افتتاح المؤتمر العلميّ الدوليّ في جامعة البلمند
برعاية وحضور صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس، افتتحت جامعة البلمند مساء الاثنين 16 تشرين الأوّل 2023، المؤتمر العلميّ الدوليّ بعنوان: “الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكية من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر: نحو فهمٍ دقيق للتاريخ” وذلك في أوديتوريوم الزاخم – جامعة البلمند في الكورة. المؤتمر من تنظيم معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ في جامعة البلمند.
وقد حضر الافتتاح الرئيسان السابقان للجمهورية اللبنانيّة الرئيس ميشال عون والرئيس ميشال سليمان، دولة نائب رئيس مجلس النواب الأستاذ الياس بو صعب ممثلاً دولة الرئيس الأستاذ نبيه برّي، نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور سعادة الشامي ممثلاً رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي، رئيس جامعة البلمند الدكتور الياس وراق، إضافة إلى السادة المطارنة أعضاء المجمع الأنطاكيّ المقدّس والسادة الأساقفة، وعمداء الكلّيات في الجامعة، وشخصيات سياسيّة، قضائيّة، دينيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة، تربويّة، أمنيّة، عسكريّة، وإعلاميّة.
بدء حفل الافتتاح
بداية، قدّمت جوقة القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ اللاهوتيّ في جامعة البلمند باقة من التراتيل. وبعد النشيد الوطنيّ اللبنانيّ ونشيد جامعة البلمند، رحّب مقدّم الحفل الإعلاميّ ايلي أحوش، بالحضور، قائلًا:
“شهادتنا في هذا الشرق ختمته بالرجاء، ولونته بالقداسة، صار أيقونة الحبّ الجبار… الحبّ الذي يغلب كلّ موت”. وعن كنائسنا تابع قائلًا: “وفي الازمنة الصعبة، لم تتعب، وما توقفت أن تكون المنارة. الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، كنيسة الثبات والقداسة، كنيسة الرجاء والقيامة طبعت هذا الشرق بشهادتها الملهمة، نورها من نوره وعمادها إنجيله، مسحنت بكلماته الأزمنة والمطارح”.
وختم مقدّمته قائلًا: “الحاجة إلى دراسة معمّقة للأزمات التاريخيّة التي عصفت بشرقنا الحبيب وتأثيرها على تاريخ كنيستنا، أوجبت على معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ في جامعة البلمند، وبالتعاون مع المؤسّسات الأكاديميّة المشاركة من الخارج، حتمت تنظيمَ هذا المؤتمر العلميّ العالميّ”.
كلمة عميد معهد اللاهوت
ألقى قدس الأرشمندريت يعقوب خليل كلمة ترحيبيّة، تطرّق فيها إلى أهميّة هذا المؤتمر على الصعيدين الكنسيّ والعلميّ منوّهًا بمشاركة نخبة من ذوي الاختصاص في تاريخ كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيّة. ولفت إلى أنّ الدراساتُ التي ستُقرأ، حضوريًا أو عن بُعد، هي أصيلةٌ من حيث أنّها جَمَعت وحَلَّلت معلوماتٍ نقّبَها الباحثونَ من وثائقَ ومحفوظاتٍ، لا فقط في أرشيف بطريركيّتنا والأبرشيّات والأديار، بل وفي إسطنبول وبوخارست وياش وكييف وموسكو وروما وسواها من المدن.
وشدّد على أنّ الدراسات المقدّمة تساعد على التحقّقُ من هُوِيّةِ كنيسةِ أنطاكيّة التي لم تتغيّرْ إلى الآنَ، والتي تتجلّى عِبْرَ روحِ الوَحدةِ التي جَمعت بين كلِّ كنائسِ الشرقِ الأُرثوذكسيّةِ منذ الانشقاقِ الكبير، مرورًا برفْضِها مقرّراتِ مَجمعِ فرّارا – فلورنسا، وانتهاءً بتضامُنِها زمنَ غزوةِ الاقتناص الغربيّ، كما تُبيّن كيف كان التعاونُ في البطريركيّاتِ الشرقيّة كافَّةً يتخطّى كلَّ حدودٍ مناطقيّةٍ أو إثنيّةٍ أو لغويّة.
كلمة رئيس الجامعة
وفي كلمته، قال رئيس الجامعة، البروفسور الياس ورّاق: “إنَّ هذا المؤتمر إنَمَّا هو خيرُ دليلٍ على دورِ لبنان الريادي ليسَ فقط في التربيةِ والتعليمِ العالي، وإنَّما في نشرِ المعرفةِ والتوعية بما اختَصَّ بتاريخِ الأديانِ السّماوية والحضاراتِ الإنسانية التي بدَأَتْ مفاهيمُها تضمحِّلُ وعسى ألّا تختفي”.
وتابع: “إنَّ جامعة البلمند اليوم، وفي أكثرِ من أيِّ وقتٍ مضى، تلعبُ دوراً أساسيًا في الحفاظ على المستوى الأكاديميّ الجامعيّ الذي لطالما تميَّزَ بهِ لبنان في الشّرقِ الأوسط والعالم. فبالرغمِ منَ المصاعِبِ الجَمَّةِ، والأزماتِ المتكرِّرة، والمآسي اللامتناهية التي كُنّا ولم نَزَل نُعاني منها في هذا الوطن العزيز، أصرَّت جامعاتُ لبنان عامةً وجامعةُ البلمند خاصةً أن تلعبَ دوراً جوهرياً ليس فقط على الصعيد الأكاديمي وإنّما على الصعيد المجتمعي”.
وشدّد على أهمية قيام الجامعات بدورها قائلًا: “نَعَم حينَ تقومُ الجامعات بهذهِ الرسالةِ، ينتفي وجودُ الظالمين، ويختفي حضورُ أباطرةِ الحرب، حيث نَشْهدُ أنّ العالمَ اليوم محكومٌ بجنونِ العَظَمَةِ لحكامٍ موتورين يعشقون الحروبَ ويعبدونَ إراقةَ دماءِ الأبرياءِ ويحيونَ لاغتصابِ ثرواتِ الطبيعةِ والبشر لإشباعِ شَبَقِهِم بالسّلطةِ والنفوذِ والمال”.
وختم: “أودُّ أنْ أُرحِّبَ بِكُم مجدداً في رحابِ هذا الصرحِ العلميّ المقدس داعياً ربَّ العالمينَ أنْ يجعَلَنا قادرينَ على إبقاءِ كلمةَ الحقِّ في أقوالِنا، وترسيخِ نورِ الإيمانِ في عقولِنا، وتجسيدِ الرحمةِ في قلوبِنا”.
كلمة صاحب الغبطة
أما في كلمته الافتتاحية، توجّه صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر إلى الحاضرين وعبر شاشات الإعلام لكلّ المتابعين والمهتميّن قائلًا: “إنّ الفهم الدقيق للتاريخ يرتكز على القاعدة العلمية التي تعتبر أنّ التاريخ ليس وُجهةَ نظر، بل مجموعةً من الوقائع والأحداث التي ندرسها لنستبين ما حصل بالفعل، فنستخلِصَ العِبر.
تظلّ كنيسةُ أنطاكية، البطريركيةُ الرسولية، والكرسيُّ البطرسي الأول، كنيسةَ المشاركة والشورى والانفتاح والسلام. وهي تبقى كنيسةً لها موقعُها ومَرجِعِيّتُها بين الكنائس”.
وتابع قائلاً: “فبطاركة أنطاكية منذ القرن السابع عشر أمثال ملاتيوس كرمة، ومكاريوس الثالث ابن الزعيم، وأثناسيوس الثالث دبّاس، لم يألوا جُهدًا جَهودًا من أجل تثقيف الرعيّة وتأمين احتياجاتها والحفاظ على الإيمان الأرثوذكسيّ، فأسفرت جهودهم عن قيام نهضة رعائيّة وتجديد ثقافيّ وروحيّ في بطريركيّة أنطاكية.
من الباب الأخوي أترك للذين تركونا وانضمّوا إلى الغرب، وِفق اتفاق سمح لهم بالمحافظة على طقوسهم والإبقاء على النظام البطريركي، تقييمَ نتائج خيارهم”.
وتوقّف غبطته عند اختطاف المطرانين قائلًا: “وكيف لي ألأ أعبّر عن الألم الذي يعتصر قلوبنا بشأن قضية مطراني حلب يوحنا ابراهيم وبولس يازجي المخطوفين منذ نيسان 2013. إن هذا الجرح النازف في جسد الكنيسة الأنطاكية، لن يندمل قبل معرفة مصيرهما، وسيبقى خطفهما في تاريخنا صورة موجعة لما يعانيه إنسان هذا المشرق من قهر”.
كما دعا: “إخوتنا في المواطنة جميعًا، من أجل أن نعمل معًا لصياغةِ رؤيةٍ تحترم التعدّدَ الذي يزخَر به هذا البلد وتمايزَ الجماعات فيه، ولصيانةِ وَحدةِ لبنان التي تُبرِز ما عندنا من قيم، ولا تحوّل الطائفية إلى أداة للفساد والإفساد ولتعطيل الحُكم وإيقاف عجلة الدولة، وقهر المواطنين”.
وختم حديثه بالقول:” نحن أبناءُ هذه الأرض، ولا نسعى لحماياتٍ أجنبية فيها، بل نسعى لترجمة تعاليم الإنجيل في هذه الأرض، ولنقل لُطف المسيح وسلامه أينما حللنا.
نحن هنا لنبني هذه البلاد على قيم المحبّة والأخلاق الكريمة مع كل الخيّرين وأهل الإخلاص.
نحن كُتلةُ محبة ولسنا كُتلةً طائفية”.
وفي الختام، كانت المحاضرة الأولى بعنوان اتحاد فلورنسا وكنيسة أنطاكية: مراجعة تاريخيّة
قدّمها البروفسور قسطنطين بانشينكو من جامعة موسكو الحكوميّة.
الجدير ذكره أن جلسات المؤتمر مفتوحة للجميع وستستمرّ يومي الثلاثاء والأربعاء 17 و18 تشرين الأول في قاعة البطريرك اغناطيوس الرابع في معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ في البلمند والتي ستتوزّع محاورها إلى أربعة: المحور الأوّل: السياق التاريخيّ والسياسيّ، المحور الثاني: النشاط الفكري والثقافة، المحور الثالث: العلاقات مع سائر الكنائس والشعوب الأرثوذكسية، المحور الرابع:
الحياة الكنسية، المحور الرابع: الحياة الكنسية.