ترسيم الحدود البريّة بعد تسويّة غزة…
نجوى أبي حيدر
حينما يسكت المدفع وتتوقف لغة الحديد والنار بين الجيش الاسرائيلي وحركة حماس والجهاد الاسلامي في غزة، لا بدّ ستهدأ الجبهة الجنوبية للبنان والشمالية لاسرائيل. آنذاك سيُفسح المجال واسعا للغة الديبلوماسية واطلاق المفاوضات حول مصير القطاع وكيفية ادارته، وقد بدأت تطرح في سوق الاقتراحات افكار، من بينها المبادرة المصرية لانهاء العدوان على غزة الجارية مناقشتها بين الاطراف المعنيين راهنا. اما لبنان فالحلول متوافرة لاعادة الهدوء الى ميدانه الجنوبي، إن انصاع حزب الله للقوانين والقرارات الدولية ورضخ لتطبيق القرار 1701، علما انه لا يبدو في هذا الوارد بدليل تحريك الاهالي ضد قوات الطوارئ في بلدتين جنوبيتين والاعتداء على عناصرها في اطار رسالة للمجتمع الدولي.
الا ان انسحاب الحزب من منطقة جنوبي الليطاني، ان حصل، لن يكون من دون ثمن سياسي او بدل يتقاضاه في مكان ما، خصوصا اذا ما اعقب تطبيق القرار الدولي ترسيم الحدود البرية، وفق ما اتفق مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الامن والطاقة آموس هوكستين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في خلال احدى زيارات الاول الى عين التينة، وقد رحب بري آنذاك بالطرح الاميركي واعتبره امرا مهما للبنان. فما الثمن الممكن ان يتقاضاه الحزب من الترسيم البري، وهو لا بد ان يكون قيّما، ما دام بت النزاع الحدودي مع اسرائيل سينزع كل ذريعة لاستمرار وجود المقاومة؟
مع بدء مفاوضات حسم الخلاف الحدودي البحري بين لبنان واسرائيل، اعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ان الملف من مسؤولية الدولة وانه يقف خلفها. لكن سرعان ما تبين انه لعب دورا اساسيا في الترسيم البحري وقبض الثمن، ولولاه لما رُسِمت الحدود. وفي معرض الحديث عن امكان الشروع في الترسيم البري ردد نصرالله في احدى اطلالاته اخيرا ما قاله سابقا عن ان الملف من مسؤولية الدولة ولا علاقة لنا فيه، ثم اشارالى ان الحدود البرية مرسّمة وما يجري ليس ترسيما بل تثبيت نقاط الحدود بعدما قضمت اسرائيل مساحات منها حينما احتلت لبنان، ثم انسحبت منه وفق الخط الازرق، وهي تسعى لجعله خطا حدوديا، وهذا ما يرفضه نصرالله ويتمسك بالحدود المعترف بها دوليا. ويشدد على حدود شمال الغجر.
على الخط دخل الرئيس بري ويتردد انه يعد مسودة اتفاق ترسيم الحدود البرية خصوصا ان النقاط المتنازع عليها وعددها 13 ليست مستعصية على الحل حتى ان ست منها تم حلها في الاجتماعات الثلاثية التي عقدت في الناقورة وتبقى 7 اخرى تحتاج الى التفاوض في شأنها وفق ما تؤكد اوساط امنية، موضحة ان الجيش جاهز لتولي المهمة. وتشير الى تسوية يعمل عليها هوكستين تقضي بتثبيت ملكية لبنان للنقطة بـ1 الواقعة في خليج الناقورة، وهي نقطة استراتيجية لطالما تمسكت بها اسرائيل، لا سيما التيار المتطرف في الداخل، على ان تشكل منطلقا لترسيم الحدود البرية، كما تنسحب اسرائيل من الشطر اللبناني من قرية الغجر كما من مزارع شبعا على ان تُسلَم المزارع الى قوات دولية تحدد طبيعتها وهويتها لاحقا، كونها متنازعا عليها بين لبنان وسوريا واسرائيل . اذ تتمسك دمشق بها وتعتبرها سورية، اضف ان تحديد هويتها امميا يفتح الباب امام ترسيم الحدود الللبنانية- السورية وهو ما لا تريده سوريا ولا ايران اذ تشكل هذه الحدود معبرا حيويا لتمرير الامدادات لحزب الله في لبنان وسائر اذرع ايران العسكرية. يحاول حزب الله الافادة من الخطوة لتحسين شروطه وتحصيل مكاسب تفيد ايران في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة الاميركية اولا ثم الثنائي الشيعي في لبنان من خلال تكريس مواقع مهمة له في السلطة السياسية. وبأقل من هذا الثمن لن يرضى لا بالانسحاب من جنوب الليطاني ولا بترسيم الحدود البرية. لذا تتوقع المصادر ان تكون المعركة حامية والاثمان باهظة على امل الا يدفع اللبنانيون ما تبقى لديهم من قوة وطاقة وصبر.