هآرتس: المجرم نتنياهو والـ 40 إرهابياً

من يتولى منصب قائد المنطقة الوسطى، التي تشمل المناطق المحتلة والتي تضم 3.5 مليون فلسطيني و520 ألف يهودي إسرائيلي – كان يبدو أن يبدأ منصبه بلقاءات مع رؤساء مدن وقرى فلسطينية. في هذه اللقاءات، كان يقول لهم بأن سيطرة إسرائيل على مناطق سكنهم هدفه مواصلة حياتهم كالمعتاد بقدر الإمكان.
قائد المنطقة الوسطى كان يقول ذلك التزاماً بالقانون الدولي الذي وجد تعبيره في ميثاق جنيف الرابع وفي قرار مجلس الأمن 2334 الصادر في كانون الأول 2016، الذي يستند إليه، وبحسبهما فإن المحتل الذي يستولي على منطقة فيها سكان غير مشاركين في النزاع معه، عليه أن يقدم لهم ظروفاً إنسانية معقولة لمواصلة حياتهم. والقرار 2334 ينص على أن مجلس الأمن لن يعترف بضم منطقة، تم تحقيقه أثناء الحرب. حظر الضم يعتبر جزءاً رئيسياً في نظرية منع استخدام القوة الموجود في لب دستور الأمم المتحدة. محظور نقل سكان المنطقة إلى مكان آخر، ومحظور نقل سكان من الدولة المحتلة إلى المنطقة المحتلة.
لكن حكومات إسرائيل منذ 1967 تجاهلت القانون الدولي وسمحت بمشروع الاستيطان المحظور قانونيًا. خلال فترة معينة، بدا هذا وكأنه جاء لاعتبارات أمنية لتهدئة ادعاءات دولية مضادة، بما في ذلك من قبل الولايات المتحدة، ثم راوغت الحكومة وصدت ضغوطاً دولية وتقدمت. منذ تشكيل الحكومة الحالية،أُرخي العنان تمامًا، وأقيمت مزارع معزولة كثيرة، سيطرت على مناطق واسعة في الضفة وبدأت في أعمال زعرنة، وتطهير عرقي -بدعم الجيش والحكومة- للفلسطينيين وطردهم من المناطق التي عاشوا فيها فترة طويلة.
إزاء ذلك، يمكن القول إن قائد المنطقة الوسطى الجنرال آفي بلوط، وقف بشكل متعمد على رأس مشروع الجرائم ضد الإنسانية. هذه الأفعال ترتبت عليها عقوبات فرضتها بعض الدول على مستوطنين زعران بارزين في هذا المجال. ولكن الجيش الإسرائيلي لم يتخذ أي خطوات ضدهم. قرار الجنرال بلوط عقب الهجوم الإرهابي واقتلاع 3100 شجرة، التي هي مصدر رزق للفلسطينيين والذي اعتبره عملية ثأر جماعية، قد يتكرر إذا كانت هناك عمليات إرهابية أخرى.
على هذه الخلفية، يصعب فهم كيف يتجاهل رئيس الأركان الواقع الأزعر الذي يسمح به الجيش الإسرائيلي ويدعمه أيضاً في المناطق المحتلة، ويصف الجنرال بلوط بأنه “ضابط قيمي وأخلاقي، يعمل منذ سنوات صبح مساء من أجل أمن دولة إسرائيل وسكانها، لا سيما سكان “يهودا والسامرة”. بالطبع، الجنرال إيال زامير لم يقصد أمن معظم سكان “يهودا والسامرة” الفلسطينيين. فهو لا يراهم أصلاً وغير موجودين، وواجب القوة المحتلة، أي السماح لهم بحياة سوية، بداأمراً بعيداً عنه. من الواضح أنه لا يوجد شيء قيمي وأخلاقي في العمليات ضد الفلسطينيين تحت ولاية بلوط.
سياسة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، التي يشارك فيها يسرائيل كاتس، التي توضح للفلسطينيين بأنه “لا يحسب لهم أي حساب” تؤدي إلى إرهاب للفلسطينيين. خطوط الحكومة الأساسية التي لا يسمح إلا للإسرائيليين بالاستيطان في أرض إسرائيل، وخطاب نتنياهو المتغطرس الذي ألقاه في الأمم المتحدة في أيلول 2023 وأعلن فيه عن بلورة اتفاق مع السعودية وأكد، بدون فيتو من الفلسطينيين، أن اعتداءات المستوطنين في المناطق المحتلة ضد الفلسطينيين، التي تجد تحظى بدعم الجيش الإسرائيلي، لا يُستغرب من أنها هي التي أدت إلى 7 أكتوبر وإلى الإرهاب هنا وهناك الذي جاء في أعقابه.
يمكن إنهاء الوضع هذا غير المستقر الذي يستمر منذ سنوات، بموافقة إسرائيل على إقامة الدولة الفلسطينية على أساس اتفاق سلام يلبي مصالح الطرفين. شاهدتُ الوثيقة التي قدمها الرئيس محمود عباس إلى الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي قبل جهودهما لجلب أكبر عدد من الدول إلى المؤتمر في نيويورك. في تلك الوثيقة، يدور حديث بوضوح عن دولة منزوعة السلاح، لها قوة شرطية فقط. يبدو لي أنها وثيقة يسهل على إسرائيل قبولها. في الواقع، سيكون من الحيوي تفكيك المستوطنات، ربما ليس جميعها. ولكن بعد إقامة هذه الدولة،ستختفي تخوفات إسرائيل الأمنية، وستعود الدول التي تتنكر لها إلى إقامة علاقات جيدة معها، وستتعزز مكانتها الدولية. مواطنو إسرائيل العرب سيتفاخرون بدولتهم، وهذا سيكون بمثابة راحة اقتصادية كبيرة.
من المؤسف أن جدعون ساعر جعل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، يلغي تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة لزعماء فلسطينيين كانوا ينوون المشاركة في المؤتمر السنوي في الأمم المتحدة، الذي تشارك فيه كل الدول الأعضاء. هذه خطوة لا لزوم لها وتافهة، مثل رفض إسرائيل السماح لوزراء خارجية الدول العربية الذين يريدون التوصل إلى السلام الشامل في الشرق الأوسط بزيارة رام الله.
سواء بقيادة سموتريتش أو قيادة نتنياهو، يبدو أن طموح إسرائيل هو ترحيل سكان غزة وسكان المناطق المحتلة، أي 6 ملايين شخص، وربما بعضهم. هذا في كل الحالات جريمة ضد الإنسانية. ترامب يدعم الحكومة. في أمريكا هو الدستور، الكونغرس، مجلس الشيوخ ومحكمة العدل العليا، وهو من يفرض العقوبات على المحكمة في لاهاي، لكنه لن يبقى محصناً إلى الأبد.