هآرتس للإسرائيليين: حماس وحزب الله فرضا معاييرهما والشعب الفلسطيني باق.. ولا أمن إلا بعملية سلمية
إسرائيل لن تنتصر في هذه الحرب. فحماس بثلاثة معايير حاسمة استطاعت، أن تقرر قواعد اللعب، وتبعها في ذلك “حزب الله”، وكلما استمرت الحرب تتفاقم تداعيات هذه المعايير في غير صالحنا.
المعيار الأول هو الوضع غير المسبوق الذي نجحت حماس وبعدها “حزب الله”، في خلقه على حدود القطاع وعلى الحدود الشمالية. بعد مذبحة 7 تشرين الأول، وبعد فقدان الأمن الشخصي في إسرائيل عقب ذلك، فإن نحو 120 ألف مواطن إسرائيلي تركوا أماكن سكنهم في النقب الغربي وفي منطقة الشمال. وهم “مهجرون في بلادهم” منذ أسابيع. مشكوك فيه إذا كان هدف القضاء على حماس قابلاً للتحقق. في المقابل، ربما يستمر “حزب الله” في ترسيخ معادلة إطلاق النار المتبادل في الشمال ومحاولة الاختراق إلى داخل الدولة. معنى ذلك، أنه كلما طالت الحرب فالكثير من المواطنين لن يعودوا إلى بيوتهم.
المعيار الثاني هو الإضرار الكبير بسياسة إسرائيل للتوصل إلى التطبيع مع العالم العربي المعتدل، وعلى رأسه السعودية. ونحن على شفا التوقيع على اتفاق تاريخي بين أميركا والسعودية وإسرائيل، استطاعت حماس إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز جدول الأعمال الإقليمي والدولي. وكلما استمرت إسرائيل في حربها الوحشية في قطاع غزة سيزداد الضغط على العالم العربي المعتدل لاتخاذ موقف قاطع ضدها، موقف لن يعيد الدولاب إلى الوراء. الحديث يدور عن إضرار كبير بالآفات التجارية – الاقتصادية التي سعت إسرائيل إليها، والتطلع إلى شرعية إقليمية أمام السعودية وحلفائها في المنطقة والعالم.
الثالث هو قضية المخطوفين. صفقة التبادل التي تم تنفيذها تبرهن على اضطرار إسرائيل إلى التنازل لحماس والاستجابة بدرجة لا بأس بها لمصالحها. يمكن الافتراض أن الضغط داخل إسرائيل سيزداد بعد تنفيذ الصفقة الحالية؛ من أجل تنفيذ جولات أخرى من التبادل مقابل هدنة طويلة المدى وإطلاق سراح سجناء “لهم وزن”. وإذا رفضت إسرائيل فستضطر التضحية بالجنود في مهمات ذات شك كبير في أن تؤدي إلى إطلاق سراح مخطوفين على قيد الحياة، الأمر الذي سيثير توتراً شديداً في المجتمع الإسرائيلي.
السيناريو المتفائل ظاهرياً يقول إن إسرائيل ستهزم حماس وسلطتها خلال بضعة أشهر. ولكن مسؤولية استمرار السيطرة على القطاع وسكانه ستلقى على إسرائيل في هذا الواقع الجديد. وهناك شك إذا كانت هذه الهزة القوية ستجلب الأمن، أو قد تخلد وضعاً دائماً من القتال والخسائر، وهذا نعرفه من قطاع غزة قبل عملية الانفصال، ومن جنوب لبنان.
لذلك، حان الوقت لنعترف بأننا لن نحقق انتصاراً، ولا يهم عدد الضربات الوحشية التي سنوجهها للقطاع وسكانه المساكين. الحقيقة المؤلمة أن حماس، وفي أعقابها “حزب الله”، قد جرا إسرائيل إلى حرب بدأت بمبادرة هجومية منهما وبفشلنا الفظيع. العمليات العسكرية لن تنجح في تغيير الوضع السياسي الذي وجدنا أنفسنا فيه.
ما العمل إذاً؟ أولاً، يجب العمل على وقف إطلاق النار وإجراء صفقة شاملة لإطلاق سراح جميع المخطوفين ومحاسبة المسؤولين عن الفشل في أسرع وقت. ثم الالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل وقف بعيد المدى لإطلاق النار، 15 سنة تقريباً، والعمل على تنفيذ هذا الالتزام. هذا العرض سيحصل على دعم العرب والعالم العربي المعتدل والسلطة الفلسطينية. ولن يبقى أمام حماس أي خيار سوى الانضمام إلى هذه المبادرة، كما اقترح قادة حماس خطة مشابهة من قبل. لقد حان الوقت لمبادرة إسرائيلية سياسية تنبع من الإدراك بأن الشعب الفلسطيني لن يختفي، وأن طريقة العيش بأمان هنا من خلال الاعتراف بحقوقه وطلباته المشروعة في الاستقلال.