بيضون لـ «الشرق»: فاتورة الكهرباء تحمل طابع «الخوة والجزية» والحل بإقصاء الطاقة من الجهة السياسية التي كانت على رأس الوزارة لسنوات
كتبت ريتا شمعون:
من عهد بعيد، وهذا السؤال يساور اللبنانيين «لماذا لا يوجد كهرباء في لبنان» رغم أن الحكومات التي تشكلت رفعت وعودا «بالجملة والمفرق» بإصلاح قطاع الكهرباء، ولم تف بها، وحصلت على الكثير من المساعدات والقروض والمنح الخارجية على مدى ثلاثين عاما وأكثر، وكلفت خزينة الدولة مليارات الدولارات، دون أي إصلاح يذكر.
ورأينا أخيرا كيف تفاقمت الأزمة، فشركة كهرباء لبنان في حالة خسارة مستمرة وتراكمية، تعمل وفق منهج السلفات لتأمين الفيول، وهي اليوم بحاجة الى المال ، وفي هذا السياق، كان قرار رفع التعرفة التي «هشلت المشتركين» فإضافة الى أنها تكاد تتخطى تعرفة مولدات الكهرباء الخاصة غير الشرعية، وهي تخطتها نسبيا مع إعطاء الكهرباء ما بين ساعتين و4 ساعات خلال هذين الشهرين خلافا لما جرى الترويج له من قبل المؤسسة بأن التعرفة الجديدة ستكون وطأتها أخف على المواطن لو تأمنت الكهرباء 24\24 كم ستبلغ الفاتورة ؟
الأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، فالتسعيرة الجديدة ليست ثابتة، كونه سيتم احتسابها على سعر صرف منصة «صيرفة» بلاس، وعليه، كيف يمكن للعامل أو العسكري أو الأستاذ الذين بالكاد يقبض 6 ملايين ليرة تحمل هذا العبء من دون الإستفادة عمليا من التغذية الكهربائية في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة والكارثية التي يعيشها لا سيما بسبب ملف الكهرباء؟
«أغرب علاقة في العالم أن يطلب مقدم الخدمة من مواطن دفع بدل خدمة لا يحصل عليها» هو عنوان الحديث الذي شرحه مدير عام الإستثمار سابقا في وزارة الطاقة غسان بيضون لجريدة «الشرق»، فأكد أن رفع التعرفة الجديدة لا تستند الى خطة مدروسة مشيرا الى أن سلفة المركزي تبلغ قيمتها 300 مليون دولار لتامين الفيول وتشغيل المعامل جاءت بعد فرض شرط رفع التعرفة ، بالتأكيد هي تعرفة ظالمة وغير عادلة تحمل طابع «الخوّة والجزية» يدفع ثمنها المواطن الآدمي مشككا بقدرة المؤسسة على رد السلفة كاملة لمصرف لبنان في الموعد المحدد ، وهي لن تكون قادرة على استقدام المزيد من الفيول فتبقى التعرفة المرتفعة في مقابل خدمة لا يحصل عليها المواطن وهذا أمر غير مقبول وتعتبر مخالفة صريحة .
وأكد بيضون، أن السلفة التي أعطيت لمؤسسة كهرباء لبنان تبلغ 1000 مليار ليرة هي غير قانونية بصيغتها الحالية من شأنها أن تتسبب بأزمة في موازنة العام 2024، وبرأي بيضون فإن من يتحمل مسؤولية هذه الفوضى المتمثل بالضياع القانوني هي الجهة التي استقدمت البواخر من دون أن تكون قد ضمنت بعد سداد الأموال لها، متوقعا أن تنخفض ساعات التغذية بعد نفاذ كميات الفيول المتوفرة . وحذر بيضون، من تداعيات زيادة الأسعار على المواطنين في ظل الأزمة الراهنة وغياب الإصلاحات، أما المعضلة التي قد تشكل صدمة للمستخدمين تكمن في تسعيرة الدولار التي ستعتمد في الفاتورة، والإحتمال يدور حول تسعيرة الـ104 آلاف للدولار بعدما اعتمدها المركزي في احتساب ثمن الفيول، كما جرى الإتفاق على أن يحول مصرف لبنان هذه الأموال وفق السعر المحتسب للمستخدمين والذي اقترح هو أن يكون وفق سعر صيرفة بلاس أي صيرفة بإضافة ما نسبته 20% على الفاتورة على ان كل الأموال الفائضة التي تزيد عن الجباية تحول الى حساب وزارة المالية.
وأضاف في هذا السياق، أن خطة رفع التعرفة الجديدة تتضمن رسم تأهيل دخل حيز التنفيذ، وهورسم لا يجوز استحداثه إلا بقانون وهو غير موجود بقوانين المؤسسة بالتالي هو ليس قانونيا.
ويشير بيضون، الى ان الهدف الأول من زيادة التعرفة هو تأمين تغذية كهربائية من 8 الى 10 ساعات في اليوم، علما أنه يصعب تأمينها، وإذا أمنت لن تستقر لأن مصادر تمويل الفيول
والحصول عليه عملية صعبة ومعقدة، أما بالنسبة الى خطة نزع التعديات وتفعيل الجباية هي أشبه « بمسرحية» واصفا عجز المؤسسة في هذا المجال « بالمخيف». والهدف الثاني من زيادة التعرفة هو تغطية العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان التي تعاني من إفلاس، إذ أنها غير قادرة على سداد مستحقات العاملين أو المتعهدين ومقدمي الخدمات.
أما من يتحمل مسؤولية هذا الفشل، يعتبر بيضون أن هذه الخطة هي خطة حكومية لنقول لصندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية أن لبنان يقوم بإصلاحات، إلا أنها شكلية بغض النظر عن تداعياتها وسلبياتها وعن انعكاساتها وعن عدم إمكانية نجاحها.
ومن يتحمل التقنين الحاد والأزمة التي نعيشها اليوم، الحكومات المتعاقبة التي نكثت بوعودها في المعالجة فلم يفلح وزراء الطاقة منذ أكثر من 10 سنوات في تنفيذ خطط علاجية وبقيت المولدات العشوائية هي الحل البديل ولم يتحسن وضع الكهرباء، معتبرا أن الحل الشامل لقضية الكهرباء برأيه هو أن نشهد تغييرا في وزارة الطاقة أو إقصاء الطاقة من الجهة السياسية التي كانت على رأس الوزارة لسنوات خلت . لا يبدو أن الحلول سوف تبصر النور، بل قد تكون أزمة دائمة بفعل تداخل المصالح، فكل حكومة أو كل وزير يعدان اللبنانيين بالكهرباء لكنها تبقى وعودا لافتا بيضون، الى ان سياسات قطاع الكهرباء 2010-2015 الى 2023 لم تطرح حلولا للقطاع الكهربائي وأكثر هي لم تعد تتناسب اليوم مع واقعنا الحالي ، مضيفا: ينبغي أن نخطط الى زيادة ميغاوات سنويا عبر مشاريع الطاقة الشمسية، إلا أن تلك الأفكار التي تحدثت عنها مرارا ومنذ العام 2019 تظل أسيرة الظروف الجيوسياسية وأسيرة الأدراج والإتفاقيات ، لكن المواطن اللبناني إستغل الطاقة الشمسية لمصلحته وسخرها بالإعتماد على وسائل وتقنيات الطاقة تزامنا مع التدهور المستمر في إمدادات الكهرباء في البلاد بسبب التقنين الحاد في التيار الكهربائي، إذ سارع المواطن القادر على تحمل التكلفة المادية الى تركيب أنظمة للطاقة الشمسية. واضاف: من الواضح أن الأزمة الإقتصادية كانت هي المحرك الرئيس لنمو الطاقة المتجددة في لبنان، وليست سياسات الحكومة أو وزارة الطاقة، لذلك لا تزال هناك حاجة الى إطار قانوني تنظيمي مناسب للطاقة المتجددة يوفر مشروعات موزعة تصل قدرتها الى تأمين 50 الى 60% من الطاقة الشمسية وإقرار لامركزية الطاقة والإجازة للبلديات بإنتاج الطاقة بالتعاون مع القطاع الخاص مشددا على ضرورة تنمية مهارات القطاعين العام والخاص على الصعيد الوطني لتحديد مشاريع الإستثمار في مجال الطاقة.
وختم قائلاً: لا أعتقد أن حل أزمة دامت لعقود ممكن خلال سنة أو أكثر، لا بد من اتخاذ إجراءات علاجية للكهرباء أو الذهاب الى «العلاجات الفضلى» مبنية على الثقة من شأنها التخفيف من حدّة الأزمة والإنتقال من «هلوسات» الطاقة الى تذليل ما اعاقها سابقا هو الواقع السياسي، هذه الإجراءات تحتاج بنظر بيضون الى تشكيل الهيئة الناظمة التي تضع الخطط والإستراتيجيات مبديا أسفه لأن البعض لا يريد أن يتشارك السلطة والقرار لا مع هيئة ناظمة ولا مع مجلس إدارة «والا فإن لبنان سيبقى في الفوضى العارمة تختلط فيها السياسة والإقتصاد والطاقة».