خلف: هل يُعطى أصحاب الإرادة الطيّبة الفرصة ليصلحوا ما أفسدته السياسة؟
سلّط الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور فادي خلف الضوء على مقاربة مصرف لبنان للتحديات المصرفية والمالية «بين الأمس واليوم»، مشيراً إلى «إقرار المصرف المركزي بمبدأ الأزمة النظامية، وأن الدولة هي المسؤول الأول عن الأزمة وقد بدّدت الأموال وعليها مسؤولية إعادتها». إضافةً إلى إقراره بأن «أي حلول لا تأخذ في الاعتبار استمرارية القطاع المصرفي، هي غير قابلة للحياة وتقضي على أي أمل في إعادة بناء هذا القطاع، وبالتالي على أي إمكانية لإطلاق الاقتصاد من جديد»، ذلك معطوف على قناعة تامة بأن «ما من أحد يعتقد اليوم بإمكانية إعادة الودائع بشكل آني وفوري». جاء ذلك في افتتاحية التقرير الشهري لجمعية المصارف، كتبها خلف بعنوان «المركزي بين الحاضر والتحديات»، هنا نصّها:
«تبدّلت مقاربة مصرف لبنان للأزمة المالية وطريقة التعامل معها منذ بداية آب 2023، فأين ظهر التمايز في سياسات مصرف لبنان ما بعد هذا التاريخ المفصلي وما هي تحدياته المستقبلية؟ يمكن استخلاص النتائج على أرض الواقع من خلال الحقائق التالية:
1- بين الأمس واليوم:
– المعالجات أصبحت ترتكز أكثر على نقاش تقني بين المصرف المركزي والمصارف (وإن لم تتطابق وجهات النظر في عددٍ من المجالات). – إقرار المصرف المركزي بمبدأ الأزمة النظامية. الدولة هي المسؤول الأول عن الأزمة وقد بددت الأموال وعليها مسؤولية إعادتها. على أن تتم دراسة السبل المناسبة للتسديد في المراحل القادمة، نظراً لضعف إمكانات الدولة حالياً. – إن أي حلول لا تأخذ في الاعتبار استمرارية القطاع المصرفي، هي غير قابلة للحياة وتقضي على أي أمل بإعادة بناء هذا القطاع، وبالتالي على أي إمكانية لإطلاق الاقتصاد من جديد. – ما من أحد يعتقد اليوم بإمكانية إعادة الودائع بشكل آني وفوري، لكن هذا لا يتعارض مع ضرورة إعادة الحقوق تدريجيا لأصحابها بكافة الطرق المتاحة. – غربلة الودائع بحسب مصدرها، وتصنيف المودعين بين مودع ومستثمر ومن استفاد من الفوائد المرتفعة.
– فصل الودائع الناجمة عن عمليات استفاد أصحابها من الأزمة على حساب المودعين، عبر تجارة الشيكات وعبر صيرفة. – دراسة وضع المقترضين الذين أثروا على حساب المودعين، كما والمتعاملين الذين استفادوا من عمليات الدعم والتهريب. – تنقية ميزانيات المصارف وإظهار الفرص الاستثمارية فيها، كما والتصدي لمحاولات القضاء على القطاع. – توحيد سعر الصرف دون المس باحتياطيات المركزي من العملات الأجنبية.
– تطبيق نفس المعايير المحاسبية على ميزانيات المصارف وعلى ودائعها لدى مصرف لبنان. زمن الكيل بمكيالين انتهى. – الإقرار بأن التوظيفات الإلزامية في مصرف لبنان هي ملك المصارف. – عدم جواز تمويل أي عجز للدولة من قبل المصرف المركزي خارج الأطر القانونية، مهما علا الصراخ وكَثُرت الضغوطات السياسية. – عدم القبول بالعودة إلى الحلول الجزئية التي تهدف إلى كسب الوقت. – عاد مصرف لبنان إلى لعب دوره الطبيعي المنصوص عنه في قانون النقد والتسليف. لا أكثر ولا أقل. – تم تصحيح ميزانية مصرف لبنان وتوضيح جزء مهم من بنودها، بانتظار استكمال ما تبقى من توضيحات. – للمرة الأولى منذ عقود تتسلم جمعية مصارف لبنان أرقاماً إحصائية، كانت تطالب بها منذ سنين، تبيِّن حقيقة الوضع القائم. – التوقف عن استعمال امتياز مصرف لبنان بطبع الليرة Seignorage لتغطية خسائره عبر اعتبارها خسائر مؤجلة. 2- التحديات المستقبلية:
– ضبط الاقتصاد النقدي من التفلُّت وتوجيهه نحو القطاع المصرفي. – المواءمة بين ضبط الكتلة النقدية وحاجات من ليس له مداخيل سوى حسابه المصرفي (الدولار المصرفي). – حماية السيولة المخصصة لصغار المودعين في الداخل من إمكانات كبار المودعين في الخارج. – حماية موجودات مصرف لبنان (ذهب وعملات) من الدعاوى القضائية في الخارج. – العمل على ضمان المصاريف التشغيلية للمصارف، بانتظار عودة القطاع إلى نشاطه الطبيعي. – العمل على عودة المصارف إلى ممارسة دورها المتعارف عليه في الاقتصاد. – التأكيد على جلوس كافة المعنيين بمشروع إعادة هيكلة المصارف على الطاولة. ما سبق، هو إحدى القراءات للسياسات الحالية لمصرف لبنان وتحدياته المستقبلية، فهل يُعطى أصحاب الإرادة الطيبة الفرصة ليصلحوا ما أفسدته السياسة؟
أم تبقى مقولة «لا يُصلِحُ العطار ما أفسده الدهر» قائمة، في بلد شبّ بعضهم على شيء فشيَّبونا عليه».