الصناعات الغذائية في لبنان… الدور والواقع والمستقبل ودورها في تحسين مستوى الحياة

تنتشر المصانع الغذائية في مختلف المحافظات اللبنانية، مع تركّز ملحوظ في المناطق الريفية التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي. تساهم الصناعات الغذائية بشكل كبير في تحسين مستوى الحياة في الدول النامية والمتطورة حيث إنها قادرة على خلق فرص عمل، والتخفيف من الفقر والنزوح من الأرياف، بالإضافة إلى زيادة الحماية الاجتماعية. في عام 2019، بلغ عدد المصانع الغذائية في لبنان 750 مصنعاً تقريباً، وارتفع إلى 1614 مصنعاً حتى نهاية عام 2024، أي بزيادة تُقدّر بـ 54%، وذلك وفقاً لإحصاءات وزارة الصناعة اللبنانية ودليل الصادرات والمؤسسات الصناعية اللبنانية، ممّا جعل هذا القطاع يشكّل ربع العدد الإجمالي للمصانع في لبنان، ويحتل المرتبة الأولى بين القطاعات الصناعية من حيث عدد المؤسسات العاملة. يساهم قطاع الصناعات الغذائية في توظيف أكثر من 20 ألف عامل، أي ما يزيد عن 25% من مجمل التوظيف الصناعي، مما يجعله الأكبر من حيث توفير فرص العمل في الصناعة اللبنانية. وتحتل صناعات الألبان والأجبان، والمخابز، والفواكه والخضار، الصدارة من حيث العدد والقدرة على التوظيف والإنتاجية. تنتشر المصانع الغذائية في مختلف المحافظات اللبنانية، مع تركّز ملحوظ في المناطق الريفية التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي. فعلى سبيل المثال، يُقدّر أن 71% من مصانع بعلبك-الهرمل متخصصة في الصناعات الغذائية، مقارنة بـ 28% في النبطية، و24% في جنوبي لبنان. في عام 2023، ساهمت الصناعات الغذائية بنحو 13% من مجمل الصادرات الصناعية اللبنانية، إذ بلغت قيمتها نحو 500 مليون دولار سنوياً في السنوات الأخيرة، رغم الأزمة الاقتصادية، مما يعكس مرونة هذا القطاع وقدرته على الصمود. وتُعدّ المعلّبات، المشروبات الروحية، والسكاكر/الحلويات من بين أبرز المنتجات المُصدَّرة. وتشمل وجهات التصدير الرئيسية دول الخليج، إلى جانب أوروبا، العراق، وشمالي أفريقيا، مما يدل على تنوّع الأسواق والإمكانات الكبيرة للتوسّع. يتميّز هذا القطاع بنسبة مشاركة نسائية مرتفعة نسبياً (نحو الثلث)، خصوصاً في مجالات التصنيع، التغليف، والصناعات الحرفية الغذائية، كما يوفر فرص عمل أولية للشباب، لاسيما في المناطق الريفية. ويتمتّع لبنان بميزة تنافسية من خلال منتجاته الغذائية التراثية، بالإضافة إلى المنتجات المبتكرة مثل المنتجات العضوية والخالية من الغلوتين. تكمن أهمية الصناعة الغذائية بأنها تساهم في تحريك العجلة الاقتصادية على امتداد الوطن. تعتبر الصناعات الغذائية رافعة الاقتصاد المنتج في لبنان بالرغم من التحديات والصعوبات المتلاحقة حيث إنها استطاعت أن ترفع من صادراتها إلى الخارج في السنوات الماضية، مما ساهم بشكل كبير في إدخال الأموال إلى البلد، وشجع المستثمرين على إنشاء معامل غذائية في كلّ أرجاء الوطن.
مكامن الضعف يجب التركيز على معالجتها
تواجه الصناعات الغذائية في لبنان عدداً من مكامن الضعف التي ينبغي التركيز على معالجتها لدعم نمو هذا القطاع الحيوي. من أبرز هذه التحديات نقص الموادّ الخام الزراعية المناسبة للتصنيع، مما يستوجب توجيه المزارعين وإرشادهم ودعمهم نحو زراعات تتلاءم مع متطلبات الصناعات الغذائية، بدلاً من الاعتماد على الاستيراد. كذلك تشكّل نفقات التشغيل المرتفعة، خصوصاً تكاليف الكهرباء، عبئاً كبيراً على المصانع، مما يحتم الإسراع في تنفيذ خطة إصلاح قطاع الكهرباء. إضافة إلى ذلك، فإن صغر حجم المعامل الغذائية يحدّ من قدرتها على خفض التكاليف وتحقيق الكفاءة، مما يستدعي تشجيع هذه المعامل الصغيرة على التوسّع لزيادة إنتاجها وأرباحها. ويُلاحظ كذلك ضعف البنية التحتية في العديد من المناطق، خاصة في الأطراف، على صعيد الكهرباء، إدارة النفايات، وإمدادات المياه السليمة.
فرص الصناعة الغذائية اللبنانية
تشكّل الصناعة الغذائية اللبنانية قطاعاً واعداً يزخر بالفرص التي يمكن استثمارها لتعزيز النمو الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية. يُعتبر لبنان بوابة استراتيجية للوصول إلى 350 مليون مستهلك في السوق العربية (GAFTA)، و500 مليون في منطقة اليورو، كما يتمتع بعلاقات تجارية متينة تدعمها شبكة الاغتراب اللبناني النشطة حول العالم، حيث تصدّر المنتجات الغذائية اللبنانية إلى أكثر من 75 بلداً. تزداد عالمياً مستويات الوعي بفوائد النظام الغذائي اللبناني والمتوسطي، المصنَّف ضمن الأنظمة الصحية، مما يعزز الإقبال عليه، كما تحظى الصناعات الغذائية باهتمام متزايد من قبل المؤسسات الدولية والمحلية الداعمة، التي تعمل على بناء بنية تحتية للجودة وتشجيع تطوير منتجات جديدة ذات قيمة مضافة أعلى. في هذا الإطار، يُعدّ تطوير المنتجات المرتبطة بالتسميات الجغرافية خطوة مهمّة لحماية هذه المنتجات وتعزيز هويتها. كذلك، يمكن للبنان الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرّة، ولا سيما الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لتوسيع أسواقه التصديرية. من جهة أخرى، يشكّل التوسع نحو الأسواق الآسيوية والأفريقية فرصة واعدة، في ظل ارتفاع الطلب على الأغذية الصحية والمغذية. ويمكن للبنان أن يكون نقطة انطلاق لتلك الأسواق. السياحة الغذائية تمثل فرصة إضافية لتسويق المنتجات الغذائية محلياً وعالمياً، من خلال جذب السياح وتقديم تجارب غذائية وثقافية متميزة. أما الابتكار في تطوير الأغذية الصحية، كالأغذية العضوية والخالية من الغلوتين ومنتجات الحمية، فيفتح الباب أمام تلبية احتياجات الفئات المهتمة بالصحة، كما أن الاستثمار في تقنيات التصنيع المستدام والحد من الفاقد الغذائي من شأنه تعزيز سمعة المنتجات اللبنانية وزيادة قدرتها على دخول الأسواق العالمية.
وأخيراً، فإن تعزيز الممارسات المستدامة في إنتاج الغذاء، مثل استخدام الطاقات المتجددة وتدوير النفايات الغذائية، لا يوفر فقط فرصاً تجارية جديدة، بل يعزز كذلك صورة لبنان كبلد ملتزم بالجودة والاستدامة. ومن الضروري كذلك توفير قروض منخفضة الفائدة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في القطاع الغذائي، مما يعزز فرص نموها وتوسعها، كما أن تشجيع التعاون بين الجامعات والشركات الغذائية في مجالات الأبحاث والتطوير يساهم في ابتكار حلول لتحسين الجودة ورفع الكفاءة. ولا بد من تعزيز استراتيجية واضحة لهوية العلامة التجارية اللبنانية، ترتكز على إبراز الخصوصية والجودة التي تتميز بها المنتجات اللبنانية مثل زيت الزيتون والمونة التقليدية. وفي السياق نفسه، ينبغي جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتطوير تقنيات جديدة في معالجة الأغذية وتعبئتها، مما يساهم في خفض الكلفة وزيادة التنافسية، كما أن تشجيع المصانع على إنشاء أنظمة تتبع حديثة من المصدر إلى المستهلك يعزز الثقة بالمنتجات اللبنانية. وأخيراً، ينبغي دعم الشركات التي تعتمد ممارسات إنتاج وتغليف صديقة للبيئة، مثل تقليل البلاستيك واستخدام موادّ قابلة لإعادة التدوير، مما يساهم في تحقيق استدامة القطاع الغذائي وتعزيز سمعته محلياً وعالمياً.
المصادر الجامعة اللبنانية الأميركية – L.A.U