الدكتورة سابين الكيك لـ «الشرق»: موازنة 2024 بلا رؤية اقتصادية والسلطة السياسية منفصلة انفصالاً كاملاً عن الواقع الإقتصادي
كتبت ريتا شمعون:
موازنة العام 2023 لم تقرّ ولم يسأل عنها النواب لأن الحكومة كان لديها أموال SDR بقيمة 1.2 مليار دولار لتنفقها، وعندما جفت الأموال أسرعت في إعداد موازنة 2024 وأرسلتها الى المجلس النيابي معلنة أن ذلك إنجازا دستوريا حقق في وقته.
لجنة المال النيابية وقبل النقاشات الأخيرة في مجلس النواب حول الموازنة والمعركة الكلامية ونكتة النائب راجي السعد وكلمة من هنا وكلمة من هناك ، كانت قد صححت مواد كثيرة حوالى 70 % من الموازنة التي أرسلتها الحكومة وهي لائحة طويلة من الضرائب والرسوم، بما يخدم المال العام وحاجة الدولة من جهة، وقدرة وامكانية المواطنين والشركات والمؤسسات والمستثمرين من جهة أخرى، إلا أنها لم تنجح في تنقيتها من الشوائب ربما لأنه تمّ اعدادها بطريقة متسرّعة واقرارها بطريقة عشوائية لا تراعي الشفافية، فبالرغم من غياب الإصلاحات الحقيقية، موازنة أفضل الممكن تقول الدكتورة سابين الكيك الباحثة في القانون المصرفي في حديث لجريدة «الشرق»»، ولكن قبل التفكير والتحليل على رواق مع الدكتورة الكيك، في الموازنة أول دخوله شمعة على طوله يعود موظفو القطاع العام الى الإضراب لمدة أسبوع في كافة الدوائر والوزارات إذا لم تعيد الحكومة النظر في مشروع الموازنة الذي صدّق عليها مجلس النواب لتلبية ولو جزء من مطالبهم الملحة لتامين استمرارية واجباتهم الوظيفية.
وينتفض أصحاب المصالح للحفاظ على مصالحهم في لحظة تخبط تشريعي، فالشركات المستوردة للنفط أعلنت الإضراب أيضا، بعد بند اعتبرته ظالما في موازنة 2024 بفرض ضريبة استثنائية 10% على أرباح الشركات التي استوردت السلع المدعومة بين 2020 و2021، ولم يعرف تجمع المطاحن في لبنان الغاية من طرحه الذي سيؤدي الى أزمة قمح وطحين ورغيف في المرحلة الراهنة، أما الهيئات الإقتصادية فاعتبرت الضريبة غير عادلة ومجحفة في حق المؤسسات الشرعية.
وسألت نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية، هل من المنطق إخضاع عمليات الإستيراد التي قام بها المستوردون لضريبة استثنائية على عمليات قطع لم يختاروا إجراءها أساسا، ما يجعلها من الناحية العملية بمثابة خوّة الأسوء تقول الدكتورة الكيك، أن مجلس النواب اقرّ موازنة العام 2024 من دون قطع الحساب خلافا للقوانين والدستور، مثل العادة لم يعر المجلس الدستوري اهتماما، مشيرة الى ان اقرار قوانين الموازنة من دون قطع الحساب يشكل مخالفة واضحة للمادة 87 من الدستور التي تسمح للمجلس النيابي التحقق من مدى صدقية البيانات أو التوقعات الواردة في مشروع السنة المقبلة.
ورأت الكيك، أن موازنة 2024 موازنة سيئة تفتقر الى اي رؤية اقتصادية، ولا تتضمن إصلاحات جذرية، وكأن السلطة تعيش حال إنكار للواقع الإقتصادي فضلا عن التخبط والجدل الدائر حول الضرائب والرسوم حيث ارتفعت عشرات الأضعاف وطالت معظم المعاملات الأساسية للمواطنين في ظل شلل مؤسسات الدولة، ما يجعل من تلك السلّة الضريبية غير مضمونة النتائج والإيرادات في ظلّ التهرب الضريبي المستمر وعدم اتخاذ أي إجراءات فعلية للجم التهرب.
واكثر من ذلك، ابقت موازنة العام 2024 على تعددية واسعة بأسعار صرفها، فالموازنة التي أقرها مجلس النواب تفرض على المواطن استيفاء معظم الضرائب والرسوم على سعر 89 الفا وتعطي المودع وديعته شهريا حسب تعميم 151 على سعر 15 ألف ليرة.
في المقابل، لم تلحظ الموازنة كيفية معالجة الدين العام وهو تجاوز 39 مليار دولار الذي أعلنت الدولة منذ آذار 2020 عن عجزها عن تسديد أصل الدين العام بالعملتين الوطنية والأجنبية، عمليا مترتبين على الدولة وينعكس على ميزانية المصرف المركزي وميزانيات المصارف ، كل هذا يبدو لمنع القيام بأي محاسبة حقيقية في البلد.
أضافت الكيك، قد تخلو الموازنة من الإيجابيات إذا ما استثنينا إقرارها ضمن المهل الدستورية، لما في ذلك من أهمية على مستوى الإنتظام المالي، وتعديلات لجنة المال والموازنة النيابية التجميلية، وتابعت، يبدو مفيدا التذكير بأن موازنة العام 2024 منفصلة كليا عن أي خطة للتعافي والإصلاحات البنوية ولا تشمل إقرار تشريعات لحلّ أزمة لبنان المصرفية وتوحيد أسعار الصرف المتعددة لليرة اللبنانية، بالإضافة الى رمي أرقام وفرض زيادات عشوائية غير مبنية على اسس واضحة لا تخدم أي عرض اقتصادي للدولة، فهي موازنة ليست معدة لاقتصاد يواجه تحديات ضخمة مثل الإقتصاد اللبناني.
لكن المشكلة برأيها، أن التصحيح الضريبي لم يأت ضمن بنودها، فهي عملية محاسبية تختلف عن مفهوم الموازنة، مؤكدة أن اجمالي حجم الموازنة صغير جدا اذا ما قورن بحجم النفقات للسنوات الماضية وللحركة الإقتصادية في البلد وهذا يعود لأسباب عدّة: أولاً، أن وجود حكومة مبتورة أصلا، لم تنل ثقة المجلس النيابي الحالي فمن البديهي، أن لا مجال للنهوض الإقتصادي أو الإصلاح السياسي، ثانياً: ابعاد الكفاءات المستقلة في البلد عن مواقع صنع القرار، قائلةً: إن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في كل المجالات من أهم أسس نجاح وتقدم أي دولة، أما في لبنان وللأسف تضمن السلطة السياسية والمجلس النيابي معا، الإتيان بأشخاص في مواقع رسمية يكونون في خدمتهم ويحافظون على مصالحهم الخاصة وشعبيتهم ومن الأمثلة على ذلك التوظيف السياسي في القطاع العام، فكيف نبني موازنة بلد لن نعرف ما يتم صرفه؟
الكيك، شكّكت في ضمانة تنفيذ الموازنة، خصوصا أن لبنان يعيش شللا في مرافق الدولة وادارتها بفعل الإضراب الذي ينفذه موظفو القطاع العام الذي يؤدي حتما الى توقف الواردات الى الخزينة، وسألت، ما نفع الموازنة إذا كانت الإدارة العامة لا تعمل ولا تجبي كما يجب؟
وأما الأخطر البروباغندا التي تقوم بها الحكومة بانجازها مشروع الموازنة العامة في موعدها الدستوري أمام المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، وتنتهي بنا في المجلس النيابي الذي أقرّ موازنة وسط فوضى عارمة ونكات تشبه كل شيء إلا الموازنة فهي بلا رؤية ولا خطة ولا أرقام.
وقالت الكيك، إن مشروع موازنة 2024 لا يلحظ بأي مكان تداعيات الحرب على غزة وتداعياتها على لبنان، فكيف ستسدد التعويضات على المنازل الموجودة في الجنوب والمواطنين والنازحين ضمن خطة الطوارىء؟ ولفتت الى ان لبنان منذ العام 2019 بوضع اقتصادي ومالي تفاقم مع أزمة وباء كورونا وكان من المفترض أن تلحظ الموازنات العامة تداعياتها الإقتصادية وتعيد تصويب الوضع المالي والإقتصادي لكن هذا لم يحصل ولا تزال الأمور تسير على نفس الوتيرة وكأن السلطة السياسية منفصلة عن الزمان والمكان إنفصالا كاملا عن الواقع، وبالتالي عن الأحداث التي تجري في المنطقة تحديدا عن الحرب الدائرة في الجنوب أقله للتاريخ.