي يشمل توريد طائرات مسيّرة.
وعلى هامش اللقاءات الجانبية خلال القمة تمنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حظا سعيدا لنظيره الأميركي جو بايدن في حملته لإعادة انتخابه في عام 2024. وقال أردوغان لبايدن “الآن، تستعدون للانتخابات المقبلة.. أود أيضا اغتنام هذه الفرصة لأتمنى لكم أفضل الحظوظ”.
وأجاب بايدن ضاحكا “شكرا.. أتطلع للقائك في السنوات الخمس المقبلة”.
والتبادل الودي لأطراف الحديث الذي شهده الصحفيون مَثَّل تحولا في العلاقات التي توترت أحيانا بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي بعد أن تخلى أردوغان عن معارضته لمسعى السويد للانضمام إلى الحلف العسكري ضمن سلسلة خطوات أسعدت الولايات المتحدة وأغضبت روسيا.