الملكة رانيا العبدالله في مقال لـ «واشنطن بوست»:في أرض ميلاد السيد المسيح ألغيت احتفالات العيد
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية يوم الخميس الفائت مقالاً بقلم جلالة الملكة رانيا العبدالله بعنوان: «في أرض ميلاد المسيح ألغيت احتفالات العيد المجيد». تحدثت فيه عن الخسائر المأساوية في غزة، مشددة على ان المطالبة بوقف إطلاق النار هو أقل ما يمكن القيام به.
فماذا قالت الملكة:
عادة تنبض بيت لحم بالحياة في عيد الميلاد. لكن ليس هذا العام. في الأراضي المقدّسة ألغيت الاحتفالات. فلا مواكب ولا أسواق ولا إضاءة لأشجار الميلاد في الساحات العامة. وفي بلدي الأردن، حيث تعمّد المسيح عليه السلام اختار مجتمعنا المسيحي أن يفعل الشيء ذاته.
في الضفة الغربية المحتلة، إحدى كنائس بيت لحم عدّلت مشهد المغارة، فوضعت تمثال الطفل يسوع بين أنقاض مبنى تعرّض للقصف، وذلك انعكاساً للقصة التي نراها على الشاشات في كل مكان: الصور المروّعة للدمار في غزة، وبالأخص الأطفال الملطخين بالدماء.
أشاهد مقطعاً لأب من غزة يلامس وجه ابنته ويطلب من شخص أن يتأمل جمالها، قد تحسبها نائمة لولا كفنها الأبيض. أنتقل من مقطع لآخر، وأرى مشهداً لصبي يكافح وسط الأمطار في طرقات غمرتها المياه، وهو يحمل جثة طفل أصغر منه، رافضاً أن يتركه خلفه. تبكي عندما يحاول آخرون أخذها فهو غير مستعد لتركها بعد.
لم يفقد أهل غزة الأمل في إنسانية الآخرين رغم فشل الكثيرين في رؤية إنسانيتهم.
منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والغالبية العظمى من الضحايا في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة هم من المدنيين، سواء قُتلوا أو اختطفوا أو اعتقلوا ظلماً. ومع كل يوم يمضي من دون وقف إطلاق النار تتعاظم الخسائر بشكل مأساوي.
في غضون ما يزيد قليلاً عن شهرين، قلبت إسرائيل غزة الى جحيم، حوالى 20 ألف قتيل، ما لا يقل عن ثمانية آلاف طفل وهو عدد يفوق حصيلة قتلى «بيرل هاربر».
لقد نزح نحو مليوني شخص من أصل 2.2 مليون في غزة… أغلبية سكانها أصبحوا لاجئين. أكثر من خمسين ألف جريح. في حين ثمانية مستشفيات فقط من أصل 36 مستشفى تقدّم الخدمة.
أصبح الوضع كابوساً إنسانياً واضحاً، ومع كل يوم يمضي يتراجع مقياس ما هو مقبول الى مستويات متدنية جداً.
بغض النظر عن الطرف الذي تدعمه، لا يزال بإمكانك المطالبة بوقف إطلاق النار والافراج عن الرهائن والمعتقلين ووصول المساعدات من دون قيد.
وقف إطلاق النار مجرّد البداية.. وعلينا أن نباشر بالعملية الصعبة المتمثلة في إعادة الانسانية والاعتراف بإنسانية الآخرين.
أنا أم، ويَنْفطر قلبي على الآباء والامهات في غزة الذين يبذلون كل ما في وسعهم لإبقاء أطفالهم أحياء، ومن ثم يفقدونهم.
هناك مقطع آخر لن أنساه أبداً، لأمّ تودّع أطفالها قضوا بقصف جوّي أثناء نومهم، حزن أمهم لا يحتمل، شعورها بالذنب لموتهم جياع كَسَرني.
في التوراة والانجيل والقرآن، يفقد النبي ايوب عليه السلام ممتلكاته وأولاده وصحته، ومع ذلك يظلّ ثابتاً على إيمانه، لقد تكرّم صبره عند اليهود والمسيحيين والمسلمين.
هذه الحرب يجب أن تنتهي. واليوم يتلخص الأمر في سؤال واحد، يتعيّـن على الجميع الاجابة عليه: إذا كان بوسعك أن تمنع موت مئات أو آلاف الاطفال الآخرين… فهل ستفعل ذلك؟