شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – بولس كنعان… الاستراحة
وأخيراً يستسلم بولس كنعان الى المرض، فيترجل عن جواد النضال الذي امتطاه عقوداً طوالاً، زمن الغليان في الزمن الجميل.
صحافي معاند، مشاكس، لمّاع، حمل قضية الناس على امتداد مسيرته المهنية محرراً في الكثير من الصحف اللبنانية ومراسلاً لغير صحيفة عربية، ومنشِئاً صحيفة باللغة العربية في أوستراليا التي كان ابن شقيقته الشاب الطليعي الألمعي المرحوم جان أسعد سمعان (ابن خالنا) قد أسّس فيها أول صحيفة باللغة العربية تحت تسمية «صوت المغترب» في ذلك البلد البعيد الذي استقطب جالية لبنانية ربما هي الأكبر في الانتشار اللبناني في عصره الحديث.
إلا أن الهجرة لم تجتذب بولس كنعان طويلاً، فأقفل الباب ليقفل راجعاً الى علما في قضاء زغرتا الزاوية، ويعكف على إصدار مجلته «صوت الغد» التي اعتمد انتشارها على العلاقات الشخصية التي كانت مروحتها واسعة جداً.
جمعتني والراحل العزيز المرحوم بولس صداقة عريقة وكنا معاً على صداقة قوية مع المرحوم فاروق المقدم القائد الثائر مؤسس «حركة 24 تشرين» الشعبية، التي انطلقت من اقتناع نضالي حقيقي بدأه «أبو نافذ» من جامعة «السوربون» وتظاهرات «الشانزيليزيه» دعماً للجزائر في ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي في ذلك الحين. مع التركيز على قضية فلسطين التي التزمها فاروق فكرياً وعملياً وشارك مناضليها الحقيقيين في عمليات فدائية، الى ان صدمته أدوار ياسر عرفات في لبنان، فبقي مؤمناً بالقضية متبرّئاً من تجارها. وعندما أعلن المقدم انتفاضته الأولى في أواخر ستينات القرن الماضي، وكنا لا نزال في ريعان الشباب، تدخلت القاهرة معه وتمت التسوية بأن تستقبله في «ضيافة» الرئيس جمال عبد الناصر، وأشرف الزعيم الوطني المرحوم كمال جنبلاط على المرحلة الانتقالية التي استمرت 15 يوماً حللنا خلالها (فاروق وأنا وبولس) في الدارة الجنبلاطية في «فرن الحطب». ويوم ودعناه في المطار كنا ثلاثة: كمال بك وأنا وبولس.
الى ذلك كان المرحوم بولس كنعان على صداقة وثيقة مع أسرة الزعيم الوطني حميد بيك فرنجية، وبالذات مع المرحوم سمير فرنجية الذي قسا عليه قَدَرُهُ(…).
واليوم يغيب الأخ والزميل والصديق الاستاذ بولس فتفقد الصحافة، بغيابه، قدْراً من النضال والطموح والصدق والأمانة. فإلى جنات الخلد يا بولس بجوار من سبقك من الأهل والأشقاء الطيبين، ورفاق النضال الميامين.