صحيفة إسرائيلية: “قدّسنا التكنولوجيا ونسينا السنوار” …هكذا انهار خط “ماجينو” أمام حماس في 7 أكتوبر
هجوم السابع من أكتوبر، مثل حرب يوم الغفران، هو صدمة تأسيسية وفي حبلها السري قصور استخباري، لكنها تعكس خسوفاً جماعياً واسعاً. يدور الحديث عن سوء فهم متطرف للواقع، تبلور في إطاره “مفهوم” يستند إلى عشرة أسس متهالكة:
فهم عليل لحماس. سادت في إسرائيل فرضية بموجبها شهدت منظمة حماس ارتقاء لطف حدة قطبها الأيديولوجي، وركزت على تثبيت حكمها. كان في هذا تجاهل لحقيقة أن منظمة متزمتة ترى في الحكم وسيلة لتحقيق رؤياها، وليس مرحلة تستوجب الاعتدال. كما انطوى الأمر أيضاً على فجوة بين الفكرة الإسرائيلية (الغربية) التي تستند في معظمها إلى اعتبارات الواقعية السياسية، وبين الثقافة التي تظهر أن للمعتقد الديني المتزمت دوراً مركزياً فيها.
تمسك زائد في التسوية الاقتصادية. وهذا سببه فهمنا بأن حماس جسم يركز على تثبيت حكمه، وتعزز تقديراً بأنه يمكن إغراؤها بوسائل الجزر الاقتصادية. لذا، زعم أن إخراج عمال إلى العمل في إسرائيل وتحسين البنى التحتية المدنية سيخلق ثمن خسارة يقلل احتمالات التصعيد. عملياً، في الوقت الذي عملت فيه إسرائيل على بادرات طيبة مدنية، انكبت حماس على هجوم 7 أكتوبر – فجوة تجسد سوء فهم حاد لجوهرها.
فكرة أن حماس مردوعة. بعد حملة “حارس الأسوار” في أيار 2021 أصر سياسيون وعسكريون على الاعتقاد بأن حماس تلقت ضربة قاسية، لذا باتت مردوعة. أما عملياً، فقد عملت حماس على دفع الإرهاب والتحريض في الضفة وسمحت لـ “الجهاد الإسلامي” بخوض جولات تصعيد في غزة. وشهدت الأمور على أنها غير مردوعة، لكنها لم تضعضع أسس المفهوم أو تتسبب بإلغاء البادرات الطيبة المدنية.
تقدير زائد لوزن الجمهور. كجزء من فكرة التسوية، تثبت التقدير القائل إن تحسين وضع الجمهور الغزي سيعزز الاستقرار، وزعم أنه إذا ما نشأ تصعيد سيثور احتجاج ضد حماس. أما عملياً، فمنذ بداية الحرب لم يبدِ الجمهور الفلسطيني انتقاداً حقيقياً ضد حماس، وكقاعدة يلوح ككيان جماعي يقبل بحكم القدر.
التخوف من الموضوع الفلسطيني. ميل نشأ عقب لقاء بين سياسيين يخشون الانشغال بموضوع حساس سيجبي منهم ثمناً سياسياً، وبجمهور يائس من إمكانية التسوية، وبجهاز أمن يحذر من لمس موضوع سياسي مشحون. وما إن طرحت إخطارات استراتيجية في الموضوع الفلسطيني حتى تركز في الضفة ما وصف بتهديد من غزة كـ “محتوى”.
الإيمان بالعائق البري. مثل خط ماجينو الذي بنته فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية، فإن العائق البري الذي أقيم في القطاع نجح هو الآخر عملياً، لكنه لم ينجح في اختبار ألاعيب حماس. فالألمان تجاوزوا خط ماجينو من خلال مناورة عبر بلجيكا، وقوات حماس لم تتوغل عبر الأنفاق مثلما فعلت في “الجرف الصامد” بل ببساطة أسقطت السور والأسيجة.
تهديد مستهدف مقلص. خطة التسلل إلى إسرائيل بمرافقة حملة قتل جماعية، تبلورت قبل نحو عقد وكانت معروفة للاستخبارات. لكن التهديد الذي تخيلناه كان تسللاً محدوداً وليس معركة تتم من عشرات نقاط التسلل بمشاركة نحو 3 آلاف شخص وبمشاركة وسائل بحرية وجوية.
تقديس التكنولوجيا. إن الاستناد إلى المعلومات التي تحققت بوسائل متطورة كان واسعاً، ما غرس إحساساً بالتفوق الاستخباري. لكن تلك المصادر لم تطرح مؤشرات مسبقة للهجوم تم التقاطها باستخبارات بسيطة، مثل الإعلام العلني مثلاً، ووسائل الرقابة والاتصال التكتيكية. في الخلفية كانت فجوة خطيرة من انعدام المعلومات الاستخبارية البشرية.
الصعوبة في حل لغز السنوار. على مدى السنين نفذت تحليلات نفسية على زعيم حماس الذي وضع فكرة هجوم 7 أكتوبر ورأى فيه مهمة حياته. في هذا الإطار، تقرر أنه مسيحاني – تشخيص دقيق، كون الحديث يدور عن زعيم يعيش في أجواء “الآخرة” – لكنه طرح ادعاء مغلوطاً بأنه منقطع عن الواقع. لذا نفذ إسقاط المنطق الإسرائيلي عليه.
الإخفاف السياسي. الادعاء الذي يقول إن إسرائيل عززت حماس في ضوء رغبتها في إضعاف السلطة صحيح، لكنه يحتاج إلى الدقة. أولاً، حماس مغروسة في عمق الساحة الفلسطينية. وإسرائيل سهلت عليها أحياناً، لكنها كانت ستولد وتتعزز بدونها أيضاً. ثانياً، كل المحافل السياسية في العقدين الأخيرين كانت مشاركة في المفهوم إزاء حماس. تقع على نتنياهو المسؤولية الأكبر، لكن حكومة التغيير ساهمت أيضاً من خلال مشروع العمال من غزة. لم يدفع أحد منهم قدماً بخطوة سياسية في الموضوع الفلسطيني، واكتفوا بالسلام الاقتصادي.
و في نهاية الحرب، لن يكون كافياً التحقيق العسكري. واجب أن يجرى نقاشاً وطنياً، في مركزه سؤال: هل يفهم المجتمع الإسرائيلي المجال من حوله بعمق؟ من الحيوي أن يتقيد إدمان الحد الأقصى من التكنولوجيا وتحيا الخبرة التي قلت قيمتها، وعلى رأسها تعلم لغة وثقافة “الآخر”، سواء لحاجة القضاء على التهديدات أم لإدارة الاتصالات.