بايدن والاقتصاد.. هل كسب الرئيس الأميركي ثقة الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية؟
“لماذا لا يمنح الناخبون الأميركيون الرئيس جو بايدن سوى القليل من الفضل في تحقيق انتعاش اقتصادي قوي؟”.. سؤال محوري لا يزال يلوح في الأفق مع اقتراب الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
على الرغم من البيانات الاقتصادية الإيجابية التي تشير إلى نمو مستدام وتراجع في معدلات البطالة، إلا أن الكثير من الأميركيين يظلون متشككين حيال أداء الاقتصاد تحت إدارته.
الانقسام الحزبي المتزايد يلعب دوراً كبيراً في تشكيل آراء الناخبين، حيث يميل الجمهوريون والمستقلون إلى التركيز على الجوانب السلبية وتجاهل التحسن الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، يتزايد الشعور العام بأن النظام الاقتصادي غير عادل، مع استمرار تركز الثروة في أيدي قلة من الأثرياء، وخصوصا في قطاع التكنولوجيا والشركات الكبرى.
هذه العوامل مجتمعة تسهم في تفسير لماذا يجد بايدن صعوبة في الحصول على التقدير الكافي على إنجازاته الاقتصادية، وتجيب عن السؤال المذكور، وهو السؤال الذي ناقشه رئيس مؤسسة روكفلر الدولية، روشير شارما، في مقال له بصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، موضحاً أن عديداً من المراقبين يرون أن ذلك الأمر بمثابة “حالة من المشاعر السيئة” التي خلقتها وسائل الإعلام الحزبية، لكنه يعتقد في الوقت نفسه بأن الأمر يتجاوز مجرد “المشاعر السلبية” التي تغذيها التقارير الإعلامية ومعارضي بايدن.
* ورغم أن الاقتصاد الأميركي سجل نمواً بوتيرة سريعة نسبياً في الآونة الأخيرة، إلا أن “المواطنين العاديين” لا يعيشون وفقاً لأرقام الناتج المحلي الإجمالي.. كما أن فقدان ثقتهم في الإدارة أصبح قصة تتوارثها الأجيال”، على حد وصفه.
* نسبة 90 بالمئة من الأميركيين الذين ولدوا في الأربعينات كانوا يكسبوا أكثر من آبائهم، لكن هذا الرقم انخفض بشكل مطرد إلى نصف أولئك الذين ولدوا في العام 1980، واليوم بالكاد يقول أكثر من ثلث البالغين في الولايات المتحدة إنهم أفضل حالاً من آبائهم وأمهاتهم.
* مع ارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية، يقول ما يقرب من نصف الأميركيين إنهم سيعتمدون على المساعدة الحكومية في التقاعد.
* يقول ما يقرب من سبعة من كل 10 أميركيين إن النظام الاقتصادي والسياسي يحتاج إلى “تغييرات كبيرة أو هدمه بالكامل”.
ويتحدث كاتب المقال عن الإنفاق الحكومي الجامح في عهد بايدن، ويُرجع النمو الاقتصادي الحالي الذي يبدو جيداً إلى ذلك الإنفاق الحكومي الكبير، الذي يأتي على حساب زيادة العجز وتراجع الثقة في الحكومة.
ويُلمح في هذا السياق إلى أن مشكلة الإنفاق الحكومي وتأثيره على التضخم والشعور العام تجاه الاقتصاد ليست مقتصرة على إدارة بايدن أو على الولايات المتحدة، بل هي ظاهرة أوسع تمتد عبر الدول المتقدمة منذ فترة طويلة.
المنافسة مع الجمهوريين
من جانبه، يؤكد عضو الحزب الديمقراطي، مهدي عفيفي، أن الناخبين الأميركيين يمنحون الرئيس جو بايدن، قليلاً من الفضل في تحقيق انتعاش اقتصادي خلال فترة رئاسته بالفعل، مشيراً في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن هناك عوامل عدّة أسهمت في توجيه آراء الناخبين على هذا النحو؛ من بينها:
* منذ فبراير/ شباط 2022، كان هناك تركيز كبير على دعم أوكرانيا؛ الأمر الذي رفضه الجمهوريون بهذا الشكل، وكانوا يشيرون دائماً إلى أن هذا أثر على الاقتصاد الأميركي.
تأثير الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي كان يُصور دائماً فشل بايدن اقتصادياً، بما أثر سلباً على الرأي العام، خصوصا بالنسبة للمستقلين.
الإدارة الأميركية لم تأخذ في الاعتبار توضيح الإنجازات الاقتصادية منذ توليها الحكم بالشكل الكافي، كما اعتمدت على أداء وول ستريت (والشركات الكبرى)، بما انعكس على رأي المواطنين (إذ لم تصل الصورة كاملة إليهم).
تشكيك الجمهوريين في الإنجازات التي تحققت خلال فترة الرئيس بايدن، والتلاسن بين ترامب وبايدن في ما يخص الوضع الاقتصادي.
انشغال الإدارة الأميركية بالكامل في حرب غزة ودعم إسرائيل، ما أدى إلى تشويه الانتعاش الاقتصادي الذي حققه بايدن بشكل كبير.
* ارتفاع الدين الأميركي، واستخدام بعض الجمهوريين هذا الملف من أجل تشويه صورة النجاح الاقتصادي.
ويضيف: بناءً على ذلك، تُظهر بعض الاستطلاعات أن الكثير من الأميركيين لا يثقون في إدارة بايدن من جانب الأداء الاقتصادي، على الرغم من المؤشرات الإيجابية، ومن بينها على سبيل المثال تراجع معدلات البطالة، ونجاح الإدارة الأميركية في خفض نسب التضخم (مقتربة من المستوى المستهدف عند 2 بالمئة).
الحزبية تلعب دوراً
بالعودة لمقال “فاينانشال تايمز”، فإن الكاتب يشير إلى الدور الذي تلعبه “الحزبية” في سياق تراجع الثقة في بايدن من الناحية الاقتصادية، ويقول إن:
* من المرجح على نحو متزايد أن يشعر أعضاء الحزبين الأميركيين بالتشاؤم عندما يتولى رئيس الحزب الآخر السلطة.
يعتبر الجمهوريون هم الأميركيين الأكثر احتمالاً للقول بأن الاقتصاد يتجه نحو الأسوأ.. ومع ذلك، يوافق ما يقرب من ستة من كل 10 مستقلين على ذلك.
وفي استطلاع واحد على الأقل، يمنح الديمقراطيون الاقتصاد علامات أقل الآن مما كانوا عليه في عهد دونالد ترامب.
* بالتالي فإن المشاعر السيئة ليست مجرد خلق حديث لوسائل الإعلام الأميركية الحزبية.
ويقول إنه بمرور الوقت، يبدو أن الإحباط العام يبني على شعور بأن النظام منحاز ضد الأشخاص العاديين.
وبينما يدافع أنصار بايدن بالإشارة إلى بعض المؤشرات التقنية التي تظهر أن عدم المساواة قد انخفض في عهده، إلا أن الصورة الأوسع تظهر خلاف ذلك، ففي العام 2022، حصة الدخل لأغنى 1 بالمئة من السكان تجاوزت 20 بالمئة لأول مرة منذ الأربعينات. وهذه المعلومة مستمدة من قاعدة بيانات عالمية تُعرف بتوجهاتها التقدمية، مما يضفي مصداقية إضافية على البيانات لأنها ليست نابعة من منتقدي بايدن.