اذا أردتم الغفران… حرروا فلسطين

اذا أردتم الغفران… حرروا فلسطين

د. لينا الطبال

اصغوا جيدا اذاَ… شعب يختبئ وراء الانكار، يسعى الى الخلاص الروحي عبر الإبادة، وإلى الأمن عبر القتل، وإلى الإنسانية عبر نفي الآخر. يُغطي جرائمه بشعارات الاخلاق، يمحو المدن، يذبح، يقتل ويدمر… يُسمي العدوان “دفاع عن النفس”، والمجازر “حق مشروع”، والدماء “تدبير وقائي”… شعب تربى على نشيد الرعب، وكَبُر على درس واحد: انه الضحية الابدية.

هذا المقال لا يَسرُد خرافة… هذا المقال حول أسطورة سوداء عن شعب اعتاد على العنف واعتبره جزءً من الطبيعة البشرية…. اؤكد لكم هذه ليست خرافة، لا، إنها الحقيقة التي يهرب منها بنو إسرائيل… وهذه قصتهم.

تعيش إسرائيل كشخص مدان أمام نفسه. ذنب قديم، تلمسه بين أصابعها حين تستيقظ وتغلق عينيها، تزرع الخوف في كل كلمة وفعل … نعم، الذنب يتكاثر كفيروس، ينتقل كمرض وراثي من جيل إلى جيل، يتخذ أسماءََ عديدة: “الدفاع عن النفس”، “الضحية”، “الأمن القومي”، “الحق التاريخي” .

هذا القلق الجماعي يتسلل إلى القوانين، والإعلانات التلفزيونية، والتِفيلّوت (الصلوات).

صار تبرير العنف سهلا جدا لديهم، يكفيهم صورة واحدة، وسؤال: هل تُدين حركة حماس؟ الموت لا يهم هنا بالذات، هو يتحول الى اعداد واصفار على الجانب، والصراخ لا يهم ايضا والدماء لا تهم أيضا !

كل الشعب يبحث عن مبررات… تماما كما يختلق المدخن حجة ليدخن، يختلقون هم شعارات ليبرروا دم الفلسطيني … يخبرون بعضهم ان هذه إرادة رب هارون وموسى، وان الفلسطينيين استحقوا ما حصل لهم. كل فعل عنيف، كل صاروخ، كل قصف، كل اقتلاع، يتحول بسحر مقدس إلى دفاع عن النفس ليخففوا عن ضمائرهم الثقيلة، ويجعلوا من الإبادة عادة يومية.

التاريخ الإسرائيلي مليء بالشخصيات التي حوّلت القتل إلى أمن قومي. من بن غوريون الذي أسس الدولة على ترانسفير الفلسطينيين، إلى شمعون بيريز الذي حاول إضفاء لمسة سلام رومنسية على الاحتلال، مرورا بشامير الى موفاز واولمرت ونتنياهو، الى الحاخامات فتاوى الدم، من أحيعاد إيتنجر، ييتسحاق شابيرا، مئير شموليو، عوفاديا يوسف، مئير كاهانا وغيرهم… يا إلهي، كم هم مضحكون!

والآن يأتي بن غفير وسموترش، بممارسات فاشية يصران فيها على أن كل “ذرة” قوة يجب استخدامها ضد شعب أعزل، اجل يُعلنان ذلك بفخر وغباء مذهلَين! لا يُحرجهما أن يُلبسا العنف ثوب القداسة فالحرب عندهما طقس مبارك.

لكن… هل حقا تعتقدون أن “يهوه” يوزع تراخيص قتل؟

أيها الأغبياء، استيقظوا: الوحشية هي إنتاج بشري، انتاجكم انتم… إذا كنتم تنتظرون إذناََ كي تصبحوا وحوشاََ… فالوحشية لا تأتي بقرار رباني ولا حتى هي مكتوبة في القدر… هذا الاعتقاد بأن هناك اختيار إلهي يمنح استثناءََ لكم هو خدعة لتبرير الجرائم والدمار…  نتنياهو وغالانت يقفان اليوم على أعتاب المحكمة الجنائية الدولية، وسيلحق بهما بن غفير وسموتريش وبقية الجوقة. اسمعوا هذا جيدا الآن، ومن شخص لا يحبكم: من أكبر ضابط إلى أصغر جندي، نعم… سنلاحقكم واحداََ واحداََ. لا مهرب لكم.

أسماء قتلة الطفلة الشهيدة هند رجب مُدونة الآن، وقد كُشف عن هوية المسؤولين العسكريين الإسرائيليين المتورطين في قتلها وعائلتها:

  • المقدم “بني أهارون”، قائد اللواء المدرع 401، كان يضغط على الزناد وكأنه يلعب بلاي ستايشن.
  • “دانيال إيلا”، قائد الكتيبة 52، كان يراقب وينفذ، بلا خجل، بلا ندم.
  • “شون غلاس”، قائد سرية “إمبراطورية مصاصي الدماء”، قام بأصدار أوامر القتل من دبابته.

العدالة تتحرك ببطء، لكنها قادمة. واحدٌ بعد واحد، وهذا وعد للضحايا بأن العالم ليس متواطئََ إلى الأبد، ولا أحد سيختبئ خلف رتبة أو خلف دولة.

غزة التي تتفكك كلعبة “ليغو” مع كل قصف، مع كل انفجار… الأطفال والنساء، والشيوخ الذين يُقتلون ويُشردون بلا هوادة تعكس عقدة الذنب في وجوهكم. الإسرائيلي يراقب ويصرخ “انا الضحية”، يسوق لنفسه حكاية الأمن القومي…

حقا؟ الأمن القومي يُبيح لهم اعتقال آلاف المدنيين، أسرى؟

يبيح لهم إرجاع الشهداء إلى غزة، الى اهاليهم، مجلّدين، مفحّمين، بلا رؤوس، بلا أعضاء داخلية؟ بلا أحشاء؟

هنا، في كل قذيفة وكل غارة، ينكشف الوجه القذر والمريض للدولة ويُحمّل الشعب اليهودي ثقلًا يفوق الذنب … ثقل العار والتواطؤ… جزء من العقدة يظهر في رغبة اللاوعي بالسيطرة على الأرض الفلسطينية، والعربية: يرفع نتانياهو الخريطة و يصرخ ” إيرتس يِسرائيل”… الشعب يصفق، كأن امتلاك الأرض يمحو الذنب أو يُنقّي الضمير.

كل شهدائنا… كل شهداء دير ياسين، كل مجازر المخيمات، كل قصف على غزة، يذكرهم بأن العقدة حاضرة، وأن أي محاولة لتبريرها لا تَخفي سوى اتساع وضوحها.

يتحدّثون عن “تحرير الرهائن”…  أي تحرير؟ هم استردوا أَسراهُم فقط، وانهزموا… الكرامة، لا الأسرى ولا الانتصارات الزائفة، هي الخيط الرفيع الذي يُفرق بين الهزيمة والنصر.

أنتم شعب مهزوم ! رأينا عيونكم حين وضعتمونا في السجن، رأينا انقساماتكم، جبنكم، وفشل خططكم عن قرب… هناك، في النقب، في ذلك المعتقل البغيض ذو الحراسة العالية… شعب كامل يبني دولته على الجرائم، ويُنفق سبعة وسبعين عاما للدفاع عن نفسه، يحاول تبييض التاريخ الذي يعرفه الجميع… العالم كله يعرف من ارتكب الإبادة في غزة… أنتم !

هل سمعتم هتافات الشعوب في كل عواصم العالم؟ الشعوب في تصرخ في عواصم الدنيا: “إسرائيل دولة إرهابية!”… صرخات تطالب بالملاحقة والمحاسبة…

حتى أولئك الذين رأوا المشاهد الرهيبة لغزة مثل “جيرارد كوشنر” قالوا إن غزة تبدو كأنها “ضُربت بقنبلة نووية”.. هؤلاء لن يغيّروا بالضرورة منطقَ التبرير، لكن هذا لا يمنع انهم صُعقوا من المشهد.

الشعب اليهودي اليوم امام مأزق وجودي حقيقي. كل محاولة تبرير، وكل اختباء وراء شعارات “الضحية” و”الأمن”، تصنع من وصمة العار حقيقةً لا تُمحى. الشرّ هنا هو يومي، معتاد، يعيشونه كجزء من وظائفهم: من يشرّع القتل ويغتال المدنيين يظل مسؤولًا أخلاقيا عن كل حياة تُزهق، ولا يمكن لأي قانون أو شعار أن يمحو هذه المسؤولية.

ولسخرية القدر، يبدو أن خلاص “بني إسرائيل” لا يمرّ إلا عبر فلسطين… فلسطين هي خلاصكم!

فلسطين هي العلاج النفسي لمرضاهم بالذنب!… نعم، عليهم أن يُحرّروا الأرض التي دمروها كي يتحرروا من أنفسهم، أن يغسلوا الدم، وأن يستعيدوا بعض إنسانيتهم ويطهروا قليل من تاريخهم.

سبعة وسبعون عاما وهم يبحثون عن الغفران في المقابر الجماعية…

سبعة وسبعون عاما وهم يقصفون الطريق إلى الخلاص، وكلّما اقتربوا منه، غرقوا أكثر في الوحل الذي صنعوه بأيديهم… وازدادوا غرقا في التناقض والعار.

Spread the love

adel karroum