سوريا بعد عام على سقوط الأسد: من نهاية النظام إلى امتحان الدولة

سوريا بعد عام على سقوط الأسد: من نهاية النظام إلى امتحان الدولة

روبا مرعي

بعد عام كامل على سقوط نظام بشار الأسد، لم تعد سوريا تلك الدولة التي عرفها العالم قبل 2011، لكنها أيضاً لم تولد بعد بصورتها الجديدة. فالسقوط، على أهميته التاريخية، لم يشكّل نهاية حاسمة للأزمة بقدر ما فتح الباب على مرحلة أكثر تعقيداً، عنوانها العريض: الانتقال من دولة أمنية مغلقة إلى دولة هشة تبحث عن نفسها بين ركام الحرب وتضارب المصالح.

سياسياً، تشكّلت سلطة انتقالية بتركيبة هجينة تجمع معارضين سابقين، وقيادات ميدانية، وشخصيات تكنوقراط بدعم دولي مشروط. غير أن هذه السلطة لا تزال تعاني أزمة شرعية مزدوجة؛ فهي لم تُنتَج بعد عبر صندوق الاقتراع، كما أنها تصطدم بواقع السلاح المتفلّت والنفوذ المناطقي. أما مسار الدستور والحوار الوطني، فرغم إطلاقه رسمياً، لا يزال بطيئاً ومثقلاً بالخلافات حول شكل النظام، وصلاحيات المركز والأقاليم، ودور الدين في الدولة.

أمنياً، ورثت المرحلة الجديدة إرثاً بالغ التعقيد. فبدلاً من مؤسسة عسكرية موحّدة، ما تزال الخارطة السورية تعجّ بفصائل متعددة، وقوى محلية ذات طابع مناطقي وعشائري، إلى جانب بقايا شبكات أمنية موالية للنظام السابق. هذا التعدد في السلاح يحول دون احتكار الدولة للقوة، ويجعل الأمن هشاً، كما تعكسه موجات الاغتيال والخطف والنزاعات المحدودة، التي تؤكد أن الاستقرار لا يزال في حدوده الدنيا.

اقتصادياً، لم يحمل سقوط النظام الخلاص المنتظر بعد عام كامل. فالليرة السورية تواصل تراجعها، ونسبة الفقر تجاوزت عتبة الـ80 في المئة، فيما الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصحة وتعليم لا تزال في وضع كارثي. أما إعادة الإعمار التي رُوّج لها كعنوان للمرحلة الجديدة، فبقيت حتى الآن حبراً على ورق، بفعل الشروط الدولية، وضعف النظام المصرفي، وغياب البيئة الاستثمارية الآمنة. في المقابل، يستمر اقتصاد الظل بالتمدد، مع شبكات تهريب ومضاربات ورواسب اقتصاد الحرب.

اجتماعياً، تبدو الجراح أعمق من أن تُضمد بسرعة. فسوريا الخارجة من الحرب لا تزال منقسمة في الوعي قبل الجغرافيا، بين موالين سابقين ومعارضين ومتضررين صامتين. ولم يُفتح بعد مسار جدّي للعدالة الانتقالية أو المحاسبة، ما يبقي ذاكرة الدم حيّة ومؤجّلة الانفجار. أما ملف اللاجئين، فلا يزال عالقاً بين ضغط دول الاستضافة وهشاشة شروط العودة في الداخل، حيث يغيب الأمن والسكن والعمل.

إقليمياً ودولياً، ما زالت سوريا ساحة تجاذب نفوذ أكثر منها دولة مكتملة السيادة. فتركيا وسّعت حضورها شمالاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، لضمان مصالحها الحدودية ومنع قيام كيان كردي مستقل. في المقابل، تراجع النفوذ العسكري الإيراني من دون أن يختفي كلياً، فيما خرجت روسيا إلى حدّ بعيد من المشهد الميداني، محتفظة فقط بأوراق سياسية واقتصادية للمستقبل. أما الغرب، فيقدم دعماً حذراً ومشروطاً بالإصلاحات، خشية انهيار شامل يعيد إنتاج الفوضى.

بعد عام على السقوط، يمكن الجزم بأن سوريا خرجت من الاستبداد، لكنها لم تدخل بعد في الدولة. هي اليوم في منطقة رمادية بين الماضي الذي لم يمت تماماً، والمستقبل الذي لم يولد بعد. والخطر الأكبر لا يكمن في عودة النظام السابق، بل في تكريس دولة ضعيفة متعددة الرؤوس، تتحكم بها مناطق النفوذ والسلاح والارتهان الخارجي.

يبقى السؤال مفتوحاً: هل تنجح سوريا في السنوات المقبلة في العبور من مرحلة الثورة والسقوط إلى مرحلة الدولة والمؤسسات؟ أم أن البلاد ستنزلق نحو فوضى مزمنة أو تقسيم مقنّع؟ الجواب لا يزال معلّقاً على قدرة السوريين قبل غيرهم على إنتاج عقد وطني جديد، يعيد للدولة معناها قبل أن يعيد بناء حجرها.

Spread the love

adel karroum