لبنان : الصراع الحدودي جنوبا و الصفقات شرقا و غربا

لبنان : الصراع الحدودي جنوبا و الصفقات شرقا و غربا

مصباح العلي يكتب الى الشرق

رغم الوتد المشدود بين إسرائيل و حزب الله، لا تلوح في الأفق مواجهة عسكرية مفتوحةفي الجنوب اللبناني، لأسباب عديدة  أبرزها الخلاف الحدودي في  50 نقطة جغرافية  لكن قطره يتسع ليشمل طهران والرياض ، بينما حدود هذا الملف  تتجاوز أرجاء العالم العربي إلى رحاب الساحة الدولية  و تحديدا موسكو وواشنطن و بكين.

خلال  الفترة القريبة ، عاش لبنان على وقع أزمة الخيمتين التي نصبهما حزب الله بوجه إسرائيل  في قرية الغجر و التي تشمل مع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ، و هي تعتبر   إشكالية تاريخية كونها مثلث جغرافي  متنازع عليه بين لبنان و سوريا و فلسطين  منذ الترسيم الشهير عقب انهيار السلطنة العثمانية .

 

منذ المناورة الأخيرة التي نفذها حزب الله في شهر مايو الماضي ، تعيش إسرائيل قلق اقتحام وحدة  الرضوان قرى الجليل عند وقوع المحظور كونها قوات النخبة التي تعد لشن هجمات حتى العمق الإسرائيلي  ، خصوصا في ظل قناعة اسراءيلية راسخة بأن رفع  إيران شعار « وحدة الساحات « لم يأتي من فراغ أو عن عبث ، حيث تحاول طهران نقل وجهة صراعها إلى الكيان الإسرائيلي بحكم الأيديولوجيا الإسلامية  الخمينية .

بالمقلب الآخر، لا تتيح ظروف لبنان أمام الفرصة أمام حزب الله الاقدام على خطوات كبيرة جنوبا  رغم التفوق العسكري و الغلبة الأمنية ، هذا البلد بات عليلا و  يحتاج للراحة كونه يحتضر سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا ، و جميع أطرافه السياسية تدرك  بأن لا قيامة أو انبعاثه من جديد إلا  برسم وظيفة أو دور  في محيطه الذي يعج بالتناقضات كما بالنزاعات .

 

ينبغي الاعتراف بأن لبنان الوطن الجميل ، فقد بريقه  فما عاد لوحة رومانسية أو فكرة شاعرية ، لا هو الشقيق الأصغر للعرب الذي ينبغي رعايته ، و لا يعتبر  قبلة الشرق والغرب حيث كان مقصد العالم للعلم و الثقافة و السياحة و الطب والصحافة ، لبنان  لم يبقى منه سوى حطام دولة نهشتها الطائفية و المذهبية و غصة قوية  في قلوب محبيه .

 

بمعزل عن  التناقضات الداخلية داخل إسرائيل كما عند لبنان، هناك العامل  الأبرز و التي تدور حوله النقاشات كما الخطط ،  أنه التنقيب عن ثروات الساحل الشرقي  للبحر الأبيض المتوسط وهو الهلال الجغرافي الذي يمتد من مصر صعودا حتى تركيا ، وعلى المقلب الآخر سواحل  أوروبا .

هنا ، يبرز الانخراط الدولي في لعبة الأمم كونها لا تخلو من أطماع استعمارية ، فرنسا تعتبر نفسها اللاعب الأبرز تاريخيا منذ اقتسام الإمبراطورية العثمانية مع بريطانيا العظمى العام 1916، في حين أسقط عن اتفاق سايكس – بيكو الشهير اسم سازونوف الموفد الروسي  كونه الطرف الثالث في الاتفاق الذي انسحب بحكم الثورة البلشفية 1917، بينما باتت روسيا في عمق معادلة الشرق الأوسط بحكم النفوذ القديم أو خلال الانتشار العسكري في روسيا حاليا .

 

 فرنسا كما روسيا و بريطانيا بصفتها امبراطوريات تاريخية ، تسعى  قدر المستطاع استعادة مجدها دون النظر إلى تغييرات جيو استراتيجية ، أبرزها طموحات الصين باستعادة طريق الحرير ، كذلك  انبعاث تركيا في عصر أردوغان و الذي سيغير وجه العالم ، وعلى الطرف الآخر  ميلاد  مشروع نيوم في عمق الخليج العربي  ضمن رؤية 2030 والذي سيقلب نمط أرض الحجاز رأسا على عقب.

 

في توقيت يحمل دلالات كثيرة ، يتحرك راهنا عاموس هوكشتاين الوسيط الأميركي الذي أشرف على إنجاز  ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل ، وهو دخل على خط الترسيم البري بما في ذلك النقاط المتنازع عليها . يجري ذلك مع اقتراب موعد بدء التنقيب من الجانب اللبناني خلال مهلة شهرين ، بينما سبقته إسرائيل بأشواط .

بالخلاصة  احتشاد  هذه الأمم في هذه البقعة الضيقة من العالم  و انخراطها حتى النخاع ، تجري بينما لبنان يعاني الهوان الشديد ، ليبقى مصيره ملقى على رصيف المفاوضات بانتظار  وجهة الرحيل ، ذلك أنه وطن الهجرة بامتياز منذ القرون الوسطى و حكم القناصل و حروب الأساطيل البحرية ، إلى اختلاف أشكال الحروب والاستعمار كما شكل الامبراطوريات و انواعها  .

Spread the love

adel karroum

اترك تعليقاً