الخطيب في الليلة العاشورائية الاولى: لتصحيح الرؤية وعدم الاستغراق في المصالح الضيقة وتطبيق اتفاق الطائف
يحيي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ليالي عاشوراء لهذا العام في مقره برعاية نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب، وقد حضر احياء ليلة امس وزير الزراعة في حكومة تصريف الاعمال عباس الحاج حسن، رئيس المكتب السياسي لحركة “امل” جميل حايك على رأس وفد من الحركة، الوزير السابق عدنان منصور، المدعي العام السابق عوني رمضان وشخصيات تربوية واجتماعية وعلماء دين ومواطنين، وتلا المقرئ احمد المقداد ايات من الذكر الحكيم، وقدم الحفل الدكتور غازي قانصو الذي اكد ان “سيرة الإمام الحسين تجسد رمزية مواجهة الظالمين، والعمل من اجل العدالة الاجتماعية، وقراره بالوقوف في وجه الظلم والاستبداد لم يكن لمصلحته الشخصية، بل كان لأجل رفعة الإسلام والحفاظ على قيمه العالية. وتظل روح الإمام الحسين حية في قلوب المؤمنين وأحرار العالمين، ملهمة إياهم للسعي نحو العدالة والاستقامة والحرية والتحرر والكرامة، فكان يعد شخصية محورية الأكثر تأثيرا في التاريخ الإسلامي ورمزا للشجاعة والإيمان والتضحية. وسيرته وتضحيته تعلمنا ضرورة التمسك بالحق والعمل به، وأن القيم والمبادئ الحقة لا يمكن أن تذل أمام القوة والقهر والطغيان”.
وأضاف: “بالرغم من أن سيرة الإمام الحسين وسيرة الإمام السيد موسى الصدر تختلفان في الزمان والمكان والتحديات التي واجهاها، إلا أنه يمكن تحديد أوجه تشابه كثيرة بينهما. منها: الرفض والمقاومة: قام الإمام الصدر على سيرة جده بمقاومة الظلم والاستبداد، ورفض الاستسلام للقوى الظالمة. وتعرض كل لضغوط وتهديدات بسبب مواقفه السياسية والفكرية وصلت الى كل حدود الافتراء حتى وصلت الى تغييبه. والالتزام الديني: عمل الإمام الصدر بتعاليم الإسلام ومبادئه الأيمانية. يشمل هذا الالتزام الاستعانة بالقرآن وسيرة آل البيت عليهم السلام في توجيه أفعالهما وقراراتهما. والسعي للعدالة والمصالحة في الأمة: سعى الإمام الصدر إلى تحقيق العدالة والمصالحة في المجتمع والامة، وتحسين أوضاع الناس ومكافحة الفساد وتقديم المساعدة للفقراء والمحرومين. نهج الامام الصدر سيرة اجداده بالدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين، وقدموا أنفسهم كشفاعة للفقراء والضعفاء وسعوا لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية.
الخطيب
وألقى العلامة الخطيب كلمة قال فيها: “في بداية شهر محرم تترافق مناسبتان وتتوافقان رأس السنة الهجرية وذكرى شهادة أبي عبدالله الحسين تترافقان من حيث زمان الوقوع وتترافقان من حيث الغايات والاهداف، فمن حيث زمان وقوع الحدثين فقد مثل الاول من محرم بداية كتابة فصل جديد لحركة النبوات تاريخية جديدة ومجيدة بكل أبعادها التاريخية والثقافية والفكرية والاجتماعية تواكب حركة الإنسان وتصوب مسارها واتجاهاتها منذ أن وجد الإنسان في هذه الحياة، إذ لم يحصل منذ فجر الحياة انفصال بينهما بل اقترن وجود الإنسان الاول بالنبوة، فأول موجود من هذا الخلق وهو أبو البشر آدم كان نبيا، وهذا ينسجم مع التفسير الديني للخلق والوجود الإنساني في الحياة وانه وجود هادف ذو طابع رسالي (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) الذي يحصر الوجود بحالة واحدة وهي الله تعالى فهو الخالق والموجد الذي ينفي ارجاعه الى علة اخرى أو سبب آخر، واذا كان الخلق محصورا به فلا يمكن الا ان يكون هادفا، وقد أوضحه بقوله سبحانه: (إني جاعل في الأرض خليفة) الذي يعطي للانسان الدور ويحمله المسؤولية التي تكسبه المعنى الأخلاقي والقيمي فمن دون دور ومسؤولية وهدف سام يسعى لتحقيقه يصبح الوجود الإنساني بلا قيمة ولا معنى وهي قيمة معنوية اخلاقية بالدرجة الاولى، فبمقدار ما يكتسب الانسان من صفات الكرم والتضحية والعدالة ومواجهة والظلم والعدوان والإحسان والرحمة والشفقة والاحترام وحسن الخلق والتسامح وغيرها من المعاني الاخلاقية بمقدار ما يعطي لنفسه معنى وقيمة والعكس صحيح أيضا فيما يكتسبه من صفات الظلم والبخل وسوء الخلق والكذب والغدر والفتن وغيرها من الصفات الذميمة بمقدار ما يحط من قدره وتفسد وجوده، ويتعدى ذلك إلى الآثار التي تترتب على فساده وانحطاطه الأخلاقي وتجعل منه عنصرا مفسدا ينبغي التخلص منه، فالفساد الأخلاقي هو السبب الذي يقف وراء الفساد المادي في حياة المجتمعات”.
أضاف: “إن مهمة النبوات كما ذكرنا هي مواكبة حركة الإنسان في الحياة لتأطيرها ضمن هذا الإطار العقيدي والتربوي الأخلاقي والقيمي والتشريعي التي تضمن لها السير في هذا الاتجاه اذا ما أستجيب لها، فإذا ما انحرفت بالاتجاه المعاكس إعادتها إلى جادة الصواب فلم تعط حركة الإنسان المجتمعية الحرية المطلقة بالاتجاه المعاكس الإفسادي والإنحرافي بل كانت محدودة بحدود الاختبار الالهي للمجتمعات ولا بد للبشرية من إكمال الإمتحان أن تكتمل غايته وانتصار قيم الحق والعدل نهائيا على يد صاحب العصر والزمان، فإذا ما بلغت حركة الإنسان حدودا تتخطى هذه الغاية وتعرضت القيم الاخلاقية لمجتمع ما للخطر بعد قيام النبي بالنصيحة اللازمة وإلقاء الحجة عليهم أتاهم العذاب الذي اتخذ صورا متعددة منها الاهلاك والحروب والقحط والأمراض والطوفان كما حصل مع الامم السابقة او برسالة جديدة بعد ان تكون الرسالة التي سبقتها قد استنفذت أغراضها وادت مهمتها كما حصل مع بعثة الرسول محمد بالإسلام على فترة من الرسل لمعالجة الخلل العقائدي والثقافي ليصحح المفاهيم والقيم الاخلاقية والتشريعات وحاجة البشرية إلى نظام اجتماعي جديد يحقق التوازن والعدالة الاجتماعية”.
وتابع: “(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون). وما تحدثت عنه هذه الآية من مشكلات من شيوع المنكر والظلم والجهل والتخلف التشريعي والاجتماعي لم تنحصر كثقافة في المجتمع الجاهلي وإنما كانت صفة تعم الوضع السائد في العالم وان كان المجتمع الجاهلي يشكل الوجه الاكثر تخلفا وقبحا فهو محاط بإمبراطوريات لكل منها ثقافتها وحضارتها ونظامها يجمع بينها التخلف والظلم والعدوان والنزاعات والحروب، لذلك كانت الحاجة ماسة لرسالة جديدة تعيد للقيم موقعها في حياة الامم وترسي موازين جديدة للانبعاث الحضاري الفكري والعلمي وهذا ما حصل على الرغم من ان البيئة التي نزلت فيها الرسالة لم تستوعبها ولم تأخذ بها كما اراد لها الله سبحانه وتعالى وتغلبت فيها الروح الجاهلية والقبلية ولكن المضمون الحضاري والاجتماعي العام للإسلام كتب له البقاء والاستمرار لسببين ضمنهما رسول الله (ص) حديثه المعروف بحديث الثقلين: «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، الكتاب والعترة وان الاخذ بهما يكفلان عصمة الأمة عن الانحراف فهما متلازمان لا يستغنى بأحدهما دون الآخر، فالغاية المبتغاة لن تتحقق إلا بهما، صحيح ان الكتاب محفوظ ولن تستطيع يد التحريف أن تمسه ولكن التأويل على غير المراد ممكن ثم ان المهم في نهاية المطاف هو تطبيقه وهو ما يحتاج إلى كتاب ناطق يكون ترجمانا له. والذي حصل أن الأمة لم تلتزم الاخذ بهما معا بسبب العقلية القبلية السائدة والتي كانت ما تزال مستحكمة وعبرت عنها في رفضها ان تكون النبوة والامامة في بيت هاشم معا فأبت أن تفهم هذا الأمر الا بخلفية قبلية وهو ما نسمعه من أراء متخلفة تصدر بين الفتنة والفينة في تقييم ما تتبناه مدرسة أهل البيت من كونه امرا إلهيا وموضوعيا وليس عملية وراثية وإنما كفاءة وعلم ومعرفة وقدرة على القيام بهذا الامر وتطبيقه من دون انحراف وان هذه المواصفات لا تجتمع الا في شخصية علي فحالت دون ذلك مما أدى إلى التحول في طبيعة النظام من نظام منسجم مع طبيعة الرسالة وهو ما عبر عنه بالولاية إلى نظام كسروي”.
وأشار الخطيب الى ان “طبيعة النظام الحاكم يعدل في أهميته الرسالة نفسها، عن زرارة، عن الإمام محمد بن علي الباقر أنه قال: “بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية عليهن “. ولذلك كان التركيز في القرآن على الولاية وتحديدها بعلي ابن أبي طالب، قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) غير أن عليا حينما خير بين بقاء الإسلام وبين الولاية اختار بقاء الإسلام بعد أن سجل اعتراضه وقال قولته المشهورة: لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور الا علي خاصة”. فانتصر بموقفه لوحدة الامة وبقائها ودافع عن الإسلام من موقعه خارج الحكم وهو ما يفسر رده على أبي سفيان حينما عرض عليه النصرة لاسترداد حقه فزجره علي (ع) وقال: “إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة وإنك والله طالما بغيت للإسلام شرا، لا حاجة لنا في نصيحتك”. من هنا نفهم موقف الامام الحسين في الثورة على بني امية التي لم تتوفر ظروفها الملائمة للإمام الحسن واقتصرت مهمته على التمهيد للامام الحسين بفضح أهداف الامويين ومعاوية فأسهم الصلح الذي وقعه معه في تهيئة الظروف الملائمة للثورة الحسينية وهو الحدث الثاني الذي وسم شهر محرم بإسمه”.
وقال: “لقد استطاع الامام الحسين ان يضع بنهضته المباركة وبالدماء الزكية للآل الطاهرين حجر الاساس لهدم الهيكل لدولة الانحراف ويخط طريق التغيير والإصلاح للامة وان يكون المعلم للإنسانية تقتديه لمواجهة الانحراف والفساد والظلم في كل زمان ومكان. لقد أزالت الثورة الحسينية الشرعية عن النظام الاموي الذي أراد معاوية أن يصوره كاستمرار لخلافة رسول الله وان يضفي عليه صبغة قدسية الخلافة لرسول الله فحال الامام الحسن ثم أجهز عليها الامام الحسين محققا بذلك أمرين:
الأول: الحفاظ على الإسلام الذي تعرض للتشويه أو للزوال لو تحقق لبني امية ما أرادوه وفصل بدمه وشهادته وآل بيته بين أمرين:
الأول: مشروع الأمة وهو المشروع الالهي الذي أعد الله له أهل البيت وبين المشاريع الخاصة ابتداء من بني أمية ومن تلاهم من بني العباس وغيرهم الذين لم يتورعوا عن استخدام الاضاليل والفتن والتلاعب بالدين وتغيير مفاهيمه واستخدامه لمصالحهم وأطماعهم عبر شراء ضمائر بعض رواة الأحاديث وتصديرهم مجالس الفتيا يخترعون لهم ما شاءوا من فتاوى مظللة في ملاحقة المعارضين لسياساتهم تبريرا لقتلهم وشراء رؤساء القبائل للاستعانة بهم على التخلص من اعدائهم والمصلحين والخيرة منهم ومن اهل العلم والمعرفة المخلصين لديهم وامتهم الذين أبت ضمائرهم من أن يبيعوا دينهم بدنياهم فأفسدوا الرأي العام أيما فساد في الأمة بإيقاع الفتنة بين القبائل للإبقاء على الحكم في ايديهم والامساك بالسلطة.
الثاني: الابقاء على وحدة الامة، لقد كان اهتمام أهل البيت دائما التضحية بمصالحهم وتقديم مشروع الامة الجامع والتضحية بالدم والشهادة من أجله وبهذا مثلت ثورة الامام الحسين الحدث الثاني الذي وسم شهر محرم باسمه فأعاد للدين صفاءه وفاعليته التي نرى آثارها في كل المفاصل من تاريخها”.
واضاف: “ان ما نشهده اليوم من فصول المواجهات السياسية الداخلية ليست سوى تعبير عن سياسة الاثرة والاستئثار بالحكم والسلطة ومغانمها وهي سياسة لم تزل مستمرة كنهج في الأمة، ولبنان جزء من هذه المعادلة من العجز عن إنتاج المشروع الحياتي المشترك مشروع الدولة الوطنية من النزوع إلى إنتاج المشاريع الطائفية والحزبية التي هي في الأغلب مشاريع زعامات شخصية وفئوية والتي تهدد وحدة الكيان وبقائه. إن من الملاحظ أن الاهتمام في النزاعات السياسية الحاصلة في لبنان يتوجه دائما عند الغالبية السياسية إلى مصالحها الخاصة مع وجود الأخطار الاستراتيجية التي تهدد الكيان من انحلال المؤسسات الدستورية والانحلال الاخلاقي والمجتمعي والتهديد الوجودي لبقاء الكيان والتهديد الإسرائيلي ومع ذلك يختار هذا البعض ان يساهم في التحريض على حصار شعبه ويدعو الى إسقاط المؤسسات. كما لا يتردد في التحالف مع العدو الاسرائيلي او التماهي معه في مواجهة القوى الاخرى من ابناء وطنه أو إلى إظهار العداء والاستعداد للمواجهة العسكرية معها ولا يتورع عن المجاهرة بإرادة التطبيع مع العدو الذي لا يزال يحتل جزءا من تراب وطنه ويتوعد بشن حرب جديدة عليه، إنني ادعو هؤلاء إلى التعقل واعادة النظر في هذه السياسة المخجلة التي لا يقرها عقل أو منطق فضلا عن دين والخروج من سياسة النكد إلى الانتصار للوطن لنواجه معا الأخطار التي تهدد بقاء الكيان وتقديمها على المصالح الخاصة الطائفية أو الفئوية”.
وختم الخطيب: “المطلوب تصحيح الرؤية وعدم الاستغراق في المصالح الضيقة التي تأخذ بنا الى المتاهات، فلندخل إلى الحل من الطريق الاقصر وهو تطبيق اتفاق الطائف مع الاخذ بعين الاعتبار الخطر الذي يمثله العدو الاسرائيلي على الكيان اللبناني والصيغة اللبنانية. (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)”.