العاملية وُجدت لتبقى
الإحتفال بالمئوية الأولى للجمعية الخيرية الإسلامية العاملية أمس، تحوّل إلى مهرجان وطني حضوراً وخطاباً، شكلاً ومضموناً.
أصدقاء العاملية جاءوا من مختلف المناطق، وينتموا إلى كل الطوائف، وتحملوا حرارة الصيف ورطوبته، والسماع لثمانية خطباء، ليشاركوا في النهاية في رفع النصب التذكاري لمؤسس مدارس العاملية في بيروت والمناطق، الوزير والنائب وأحد رجالات الإستقلال الراحل رشيد بيضون.
حكاية العاملية تختصر تاريخ جيل من الرجالات الأفذاذ، كانوا أصحاب مبادرات رؤيوية كبيرة، قامت على العلم والفكر والثقافة، وعملوا على إقامة المدارس والمؤسسات التعليمية والمهنية، ليحاربوا الجهل والتعصب والفقر، ويزرعوا الأمل في نفوس الناس، ويفتحوا طرق المستقبل والنجاح لأجيال الشباب.
خرج رشيد بيضون من عائلة ميسورة، ولكنه سرعان ما تفاعل مع بيئته الفقيرة والمهمشة، فعمد في البداية إلى جمع مجموعة من الأطفال من الشارع، ووفر لهم الرعاية الإجتماعية والعناية الصحية. وكان ذلك بمثابة الخطوة الأولى التي ألهمته في تأسيس مدارس العاملية، التي أصبحت ملاذ الأطفال الفقراء، التي وجدت فيها عائلاتهم ضالتها بتعليم أولادهم، حيث كانت الدولة الوليدة ( لبنان الكبير) لا تملك من الإمكانيات لإقامة المدارس والمعاهد التعليمية في المناطق المهملة، وكانت الإرساليات الأجنبية تركز نشاطاتها في مناطق محددة.
«العاملية» كانت إسماً على مسمى، حيث إستقطبت مدارسها أبناء جبل عامل في بيروت، التي فتحت لهم ذراعيها منذ ما قبل الإستقلال، وأفسحت لهم مجالات العمل وتحقيق الطموحات المالية والتجارية، كما كانت المنبر الثقافي لعشرات الشعراء والمثقفين والمفكرين القادمين من جبل عامل، بحثاً عن الأضواء وفرص النجاح.
وعندما أنشأت العاملية مهنيتها، كانت في طليعة المؤسسات المهنية والتدريبية في لبنان، حيث تم تجهيزها بأفضل المعدات وأحدث التجهيزات، بالتعاون مع المؤسسات الألمانية التي أوفد بعضها مدربين وفنيين من أصحاب الإختصاص للتعليم في المهنية العاملية، التي إستقطبت طلاباً من مختلف المناطق اللبنانية.
صحيح أن تأسيس العاملية حصل في نفس العام الذي تم فيه إعلان دولة لبنان الكبير، ولكن من المحزن القول أن الدولة شاخت وغرقت في العجز والفشل في مئويتها الأولى، في حين مازالت العاملية تتألق بنجاحات حققها الوزير ونائب بيروت الآدمي محمد يوسف بيضون، ويتابع مسيرتها اليوم نجله يوسف محمد بيضون متسلحاً بالإيمان بقدرة هذه المؤسسة العريقة على قهر التحديات.
العاملية وُجدت لتبقى.. وتستمر أجيالاً وأجيال.