عودة: لأن وطننا منحن بسبب ثقل ما عاناه من فراغات ومآس وحروب على أبنائه وحكامه تغيير سلوكهم والتزام قضايا المجتمع والإنسان واعتماد الحوار عوض التقوقع والانفتاح عوض الحرب 12:37

عودة: لأن وطننا منحن بسبب ثقل ما عاناه من فراغات ومآس وحروب على أبنائه وحكامه تغيير سلوكهم والتزام قضايا المجتمع والإنسان واعتماد الحوار عوض التقوقع والانفتاح عوض الحرب 12:37

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس. بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “نصا الإنجيل والرسالة اللذان سمعناهما يفتحان أمامنا بابا واسعا لفهم عمل الله العجيب في النفس البشرية. الله يدعونا من خلال نعمته إلى قيامة داخلية حقيقية، تعتق فيها قلوبنا من انحناء الخطيئة، وتستنير بنور المسيح الذي يبدد كل ظلام. فالرب الذي كان يعلم في المجمع، عندما رأى المرأة المنحنية منذ ثماني عشرة سنة شفاها، وهو نفسه يطلب من كل مؤمن أن يقف في حضرته ليشفى من انحناءات النفس والجسد، ويتذوق حرية أبناء الله”.

أضاف: كانت المرأة، كما يصفها الإنجيل، منحنية لا تستطيع أن تنتصب البتة. هذا الوصف هو رمز لحالة الإنسان الساقط الذي أثقلته الخطيئة، كما يشرح القديس كيرلس الإسكندري، إذ يقول إن الشيطان حين يقيد الإنسان «يحنيه نحو التراب لكي لا يرفع نظره إلى الله». المشكلة ليست في الجسد وحده، بل في القلب الذي يفقد وجهته نحو العلى. حين يدخل الرب يسوع إلى المجمع، يقترب من المرأة، يلمس ضعفها، ويرفعها بكلمة واحدة، مطلقا إياها من مرضها. هكذا يعمل المسيح دائما: يقترب، ينظر، يشفق، ويقيم. لا يشفينا عن بعد، بل يدخل إلى جراحنا ويغير واقعنا من الداخل. في رسالته إلى أهل أفسس يحدثنا الرسول بولس عن هذه القيامة الداخلية نفسها، إنما من زاوية الحياة العملية. يقول: «أسلكوا كأولاد للنور». دعوة الرسول هذه ليست نظرية بل خلاصية. النور الذي يقيم المرأة المنحنية يصير نهج حياة، ومسارا يوميا يجاهد فيه المؤمن لكي يترك أعمال الظلام، ويثمر «ثمر الروح» الذي يذكره بولس في مواضع أخرى، أي الصلاح والبر والحق. فالتحرر من روح الإنحناء الذي قيد المرأة يوازيه السير الواعي في نور المسيح، نور يترجم سلوكا مقدسا”.

وتابع: “رأى آباء الكنيسة في هذه المعجزة إعلانا واضحا عن عمل النعمة في الكنيسة اليوم. يشير القديس يوحنا الذهبي الفم إلى أن «المرأة المنحنية تمثل النفس التي انحنت تحت أثقال الشهوات والعادات الشريرة»، وأن الرب يقيمها بكلمته كما أقام المرأة، ليس لأنها تستحق، بل لأن رحمته سابقة لاستحقاقنا. وقد شدد الذهبي الفم على أن الوقوف في حضرة المسيح، بالصلاة والتوبة والأسرار، هو الطريق الوحيد لنيل هذه العطية. المسيح لا يرفع من يرفض أن يأتي إليه، بل يرفع كل من يتقدم إليه بتوبة وتواضع. مشهد رئيس المجمع في الإنجيل يذكرنا بأن هناك دائما قلوبا تستطيع أن تقف جسديا ولكنها منحنية روحيا. هذا الرجل الذي اعترض على شفاء المرأة يوم السبت يمثل العمى الروحي الذي يفضل حفظ القشور على خلاص النفوس. هو يرى الشريعة ولا يرى الرب، يعرف الحرف وينسى الرحمة. كثيرون اليوم قد يقعون في التجربة ذاتها، فيحافظون على صورة التقوى ويدعون حفظ الكلمة والحفاظ على الكنيسة أو الوطن، فيما أعمالهم شريرة، مظلمة، تسيء إلى الإنسان وإلى الكنيسة والوطن. أما المسيح، فهو يكشف أمام الحاضرين بأن تحرير الإنسان أهم بما لا يقاس من حرفية التفسير. يقول الآباء إن المسيح لم يأت ليبطل الناموس، بل ليظهر روحه وعمقه، أي الرحمة والشفاء والتجديد”.

وقال: “في رسالته إلى أهل أفسس، يتابع الرسول بولس هذا الخط الروحي حين يطلب إلى المؤمنين ألا يشتركوا «في أعمال الظلمة غير المثمرة»، بل أن يختبروا «ما هو مرضي عند الرب». إن السير في النور ليس مجرد امتناع عن الشر، بل حركة إيجابية نحو الله. لذلك، يدعو بولس المؤمنين إلى الفرح الروحي والترنيم والإمتلاء من الروح القدس. يقول القديس مكسيموس المعترف إن «الإمتلاء من الروح» يعني أن يصير الإنسان كله موجها نحو الله، فلا يكون قلبه منحنيا نحو الأرض، وأفكاره مشوشة ونفسه متكبرة”.

Spread the love

adel karroum