بو حبيب في كلمة أمام مجلس الأمن: لبنان لم يعد يحتمل لا لجوء ولا لاجئين ولا نزوح ولا نازحين ولا هجوم ولا مهاجمين
ألقى القائم بالأعمال بالوكالة في بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة هادي هاشم كلمة وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عبدالله بو حبيب، خلال جلسة مجلس الأمن المفتوحة حول الحالة في الشرق الأوسط من ضمنها مسألة فلسطين، جاء فيها: «نشهد منذ أكثر من أسبوعين حرباً همجية تخلو من أي احترام لأبسط المعايير المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، لا بل أبسط مفاهيم الإنسانية جمعاء. فلا شرعة ولا شريعة تُبَرّر ما يحصل من عمليات قتل ممنهج لشعبٍ يقبع في سجن كبير منذ أكثر من أكثر من نصف قرن.
إن ما يشهده قطاع غزة من حصارٍ يقطع عنه كل مقومات الحياة من ماء وكهرباء، واتصالات وخدمات صحية وأدوية، ومن منع إيصال للمساعدات الإنسانية، ومن قصفٍ مُركّز على المنشآت المدنية الحيوية الأساسية، والبنى التحتية المدنية، وعلى المستشفيات، ودور العبادة، ومن قتل عشوائي يطال الأطفال والأولاد والنساء والعجزة والصحافيين، ولا يرحم أو يميّز بين عامل إغاثة يحاول تخفيف المعاناة، أو صحافي يحاول نقل الحقيقة، أو طبيب يضمد جراح الجرحى أو متطوع في الصليب الأحمر يحاول تخفيف المأساة، أو موظف أممي يقوم بتطبيق القرارات الدولية. وبالحديث عن القرارات الدولية، السيد الرئيس، نأسف أن نقول لكم أنها ضُربت بعرض الحائط، وتم تجاهلها من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلية، التي تجاهلت ميثاق الأمم المتحدة، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وباختصار كافة القوانين والأعراف الدولية ذي الصلة.
لا بل امتنع المتغطرس الأكبر بالإجابة على اتصالات الأمين العام للأمم المتحدة المتكررة، لأنه أصلاً لا يؤمن بهذا الصرح الدولي العريق ولا يؤمن بالسلام.
الدول العربية ارتضوا السلام وقبلوا به موحّدين ومجتمعين عام 2002، وذلك في مبادرة سعودية اقترحها جلالة الملك عبدالله في قمة بيروت، على أسس محددة عادلة وشاملة تعطي الشعب الفلسطيني الشقيق حقه ببناء دولته، واستعادة أرضه المسلوبة، لكن للأسف، «رضي القتيل ولم يرض القاتل».
أضاف: «بينما أقوم مع دولة رئيس الحكومة وكافة المسؤولين بالاتصالات الدولية والمحلية وكافة المساعي لإبقاء لبنان بعيداً عن هذا النزاع الدموي، ونؤكد على أن لبنان لم يكن يوما يرغب بالحرب أو يسعى إليها وهدفه الحفاظ على الهدوء على طول الخط الأزرق، حرصاً منه على أمن لبنان واللبنانيين، والتزاماً منه ومن لبنان بمندرجات القرار 1701 وجميع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، يطلق المسؤولون الحكوميون والعسكريون الإسرائيليون تصريحات يومية هجومية وتهديدات مستمرة بإعادة لبنان الى العصر الحجري وسحق شعبه. إضافة الى الاعتداءات الإسرائيلية اليومية والمتكررة بحق لبنان وأرض لبنان وشعب لبنان، بحراً وبراً وجواً، هي استفزازات يومية لكل مواطن لبناني حريص على وطنه وسيادته، مع الإشارة إلى أن لبنان يواجه هذه الاعتداءات الكلامية والعسكرية بأقصى درجات ضبط النفس احتراماً منه للقرارات الدولية وحرصاً منه على الاستقرار في المنطقة الجنوبية. كما يقدّر لبنان عاليا الدور المهم الذي تلعبه اليونيفيل بالتنسيق مع الجيش اللبناني لخفض التصعيد والمحافظة على الاستقرار، ويعبر عن امتنانه لليونيفيل وقيادتها وللدول المساهمة.
فحذار أن تقوم حكومة إسرائيل اليائسة، والتي أمعنت خلال الأشهر الماضية، في سياسات الاستيطان غير الشرعية، وفي انتهاكاتها المتكررة للمقدسات الاسلامية والمسيحية والاعتداء على المصلين، بخطوات تدخل المنطقة كلها في نارٍ سوف يصعب إخمادها. بدل البحث عن سلام مفقود في مكان آخر، يجب أولاً التوصل الى وقف اطلاق نار فوري وعاجل، وايصال المساعدات الانسانية وفك الحصار، وحماية المدنيين، وصب الجهود على جوهر الصراع، فلا سلام في المنطقة من دون حل للقضية الفلسطينية بشكل عادل، وقيام دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب اسرائيل من كافة الاراضي العربية المحتلة في لبنان وفلسطين وسوريا.
وفي ظل غياب الحل السياسي وإستمرار الحرب على غزة في أسبوعها الثالث، وعدم قدرة الدول الغربية على كبح الرغبة الاسرائيلية بالانتقام الاعمى، فإن خطر توسع دائرة الصراع يتزايد على طول الشرق الاوسط وعرضه. لذلك، نحذر من تداعيات هذا الصراع ليست فقط على أمن منطقتنا، بل أيضا على أمن أوروبا خصوصا والعالم عموما».
تابع: «ان استعمال إسرائيل للأسلحة الحارقة، كذخائر الفسفور الأبيض الذي يترك آثاره على البيئة والانسان لفترات طويلة هو أكبر دليل على أمعان إسرائيل بانتهاكها للمحرمات. إن قصفها للمدنيين الأبرياء هو دليلٌ آخر على ذلك. وان استهدافها للصحافيين اللبنانيين والأجانب العاملين على أرض لبنان واستشهاد الصحافي عصام عبدالله، وجرح آخرين، ناهيك عن قتل 13 صحافياً في قطاع غزة، هو دليل على سياسيتها في قمع الحريات وتضليل الرأي العام. نعيد ونؤكد التزام لبنان الكامل للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وبقرارات مجلس الأمن الخاصة به، فلبنان لم يكن يوماً دولة معتدية بل كان دوماً دولة معتدى عليها من قبل اسرائيل منذ ستينات القرن الماضي. وفي سنة 2000 نجح لبنان بتحرير أراضيه، لكن اسرائيل أبقت، وعن قصد، أجزاء لبنانية تحت احتلالها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج بلدة الماري حتى تبقي هذه المنطقة بتوتر وحتى يكون لها حجة للاستمرار باعتداءاتها.
مخطئ من يعتقد أن ما يحصل من مجازر وعمليات قتلٍ واعتداءات في غزة وعلى الحدود الجنوبية اللبنانية، قد شتّت اهتمامنا عن المسألة الوجودية التي يمثلها النزوح السوري في لبنان. فقضية النازحين السوريين هي أولوية وطنية تُجمع عليها كافة الأطراف والمكونات اللبنانية، ولبنان يصرخ صرخة واحدة: نريد خارطة طريق تؤدي الى حلٍ مستدامٍ بالتعاون مع المجتمع الدولي.
فلا يمكن للبنان أن يستمر في تكريس حالة الجمود في هذا الملف، حيث أنه يقبع بين توجهين، أحدهما يقول لا عودة ولا إعادة إعمار قبل الحل السياسي، والآخر يقول العودة تتطلب تأمين الحد الأدني من إعادة الإعمار.
لبنان على استعداد للتعاون مع الأمم المتحدة للعمل سوياً، يداً بيد، لإيجاد الحل المناسب الذي يحترم القوانين ويؤمّن عودة كريمة وآمنة لهؤلاء السوريين إلى ديارهم، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تطلبه هذه العودة من حدٍ أدنى يحفظ كرامة الانسان العائد الى أرضه.
لبنان قام بواجباته الانسانية تجاه شعب شقيق كان يعاني من أزمة كبيرة، لكن اليوم ومع انتهاء المعارك، يمكن لقسم كبير من هؤلاء العودة من دون أية مشكلة».
وختم: «أناشدكم وأناشد من خلالكم أعضاء مجلس الأمن الكرام ، الدائمين، وغير الدائمين، الدول العظمى والدول الصغرى، لأن الاستثمار في أمن واستقرار لبنان هو لمصلحة وطنية، إقليمية، أوروبية، ودولية. فلا أحد يُمَنّنا بحفنة مساعدات من هنا و حزمة إعانات من هناك، فهناك مصلحة مشتركة تقضي في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، وعدم سقوطه لا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا أمنياً ولا عسكرياً. فأمن لبنان من أمن المنطقة، واستقرار لبنان من استقرار أوروبا، فعندما يصاب لبنان والشرق الاوسط بالبرد ستنتقل العدوى الى أوروبا والعالم أجمع. إن لبنان يطلق صرخته هذه ليس بوجه النازحين الأشقاء، فهم مظلومون مثلنا مثلهم، ولكن لبنان يطلق صرخته هذه لأنه لم يعد يحتمل لا لجوء ولا لاجئين، ولا نزوح ولا نازحين ولا هجوم ولا مهاجمين».